مالي.. ماذا بعد الانقلاب؟!

آخر تحديث : الجمعة 21 أغسطس 2020 - 4:44 مساءً
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

18 أغسطس 2020 تاريخ جديد في عالم الانقلابات التي شهدهتا جمهورية مالي، الواقعة في غرب أفريقيا، بعد أن تمكن عدد من العسكريين المتمردين في الجيش المالي من تنفيذ انقلاب عسكري ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا ورئيس وزرائه بوبو سيسيه، حيث تم اعتقالهما واقتيادهما إلى وحدة عسكرية في بلدة كاتي تبعد عن العاصمة المالية مسافة 15 كيلو متر تقريبا.

ولكن، هل وقع الانقلاب مفاجأة بين عشية وضحاها دون أي مقدمات؟ سؤال بحث عنه غير المتابعين للشأن الأفريقي ولما يجري في مالي تحديدا منذ عدة أشهر.. فماذا حدث؟

تعد مالي (20 مليون نسمة) واحدة من أفقر دول العالم، والتي تعاني مشكلات أمنية منذ سنوات طويلة، خصوصا في إقليم أزواد (شمال البلاد) الواقع تحت سيطرة جماعات الطوارق، ليس هذا فحسب، بل وصلت الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين ليزيدا من حجم الأعباء الملقاة على أنظمة الحكم المتعاقبة في مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية؛ مما جعل مالي مسرح عمليات مفتوح لتواجد قوات عسكرية دولية وأممية بحجة مواجهة التنظيمات الإرهابية وفرض الأمن والسلام في الدولة الأفريقية التي لم تنفك عن الوصاية الفرنسية بعد.

كل هذه الأعباء أدى إلى إظهار حكم الرئيس كيتا بالسلطة الضعيفة في مواجهة انعدام الأمن، علاوة على حالة الركود الاقتصادي التي ضربت البلاد، واتهامات شعبية بتفشي الفساد في مختلف مؤسسات الدولة.

ولكن، ما الجديد وقد تسلم “كيتا” مقاليد الحكم منذ سبع سنوات، حيث جاء في عام 2013 خلفا للرئيس السابق عمر ألفا كوناري، ولم يتسلم “كيتا” الحكم والبلاد في أحسن حالاتها، بل استمرت الأوضاع كما هي، أو كما الادعاءات الشعبية ازدادت سوءا.

الجديد أن الأزمة بدأت منذ عدة أشهر على خلفية الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت بجولتيها الأولى والثانية في مارس وأبريل الماضيين، حيث زعمت أحزاب المعارضة أن الحزب الحاكم (التجمع من أجل مالي) قد سرق فوزها، وأن المحكمة الدستورية عكست نتائج الانتخابات بما يقدر بـ(30) نتيجة فيها (10) لصالح الحزب الحاكم والمعروف بـ(IBK). وعلى إثر تلك النتيجة اقترح المجلس الوطني للمجتمع المدني في مالي (يضم عدة منظمات من المجتمع المدني) استقالة المحكمة الدستورية، وحل الجمعية الوطنية (البرلمان)، وتلبية المطالب الاجتماعية للمواطنين، وتشكيل حكومة منفتحة لاستكمال الحوار الوطني الشامل الذي انعقد في ديسمبر الماضي، كذلك إقامة حوار بين (تجمع 5 يونيو) والنظام الحاكم.

إلى هنا يجب أن نذكر أن الرئيس إبراهيم كيتا قدم دعوة للحوار كطريق وحيد للخروج من الأزمة حتى يتم التفرغ من المعركة الأهم وهي السلام والأمن والتنمية.

ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، جاء اختطاف زعيم المعارضة صوملا سيسي ليشعل الموقف مع إعلان المحكمة الدستورية نتائج مزورة للانتخابات التشريعية – بحسب المعارضة- ويتعقد الموقف أكثر مع دعوة الإمام المؤثر رجل الدين محمود ديكو الذي دعا إلى خروج تظاهرات تدعو إلى استقالة الرئيس، وهي الدعوة التي تقابلت مع تأييد أحزاب المعارضة وحركة المجتمع المدني ليتم تشكيل تحالف معارض غير مسبوق في مالي.

ويأتي يوم الخامس من يونيو لخروج الآلاف من الشعب المالي إلى الشوارع مطالبين “كيتا” بالاستقالة.

ظلت المظاهرات الاحتجاجية خلال شهري يونيو ويوليو تأخذ موجة متأرجحة في الصعود والهبوط وسط مطالبات بلجان تحقيق دولية بعد سقوط بعض القتلى أثناء الاحتجاجات، وعمليات نهب واعتداءات على منشآت وممتلكات عامة وخاصة كان أهمها مبنى التليفزيون الوطني، كذلك المطاردات وحملات الاعتقالات التي طالت عددا من السياسيين والنقابيين لتجمع 5 يونيو للقوى الوطنية.

وفي ظل دعوات مواصلة تجمع 5 يونيو للكفاح من أجل الإطاحة بالرئيس إبراهيم كيتا، ظهرت عملية الانقلاب العسكري الذي قاده جنرالات كتيبة كاتي (غرب العاصمة باماكو) وهي نفسها المكان الذي توجه إليه “كيتا” ورئيس وزرائه “سيسيه” بعد اعتقالهما، وإجبار الرئيس كيتا على توجيه خطاب تليفزيوني يعلن فيه استقالته.

ورغم أن الانقلاب العسكري قد تم بشكل سريع ودون أي مقاومة، حيث أكد الرئيس كيتا أنه فضل الرحيل حقنا للدماء، رغم ذلك إلا أن مظاهر الابتهاج والفرحة بالإطاحة بالرئيس كيتا عمت شوارع مالي، ما أضفى شرعية على الانقلاب الذي وصفه قادته بأنه ليس انقلابا بل هي انتفاضة شعب، وأن ما قاموا به جاء تلبية لمطالب الشعب المالي. وإمعانا في إضفاء الشرعية على الانقلاب فقد دعا (المجلس الوطني لإنقاذ الشعب) القوى المدنية للانضمام إليهم، كما تعهده بإجراء الانتخابات في مدة زمنية معقولة، دون الإفصاح عن موعدها.

وبعد أن أصبح الإطاحة بالرئيس كيتا خبرا يقينا، انتفض المجتمع الدولي والعديد من الدول رافضين الانقلاب العسكري، داعين قادة الانقلاب الإفراج الفوري عن الرئيس إبراهيم كيتا وعودة النظام الدستوري للبلاد في أسرع وقت، وهو ما سيبحثه مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة، كما دعا “الاتحاد الأفريقي” إلى وقف الانقلاب وعودة الأمور لما كانت عليه، كما علق “الاتحاد الأفريقي” عضوية مالي في رد فعل مباشر لرفض الانقلاب، كما دان “الاتحاد الأوروبي” وفرنسا بشكل خاص عملية الانقلاب.

وتستمر ردود الفعل الدولية الرافضة لعملية الانقلاب العسكري على الرئيس كيتا ونظامه، في الوقت الذي هدأ في الشارع المالي، وفي مفاجأة غير متوقعة أعلن رجل الدين المحرك للاحتجاجات الإمام محمود ديكو اعتزاله العمل السياسي.

ولكن يبقى السؤال الأهم بعد الانقلاب، ماذا عن أوضاع مالي وهل ستتحقق مطالب شعبه من تحسين حواله الاقتصادية واستتباب أمنه والتخلص من الإرهاب؟ ومن سيحقق كل هذا؟.. هل سيحققه الانقلابيون أم رئيس جديد يقضي سنوات جديدة ليتكرر سيناريو قديم ومعروف من الانقلابات؟!

رابط مختصر
2020-08-21
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر