عُمان وإيران.. والسياسة الهادئة

آخر تحديث : الأربعاء 25 مايو 2022 - 12:28 مساءً
  بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

التفتت أنظار العالم إلى القمة العُمانية الإيرانية بين سلطان عُمان هيثم بن طارق والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التي احتضنتها العاصمة العُمانية، مسقط، في الثالث والعشرين من مايو الجاري، في احتفاء بالغ من قبل السلطان هيثم بن طارق بنظيره إبراهيم رئيسي، والذي أجريت له مراسم استقبال رسمية في المطار الخاص في مسقط وإطلاق المدفعية 21 طلقة للضيف الإيراني.

وعن حفاوة الاستقبال بالضيف الإيراني لدى السلطنة الخليجية، فالمتابع للبيانات الصادرة من البلاط السلطاني قبل القمة وبعدها يتأكد من مدى العلاقات الحميمة بين عُمان وإيران والتي تتزايد يوما بعد آخر، والتي أكدها المراقبون بأنها علاقات متينة وتاريخية ويعززها الجوار الجغرافي والتعاون في مختلف المجالات سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ومنها المشاركة في تأمين مضيق هرمز الذي تعبر منه السفن التجارية والنفطية لمختلف دول العالم.

ورغم أن العلاقات بين البلدين في سياقها الطبيعي والمعتاد منذ عقود بعيدة، إلا أن توقيت انعقاد القمة كان له دلالات اعتبارية مهمة. فجاء موعد انعقاد القمة متزامنا مع أزمتين مهمتين، أولهما أزمة الحرب الروسية الأوكرانية والتي خلفت ورائها أزمة اقتصادية عالمية تمثلت في خفض قيمة العملات الوطنية في مختلف دول العالم وزيادة التضخم التي نتج عنها ارتفاع كبير في الأسعار؛ ما ضاعف من أزمات معيشية صعبة على الشعوب، بسبب الأزمة الحاصلة في سلاسل الإمداد الغذائية وخاصة القمح، حيث تعد طرفي الأزمة الروسية الأوكرانية أكبر مصدري القمح في العالم، كذلك أزمة أسواق النفط، حيث تمتلك روسيا أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم.

أما ثاني الأزمات فتتمثل في تعثر المفاوضات الدائرة لإحياء الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا، والذي تدور مباحثاته في العاصمة النمساوية، فيينا، على مدى عام ولم يتم إنجازه حتى اللحظة، بسبب جملة من الشروط وضعتها إيران بوجود ضمانات أمريكية حقيقية بعدم الانسحاب من الاتفاق مرة أخرى (حال إنجازه) كما حدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، كذلك شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكي.

والمتابع لنتائج أعمال القمة العُمانية الإيرانية سيراها تدور في النسق التقليدي من خلال البيانات الرسمية والتي عبرت عن تحسين العلاقات التجارية وتوقيع مذكرات تفاهم في مختلف المجالات مثل النقل والمواصلات والتعليم والصحة والزراعة والإعلام.. ولكن يبقى ما تناولته القمة في الغرف المغلقة ولم يعلن عنه.

إن النتيجة الأبرز لمخرجات القمة العُمانية الإيرانية هو خط الغاز الإيراني العُماني والمتوقف منذ 20 عاما تقريبا، وقد تعطل تحت تأثيرات خارجية، ولكن اليوم وفي ظل الأزمة الروسية الأوكرانية والتي أوجدت أزمة في أسواق النفط والغاز الطبيعي عالميا، فقد رأت إيران فرصة في إحياء هذا المشروع الذي يضمن لها مزيدا من النفوذ في الإقليم، ويعززه وجود مصانع جاهزة لتسييل الغاز الطبيعي في سلطنة عُمان.

وجدير بالذكر هنا أن الموافقة على إحياء المشروع تم التوصل إليها خلال زيارة وزير النفط جواد أوجي إلى عُمان قبل توجه الرئيس الإيراني لعقد لقاء القمة مع سلطان ُعمان.

وقد تستغل إيران انشغال العالم بالأزمة الروسية الأوكرانية لتنفيذ مشروع خط الغاز الإيراني العُماني، والذي أشارت تقارير سابقة بأن أمريكا هي عطلت إقامة هذا المشروع منذ عقدين من الزمان تقريبا، ويتخوف المراقبون من أن يتعرض هذا المشروع من فرض عقوبات أمريكية لاحقة بسبب التوترات الحاصلة بين إيران وأمريكا على خلفية تعثر مفاوضات إحياء اتفاق نووي جديد.. وفي تصوري أن مشروع الغاز الإيراني العُماني قد يمثل ورقة جديدة من أوراق التفاوض الإيراني مع أمريكا والمجتمع الدولي في رحلة مفاوضات فيينا المتعثرة حاليا حول إحياء الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا والدول العظمى.

وفي ضوء ما سبق فإن الاتجاه إلى عُمان، مجددا، من الدولة الإيرانية يعزز كثيرا من القبول الإيراني إقليميا وعالميا، فقد لعبت عُمان دورا محوريا في توقيع الاتفاق النووي الشهير بين إيران وأمريكا ومعها الدول العظمى (روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين) في مدينة لوزان السويسرية في صيف 2015، فقد ظلت سلطنة عُمان بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، رحمه الله، وجهة لمفاوضات سرية بين الجانبين الإيراني والأمريكي حتى تم التوصل إلى اتفاق بموجبه الموافقة على البرنامج النووي الإيراني للأغراض السمية ورفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ العام 1979م.

وبفضل السياسة الهادئة لسلطنة عمان تجاه مختلف القضايا والأزمات الإقليمية والعالمية والتي تمثلت في اتخاذ الموقف المحايد، فقد جعلت تلك السياسة سلطنة عُمان قبلة مرغوب فيها للقيام بدور الوسيط لحل الخلافات ونزع فتيل الأزمات في ذروة اشتعالها. وبفضل هذه السياسة ظلت سلطنة عُمان متمسكة بمنهجها في النأي بنفسها عن حلبة الصراعات سواء التي تمس جوارها أو خارج حدودها، ما جعلها محل احترام من مختلف قيادات العالم.

وما يثبت أن سلطنة عُمان تتمتع بالنهج الحكيم أنها ظلت بعيدة عن الأزمة الخليجية مع قطر، كذلك موقفها المحايد من الحرب على اليمن من قبل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فقد قامت بدور مهم في تقريب الرؤى بين طرفي الأزمة اليمنية (حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وجماعة الحوثيين).

وبعد مخرجات القمة العُمانية الإيرانية التي ركزت على الجوانب الاقتصادية، يتتبع المراقبون دور عُماني جديد يقوده السلطان هيثم بن طارق في التقريب بين الرؤى ووجهات النظر الإيرانية والمجتمع الدولي لتوقيع اتفاق نووي تاريخي جديد ينهي حالة التوتر القائمة لدمج إيران في المجتمع الدولي لإتمام السلام في المنطقة والعالم.

رابط مختصر
2022-05-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر