أوكرانيا.. بوابة الخوف

آخر تحديث : الجمعة 25 فبراير 2022 - 11:26 مساءً
                       بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

فعلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتخذ قرارا جريئا بشن الحرب على أوكرانيا، بعد أربعة أشهر من الجدل الدائر والتهديدات المتصاعدة ضد روسيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية (أعضاء حلف الناتو) حال إقدامها على غزو أوكرانيا.

فعلها قيصر روسيا الجديد دون الانتظار أو المهادنة مع أمريكا وحلفائها من الأوروبيين الذين حاولوا إيهام “القيصر” أنه سيكون من السهل تقليم أظافره إذا ما فكر واقترب من أوكرانيا التي أرادوها عضوا جديدا في حلفهم (الناتو)؛ ليكونوا شوكة في حلق روسيا ومحاصرتها ليطبقوا على أنفاسها من جديد بعد ما نجحوا في تفكيك دولها الاتحادية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

ورغم أن الخلافات بين روسيا وأوكرانيا قديمة متجددة، فهي خلافات تاريخية ولها بعد عميق في عقيدتها السياسية والوطنية، وهذا ما أكده الرئيس بوتين في خطابه قبل الحرب بـ72 ساعة، حيث أكد أن أوكرانيا جزء من روسيا السوفيتية وأنهم شعب واحد وكانوا يتكلمون لغة واحدة، وأن ما سيقدم عليه إنما لحماية الشعب الأوكراني الذي مازال يتمكسك ويعتز بروسيته وأنه يريد العودة إلى وطنه الأكبر روسيا، وأنهم مازالوا يتحدثون اللغة الروسية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الهدف الاستراتيجي لدى “بوتين” هو حماية الأمن القومي الروسي من وجود أي قوات أجنبية على حدود بلاده، وهذا ما كانت تخطط له أمريكا ومعها دول أوروبا أعضاء حلف الناتو، حيث أن النظام الحاكم في أوكرانيا لديه ميول غربية نحو أوروبا بعد الاستقلال عن روسيا في مطلع تسعينات القرن الماضي، رغم أن هناك قوميات روسية في أوكرانيا ترفض الانضمام إلى أوروبا ومازالت متمسكة بانتمائها الروسي، وهؤلاء ما يطلق عليهم الانفصاليين في كل من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها في عام 2014، ومنذ أيام قليلة أصدر “بوتين” قرارا بالاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك، ولوجانسك ممهدا لهم الطريق في حق تقرير مصيرهما والاستقلال عن أوكرانيا.

ولكن، ماذا حدث ليفاجأ الجميع بقرار الحرب الذي أخذ مساحة كبيرة من الجدل، وأن روسيا ربما تستجيب للتهديدات الأمريكية والأوروبية خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والحصار الذي سيفرض على روسيا وعزلها عن العالم.

لقد درس “بوتين” موقفه، وهندس حساباته مع أجهزته المختلفة في الدولة، ليتخذ قراره الحاسم ليفاجئ العالم بأول ضربة معلنا حربه على أوكرانيا في فجرالخميس 23 من فبراير 2022، وكانت الصدمة من هول المفاجأة التي كشفت زيف ادعاءات أمريكا وحلفائها الأوروبيين الذين طمئنوا أوكرانيا وأنهم سيحمونها ويدعمونها ضد روسيا، ولم يكن أكثر من إرسال بعض العتاد العسكري المتواضع الذي لا يتحمل ضربة واحدة من الجيش الروسي المتفوق عسكريا على جميع الأصعدة، حيث تقول التقارير أن الجيش الروسي يمتلك حوالي 900 ألف مقاتل، بخلاف المعدات العسكرية الحديثة بمختلف أنواعها، علاوة على أن روسيا تمتلك سلاحا نوويا، بينما الجيش الأوكراني لا يتجاوز عدد أفراده 250 ألف مقاتل، ويمتلك عتادا متواضعا أمام الجيش الروسي.

كانت كل المؤشرات التي سبقت الهجوم الروسي تدل على أن “بوتين” استعد تماما للمعركة، وبدأ حصاره لأوكرانيا من جهة الغرب، حيث مناوراته العسكرية مع دولة بيلاروسيا والتي تم تمديدها إلى نهاية فبراير الجاري بعد ما كان مقررا نهايتها في 20 فبراير، وكذلك وجود قواته في الجنوب في شبه جزيرة القرم، ومن جهة الشرق نشر حوالي 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا في كل من دونيتسك ولوجانسك اللتين اعترف باستقلالهما مؤخرا.

لم يكن أمام “بوتين” إلا استعراض قوته أمام العالم ليؤكد على وجودها التي يظن البعض أو يتمنى فنائها، ولا ننكر أنه أمام حلم قديم غارق في تنفيذه، حيث الامبراطورية الروسية القديمة.

ولكن أوكرانيا التي دفعت جارتها العظمى إلى هذا بعد أن وثقت في أصدقائها من الأمريكان والأوروبيين، ولم تستفد من الدروس السابقة لها في كل من العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا، فلم تخرج أمريكا منتصرة في نهاية المطاف في كل تلك المحطات.

ولعل الفضيحة الكبرى لأمريكا كانت في انسحابها هذا الانسحاب المهين من أفغانستان في شهر أغسطس الماضي، وكيف لم تستطع تؤمن خروج جنودها قبل موعد الانسحاب مستجدية بعض الدول في نقل جنودها ورعاياها، ما فتح الطريق ممهدا لعودة حكم طالبان مرة أخرى لأفغانستان، وهي ذات الجماعة التي جاءت أمريكا لتخلص أفغانستان منها!! إن العالم الذي يعيد حساباته اليوم وهو يراقب إلى أين ستنتهي حرب روسيا وأوكرانيا وأين سيكون شكل هذا العالم بتأثير تبعات تلك الحرب يؤكد كافة المحللين أنه لن يكون عالم الأمس وأن خريطته ستتغير تماما سياسيا واقتصاديا.

وهنا لن نقف أمام آراء المحللين والمراقبين لنؤيد أو ننفي، ولكن فقط نذكر بعضنا بأن هؤلاء المحللين والمراقبين هم أنفسهم من قالوا نفس التحليل عند تفشي جائحة كورونا وحصدها أرواحا من جميع دول العالم ومازالت تداعياتها مستمرة، فقالوا أن عالم ما قبل كورونا لن يكون هو العالم بعد كورونا. ولعل الشئ بالشئ يذكر، ونحن في خضام الحرب الروسية الأوكرانية لم نسمع عن تداعيات جائحة كورونا وأرقام ضحاياها والإجراءات الوقائية التي يجب مراعاتها.. يبدو أن متابعة وتغطية الحرب في أوكرانيا هي الشغل الشاغل الآن لكل محطات التليفزيون العالمية؛ حيث ما يريدون توجيهه للمتلقين، وأما تداعيات فيروس كورونا فيذكرونه على استحياء.

إن الخوف الذي يصدره المحللون السياسيون وبالطبع الدول مصدرة الأزمة لخوف متعمد، وإن كان جزءً منه صحيحا، فهناك دولا في مناطق مختلفة وخصوصا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد اعتمادا رئيسا على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح، وهو ما يشكل خلق أزمة حين قطع إمداد سلاسلهم الغذائية من هاتين الدولتين، وبالتالي عليهم البحث عن مصادر بديلة.

أيضا فإن روسيا تمد أوروبا بـ40% من احتياجاتها للغاز الطبيعي، وبعد الحصار الاقتصادي المفروض على أوروبا أن تبحث عن مصادر بديلة لتدبير احتياجاتها من الغاز الطبيعي. إن أوكرانيا اليوم، في ضوء هذه التحليلات والمتغيرات ستمثل بوابة الخوف أمام العالم بما ينعكس عليه من متغيرات سياسية واقتصادية، حيث التكتلات الجديدة بما يحقق مصلحة الدول داخل كل تكتل.

في النهاية فإن كل ما يجرى في هذا العالم نحو ما يقرب من قرن كامل من الزمان تسببت فيه أمريكا التي توهمنا قوتها العظمى، والتي بات يقينا أنها “قوة فضائية” فقط، أما على أرض الواقع فلا تستطيع أن تلعب بأوراق الأرض التي تتواجد عليها سواء محتلة أو ضيف شرف.

رابط مختصر
2022-02-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر