البحث عن “رمضان”!

آخر تحديث : الخميس 21 أبريل 2022 - 12:26 صباحًا
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

أقبل شهر رمضان الكريم الذي ننتظره كل عام ببركاته ورحماته مختلطا بعادات كل شعب من الشعوب، والتي في أغلبها البهجة والسرور لما لهذا الشهر الفضيل من روحانيات تختلف عن بقية شهور العام، فيكفي أنه الشهر الذي أنزل فيه خير الكلام وأنفعه، القرآن الكريم، والذي فيه شفاء للناس من كل داء (بدني أو روحي).

أقبل رمضان وهو الضيف الأعظم على قلوبنا والذي تزينت له كل البيوت والشوارع والميادين ترحابا به وبأيامه الكريمة، وإذا تمحصنا في معاني الشهر الفضيل لوجدنا أننا الضيوف وهو صاحب البيت، فبفضل هذا الشهر تغفر الذنوب ولا يرد الحق تبارك وتعالى دعوة صائم، ويزداد فيه رصيد الحسنات، فشهر رمضان هو الفرصة السنوية لغسل ما علق من ذنوب أو أحقاد في صدورنا ولإنهاء ما كان بين الناس من خصومة، ففيه تكثر الصلاة والعبادات من صلاة القيام والتهجد والاعتكاف، فكلها سنن تقربنا إلى الله عز وجل ممهدة لنا الطريق لعلاقة أكثر متانة مع الله.

ومع كل العادات الجميلة في شهر رمضان والتقاليد الموروثة لنا جيلا بعد جيل من تجمع الأهل والجيران والأصدقاء على مائدة واحدة طوال الشهر الكريم، والابتهاج بتعليق الفوانيس والزينة الخاصة بشهر رمضان والسهرات التي تجمع الأهل والأحباب بعد صلاة القيام وتبادل الزيارات ولعب الأطفال بعد الإفطار إلى ما قبل وقت السحور، وطواف المسحراتي في شوارع الحي لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، وغيرها من العادات الموروثة.. مع كل ذلك وقد أقبل رمضان هذا العام مع موجة غلاء شديدة بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية التي ألهبت أسعار الأسواق العالمية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والغلال وغيرها من المنتجات الأساسية والاستراتيجية مما رفع فاتورة الاستيراد للدول المعتمدة على الاستيراد بشكل كبير.

أقبل “رمضان” ومعه نكهات مغايرة لكل ما عددناه من عادات جميلة كانت تضفي على الشهر الكريم طعما ورائحة لم تعد كما كانت في السابق، فكثير من العادات تغيرت، وكثير من الأخلاق تبدلت في ظل التفسخ المستمر للأسرة الواحدة؛ وما ساهم في ذلك من انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي رسخت التباعد بين الناس واكتفى كل منا بالمعايدات والسؤال عبر الهواتف المحمولة أو تطبيقات “الماسنجر” و”واتس آب” وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.

وبعد أن كان الشهر الفضيل فرصة لإنهاء الخصومة بين المتخاصمين وعودة الود والمحبة بين فيتم التصالح استعدادا لاستقبال شهر الرحمة بنفوس صافية، وجدنا أن الناس لم تعد تعير اهتماما لقدسية شهر الرحمة والمغفرة وتبقى على خصومتها.

حتى أن الصلاة والعبادات في “رمضان” لم يعد يكترث بها الناس، فالمساجد التي كانت ممتلئة في شهر رمضان في جميع الصلوات (بما فيها صلاة الفجر) ولا مكان لقدم مصلٍ في المسجد رأيناها اليوم هي ذات المساجد ومرتادوها أقل من ربع عدد المسجد! لم يقف الأمر عند هذا الحد، فالتحدث بما نهى الله عنه في العموم والأبد ربما يزداد في رمضان من التلفظ بألفاظ نابية، والخوض في أعراض الناس، والزينة المبالغ فيها من بعض السيدات عند الخروج من بيتها، وقيام بعض التجار باستغلال الناس ورفع الأسعار دون مبرر، وتعنت بعض الموظفين في إنهاء مصالح الناس في نهار رمضان غير عابئين بأن منهم من على سفر طويل وغيره من المظاهر السيئة التي لازمت الشهر الفضيل في السنوات الأخيرة.

كل ما سبق من مظاهر وعادات سيئة تبدلت في هذا الزمان وأحلت محل العادات الأصيلة الطيبة التي ما تبقى منها إلا قليل ولا يحافظ عليها إلا القليل.

والأبعد في هذه المظاهر الملازمة لشهر رمضان المعظم هي الدراما الحديثة التي لم تجد طريقا لجذب المشاهد إلا بمسلسلات العنف والبلطجة والزنا والدعارة، وتخلل تلك المسلسلات حوار ضعيف وخارج عن كل سياقات الأدب ومبادئ التربية التي من المفترض أن تكون هي الأطر المحددة لتلك الأعمال، ولا أدري أين رقابة الدولة من تلك الأعمال التي تسئ لنا كدولة وشعب؟!

وإذا تحدثت ناقدا فيكون الرد جاهزا بأنهم ينقلون الواقع.. ونحن نتسائل ونفتش في واقعنا من هذه البلطجة والعنف وأفعال تدعو أبنائنا لسلوكيات الجماعات الإرهابية والإجرامية. كيف تسمح الرقابة لمشهد يقوم به بطل مسلسل “توبة” أن يقوم بحبس رجل في غرفة وإشعال النيران فيه وهي نفس طريقة القتل التي يقوم بها تنظيم “داعش” الإرهابي؟! كيف تحارب الدولة الإرهاب فكرا وسلوكا وتقوم الأعمال الدرامية بترسيخه لدى فئة من الشباب وتقوم بدور تعليمي (سلبي) في هذا الاتجاه؟!

إن هذا المسلسل وغيره من الدراما المعروضة على مختلف القنوات التليفزيونية في شهر رمضان على نفس المنوال، ناهيك عما تتضمنه تلك الأعمال من ألفاظ وإيحاءات جنسية “مباشرة” تخدش حياء الأسرة أثناء المشاهدة، أيضا تضمين الحوار تركيب جمل وعبارات مسجوعة لتنضم إلى مصطلحات الشباب الحديثة أثناء حوارهم وهو ما يعرف بـ”لغة الشوارع”! يتوقف بنا الزمن للبحث عن شهر رمضان الفضيل “الجميل” الذي عرفناه بكرمه وسماحة الناس فيه، والبساطة في كل شئ، فالهدف من الشهر الكريم أن يزهد الناس في مأكلهم وملبسهم وشرابهم وإنفاقهم، وأن يكثروا من صلواتهم وعباداتهم ويحسنوا معاملاتهم والبر بالآخرين من المحتاجين والفقراء.

نبحث عن رمضان الذي كانت روحانيته عبق يسبقه بأيام وتمكث في أجواء المكان ثلاثون يوما من الفرح والسعادة ممزوجة بطقوس الترويح والعبادة.. فمتى يعود “رمضان” الذي كنا نعرفه؟!

رابط مختصر
2022-04-21
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر