ماذا بعد “كورونا”؟

آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2020 - 2:20 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

أثار انتشار فيروس “كورونا المستجد” الرعب في نفوس العالم بجميع مستوياته العلمية والسياسية والاقتصادية، بل والعسكرية، بعد أن أصبحت جميع الدول في حالة استنفار كامل بسبب الفيروس المميت، وانتشار الجيوش في الشوارع في بعض الدول لمحاربة وباء “كورونا”.

ومنذ الإعلان عن انتشار الفيروس في دولة الصين في ديسمبر الماضي وزيادة نسب الإصابات في الدولة العظمى في يناير وفبراير لم تتوقف التكهنات وحرب الاتهامات سواء على المستوى الرسمي أو من قبل تكهنات الخبراء والمحللين السياسيين.. ففي إطار نظرية المؤامرة انطلقت الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بأن أمريكا هي من خلقت هذا “الفيروس” في معاملها، وقام الجيش الأمريكي بنقله إلى مدينة “وهان” الصينية (بؤرة انتشار الفيروس)، ما جعل هناك وجهة نظر أخرى تتهم الصين نفسها بتخليق “الفيروس” من أجل تسريح الشركات الأوروبية والأمريكية من الأسواق الصينية وبيع أسهمها في البورصة بأسعار زهيدة وتكبيدها خسائر فادحة مما يمكن الصين من شراء هذه الشركات والاستحواذ عليها.

الطرح السابق كان يمكن قبوله إذا رأينا مؤشرات على تحقيق مكاسب لإحدى الدولتين في إطار الاتهامات المتبادلة والتي لم تهدأ وتيرتها حتى اللحظة، بل آخذة في التصاعد. وقد رأينا جميعا حجم الإنفاق والخسائر التي تكبدتها الصين في حربها للقضاء على هذا الفيروس والإجراءات الحازمة مع المواطنين في البيوت والشوراع والتي وصلت إلى استخدام القوة المفرطة لإجبار المواطنين على العزل الصحي سواء في البيوت أو المستشفيات حتى نجحت الصين في القضاء على الفيروس اللعين وإقامتها حفلا ضخما ومبهرا بهذه المناسبة.

ولكن، بعد الصين وجدنا سرعة الانتشار في كل من إيران ومن بعدها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكوريا الجنوبية وأمريكا “بنسبة كبيرة” وصولا إلى دول الخليج ومصر والجزائر والمغرب، ولا نعلم ماذا في الأيام القادمة، مما يدعونا إلى إعادة النظر في فكرة “المؤامرة” والتي أصبحت “وهما” بعد انتشار الفيروس في معظم دول العالم وإعلان منظمة الصحة العالمية بأن فيروس كورونا أصبح وباء عالميا، وهو ما يدعونا إلى وجوب الابتعاد عن فكرة “المؤامرة”، على الأقل في هذه الظروف، حتى ننجو وينجو معنا الآخرون.

ففي مصر بدأ الظهور لفيروس كورونا وبدأت الإصابات تنتشر في عدة محافظات، وبدأت الحكومة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية بحسب تسلسل خطة المواجهة، وقامت بتعطيل الدراسة أولا، ثم تعليق الصلاة في المساجد لفترة أسبوعين (هما فترة حضانة الفيروس)، وكذلك إغلاق المحال التجارية والمقاهي (من السابعة مساء إلى السادسة صباحا)؛ بهدف تقليل التجمعات دون ضرورة، وناشدت الحكومة المواطنين بالإبقاء في منازلهم وتطبيق العزل الصحي ذاتيا طيلة فترة حضانة الفيروس، حتى لا تضطر الحكومة إلى سيناريو عدم القدرة على السيطرة حال تفشي المرض واختيار الحالات التي فيها أمل للعلاج كما الحال في إيطاليا التي فشلت في السيطرة على الوباء وسجلت أعلى معدل إصابات ووفيات في العالم بسبب استهتار مواطنيها وعدم استجابتهم لإجراءات حكومتهم.

وإذا تحدثنا دينيا عن انتشار الوباء وأنه غضب من الله عز وجل بسبب عباده الذين ابتعدوا عنه وعن دينهم الحق، فلا شك في ذلك، وكما ورد في الأثر “ما نزل بلاء إلا بذنب”، وكان علينا أن نهتدي بتعاليم ديننا في الصدق والأمانة والتكافل وكل أشكال البر أثناء هذه المصيبة، وأن نبحث في فقه العبادات والمعاملات؛ لنعلم ما جهلناه ونأخذ ما ينفعنا منه لحياتنا (زمنا ومكانا)، ولنتبع أوسط الأمور كما علمنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن خير الأمور الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.

أيضا، رأينا أصحاب الاتجاهات الدينية المتشددة راحوا يطلقون صرخات الصياح من قرار تعليق صلاة الجماعة والجمعة في المساجد لمدة أسبوعين، ناسين أنه في زمن الأوبئة منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في المساجد، بل كان النداء عدم الخروج، فواجب على الإنسان عدم إيذاء نفسه وتعريضها للتهلكة.

أما اجتماعيا، فقد كانت في المصيبة فرصة لتجمع الأسرة في بيتها كما كانت عاداتنا التي نشأنا عليها، بدلا من حالة التفسخ التي سببتها التكنولوجيا الحديثة والتوسع في استخدام أجهزة التليفون المحمول والكمبيوتر وما عليها من تطبيقات مثل وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فإجراء العزل الذاتي كفيلا بأن يجعل الأسرة تقترب من بعضها لاستعادة دفء الترابط الأسري، ومناقشة أحوال الأسرة بين الأب والأم واستعادة حوار التواصل والرحمة بين الأبناء والآباء والأمهات.

أيضا في المحنة فرصة لمراجعة العلاقات بين البشر، بين الأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء.. الكل يستعيد قيم العون والتكافل ونزع روح الكراهية والغل والحقد التي طغت وعمت في مجتمعنا، للأسف، فواجب في هذه المحنة أن يعطف القوي الضعيف ويحنو عليه ويكون له السند، وأن يعين الغني أخاه الفقير، ويتكفل الجيران ببعضهم في أوقات المحن والعوز.

أما اقتصاديا، فقد شاهدنا في الأزمة سلوكيات خلقت أزمة أخرى من قبل التجار والمحتكرين الذين خلقوا سوقا موازية “سوق سوداء” لمنتجات النظافة والتطهير والمستلزمات الطبية كالكحول والكلور والكمامات والقفازات، بعد أن تبارت الشركات في تخزينها وحجبها عن السوق، مستغلين الأزمة، لرفع أسعارها وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة مئات المرات.

وأخيرا، عن دور الحكومة في مواجهة انتشار الفيروس، ففي الحقيقة وإن كانت هناك بعض المواقف نختلف فيها مع الحكومة، لكن ليس هذا وقته مطلقا، فعلى الجميع أن يقوم بدوره ويمد يد العون للحكومة مساعدة في خروجنا جميعا من الأزمة، فكلنا في مركب واحدة، وعلى الجميع أن ينحوا خلافاتهم ومذاهبهم السياسية والفكرية جانبا، كلنا في المحنة مصريين، وكلنا تحت مظلة واحدة هي مصر.

رابط مختصر
2020-03-23 2020-03-23
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر