الحوار العلني.. قنبلة “الصدر” في وجه الجميع

آخر تحديث : الثلاثاء 23 أغسطس 2022 - 12:16 مساءً
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

اضطرابات المشهد العراقي وتوتراته أصبحت آخذة في التصعيد بعد أن تم تفخيخ الحوار الوطني الدائر، حاليا، من قِبَل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، والذي ألقى بقنبلة موقوتة في وجه جميع القوى السياسية المنخرطة في الحوار وعلى رأسهم غريمه التقليدي نوري المالكي زعيم “ائتلاف دولة القانون” و”الإطار التنسيقي” الذي يضم عددا من القوى السياسية الشيعية؛ وذلك حين طالب “الصدر” بعلنية الحوار الوطني وإذاعة جلساته على الرأي العام.

ويرمي “الصدر” بهذه القنبلة إلى كشف مواطن الفساد ومسؤوليه أمام الرأي العام، في تلميح إلى عهد حكومة نوري المالكي والتي شهدت فسادا هائلا تم فيه ضياع عشرات المليارات من الدولارات دون معرفة أوجه إنفاقها، كذلك أموال إعادة إعمار العراق، وهزيمة الجيش العراقي أمام تنظيم “داعش” الإرهابي، وعدد من الملفات التي أخفقت فيها حكومة “المالكي” في الفترة من (2006 – 2014).

وفي الداخل العراقي يرى البعض أن هدف “الصدر” من خروج سرية الحوار الوطني إلى العلن هو أن تتسع دائرة المكاشفة والتي قد تطال عناصر أخرى بخلاف نوري المالكي، مثل هادي العامري زعيم ميليشيا “بدر” وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق، وصولا إلى طرق تمويل “الحشد الشعبي” وطرق تمويله العلنية والسرية.

ولأن دعوة “الصدر” التي أطلقها على يقين بأنها لن تكون مقبولة.. فقد رأى أن يلقي بالكرة في ملعب “الحوار الوطني” وقدم المقترح إلى منظمة الأمم المتحدة على أن تكون علانية الحوار برعاية أممية، ولم يأتيه أي رد أو مجرد دراسة المقترح، بما يؤكد عدم قبول الفكرة.

وبعد مرور عشرة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي وفاز فيها التيار الصدري (تحالف سائرون) بأغلبية نيابية مقدرة بـ 73 مقعدا من إجمالي 329 مقعدا، بما يمكنهم من تشكيل الحكومة طبقا للدستور، إلا أن أزمة سياسية استفحلت بعد أن رأت التحالفات المنضوية تحت مسمى “الإطار التنسيقي” تشكيل الحكومة بالتوافق مع كتلة التيار الصدري، الأمر الذي أغضب “الصدر” ونشأت أزمة سياسية في البلاد ظلت مجمدة حتى الآن، فلم ينعقد البرلمان الجديد لانتخاب رئيس الجمهورية الذي بدوره يكلف مرشح التيار صاحب الأغلبية النيابية لتشكيل الحكومة في مدة أقصاها 30 يوما من يوم التكليف. استفحلت الأزمة، وانسحب التيار الصدري من العملية السياسية واستقال نواب التيار من مجلس النواب، وظلت الأزمة مجمدة، فلا رئيس جمهورية جديد، ولا رئيس حكومة جديد على إثر الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وهدد “الصدر” وأنصاره بإضرابات واعتصامات بلغت أن تم اقتحامهم مجلس النواب في آواخر يوليو المنصرم في المنطقة الخضراء (شديدة الحراسة)، إلا أن “الصدر” أمر أنصاره بالخروج من المجلس بنشر تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلا: لقد وصلت رسالتكم، ودعاهم إلى صلاة ركعتين ومغادرة المكان، واستجاب أنصاره.

وبعد انسحاب أنصار “الصدر” ظهر نوري المالكي متجولا في المنطقة الخضراء بالقرب من منزله وهو حاملا السلاح وسط حراسته المشددة، كما نشرت صور المالكي من مكتبه الخاص حاملا السلاح أيضا وخلفه العلم العراقي، وقد تم تفسير نشر الصورتان على نطاق واسع بأنها رسالة موجهة إلى “الصدر” بأن “المالكي” على أتم الاستعداد للمواجهة وإن وصل الأمر للصراع المسلح بين أنصار الغريمين، بما ينذر جر العراق إلى حرب أهلية.

اللافت للانتباه أنه في ذات يوم اقتحام أنصار ا”لصدر” للبرلمان ونشر صور “المالكي” بالسلاح جاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني واجتمع بقادة “الإطار التنسيقي” بحضور عدد من الفصائل المسلحة دون لقاء مقتدى الصدر، ما يؤكد وجود موقف إيراني غير مرحب بـ”الصدر” وتصرفاته.

وبعد الوصول إلى حالة الانسداد السياسي بادر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى حوار وطني يضم كافة القوى السياسية للاتفاق على حلول توافقية مرضية للجميع، وانعقدت أولى جلسات الحوار في القصر الحكومي برعاية “الكاظمي”، وضم الحوار كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ومبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق هينيس بلاسخارت وممثلي القوى السياسية، إلا أن مقتدى الصدر أصر على مقاطعة الحوار وقال “لن أجالس الفاسدين”، ورفض “الصدر” نتائج الحوار معتبرها “لا تغني ولا تسمن من جوع”.

ويريد “الصدر” أن تتشكل حكومة عراقية وطنية مستقلة لا تكون مرهونة بالخارج أو واقعة تحت هيمنة إقليمية أو دولية في إشارة إلى إيران التي تسيطر على عدد من الأحزاب والقوى الشيعية وعلى رأسهم نوري المالكي، فيهدف “الصدر” إلى فك الارتباط بين العراق وإيران، وهو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد في الظرف الراهن، وله حساباته العقدية “المذهبية” والسياسية، وقد لا ينجح “الصدر” في هذا الأمر في الوقت الحالي، خاصة وأن عودة العراق إلى الحضن العربي بشكل كامل مازالت تواجهها بعض العراقيل، رغم الجهود التي بذلها رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي في هذا الملف.. ولا ننكر أن رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي يسير على نفس الدرب، إلا أن معوقات تقف أمام عودة كاملة للعراق إلى البيت العربي بسبب الهيمنة الإيرانية على مفاتيح القرار العراقي، شأنها في ذلك شأن سوريا ولبنان، ومؤخرا اليمن الواقعين تحت التأثير الإيراني.

الآن، ظهرت دعوات بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، إلا أن أغلب المراقبين لا يضمنون نجاح هذا الحل، مرجحين الوصول إلى نفس نتيجة المشهد الحالي، وعندها سيدخل العراق، حتما، إلى نفق مظلم، إن لم يكن دخله فعلا.. فما الضامن لتلك الانتخابات الجديدة، علاوة على الكلفة المالية الباهظة وحالات التجاذبات السياسية بين الفرقاء العراقيين وارتهان المشهد بحسابات إقليمية ودولية معقدة طرفاها الرئيسيين إيران وأمريكا.

أعتقد أن جامعة الدول العربية لديها فرصة كبيرة لمحاولة الاضطلاع بالملف العراقي، وإن كانت صعبة، في ظل الهيمنة الإيرانية، لكن لعب دور عربي يعمل على إنجاح التوافق بين القوى السياسية في العراق أضحت مهمة ملحة لعودة دور أصيل للجامعة العربية في نزع فتيل الأزمات العربية.

رابط مختصر
2022-08-23
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر