تصاعد الصراع بين أمريكا والصين للهيمنة على تكنولوجيا العالم

آخر تحديث : السبت 27 أغسطس 2022 - 11:01 صباحًا
تصاعد الصراع بين أمريكا والصين للهيمنة على تكنولوجيا العالم
فاطمة خليفة:

>> أمريكا عهدت صناعة أعداء وهميين لتحقيق أهدافها الرئيسة

>> بورصة بكين لتداول الأصول الرقمية تسعى لإنهاء الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي

>> مؤسسة كارينجي: التكنولوجيا الصينية تسحب البساط من تحت أقدام عمالقة التكنولوجيا الأمريكية

>> أحد مسؤولي “البنتاجون” يستقيل لتخاذل أمريكا والذي اعتبره بمثابة تنازل للصين عن قيادة التكنولوجيا في العالم

>> الصين تهدف لتكون المهيمن الأول على سوق التكنولوجيا العالمية خلال العقود القادمة

>> نيكولا تشايلان: منافسة أمريكا للصين خلال العشرين عاما القادمة منافسة خاسرة

>> “باي دو” تحتل المرتبة الأولى لمحركات البحث على “الإنترنت” في الصين والثالثة

عالميا.. وهي أول من قدمت سيارة كهربائية بدون سائق

>> “شاومي” الصينية تفوقت على “تسلا” الأمريكية في صناعة الروبوت البشري

>> التشريعات الأمريكية الجديدة بشأن التكنولوجيا تصب في مصلحة الصين

الصراع الأمريكي الصيني بدا يطفو على أعلى سطح، وبدا ضجيجه يزعج العالم الذي حبس أنفاسه التي صعدت وهبطت مع صعود وهبوط طائرة “نانسي باتريسيا بيلوسي” رئيسة مجلس النواب الأمريكي عند زياراتها إلى تايوان “عاصمة صناعة الرقائق الإلكترونية” في العالم، تلك الزيارة التي اعتبرتها الصين اعتداء مباشر من أمريكا على سيادتها وكادت أن تتحول الحرب الاقتصادية الباردة بينهما إلى حرب عسكرية عالمية؛ خاصة بعد تهديدات بكين بضرب واسقاط الطائرة في أعنف تصريح لها ضد أمريكا منذ بداية الصراع.

الحرب في عصر التكنولوجيا الحديثة

بدأت المنافسة الاقتصادية الباردة تتحول إلى حرب اقتصادية طاحنة تخطو بخطوات سريعة على صفيحٍ مشتعل، ربما تكون الحرب الاقتصادية أقل فداحة وعنف من الحرب القتالية، ولكنها أهم وأخطر وأقوى، وهذا هو واقع الحال في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات؛ إذا تحولت حروب الماضي الاستعمارية التي كانت تتصارع حول احتلال الأراضي وبناء المستعمرات إلى حروب حول الموارد الطبيعية كالمياه والطاقة والصراع على بناء السدود حول الأنهار والبحث عن حقول الغاز المدفونة في مياه البحار بعد أن نضبت تلك المدفونة في الصحراء، واستبدلت الطلقات والقذائف بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأصبح المقاتل يحمل الفيروس بدلا من حمل السلاح، واستثمر في صناعة الأمراض بدلاً من صناعة الأسلحة واستخدمت التكنولوجيا في نشر الأوبئة وتطوير الأمراض.

بالرغم من أن السياسة الأمريكية يحلو لها دائما صناعة أعداء وهميين لاتخاذهم ذريعة تحقق بها بعض المآرب السياسية، مثل شعار الحرب على الإرهاب الذي غزت به أمريكا العالم سنين طويلة، إلا أن الاقتصاد الصيني أصبح الغول الحقيقي الذي تخشاه أمريكا، والشركات الصينية غدت بالفعل أقوى وأخطر على الاقتصاد الأمريكي من الإرهاب، إذ تسعى بكين إلى خلق إمبراطورية اقتصادية موازية يمكنها أن تنهي عقود وعقود من الهيمنة الأمريكية على اقتصاد العالم، من خلال إنشاء بورصة بكين لتداول الأصول الرقمية والترويج لاستخدام اليوان الرقمي لتمويل توسعاتها في مجال التكنولوجيا الرقمية، وهو ما بدأ مؤخراً يلقي ظلاله على الولايات المتحدة الأمريكية أذ أعلنت خمس من الشركات الصينية الكبرى انسحابها من بورصة نيويورك، احتجاجاً على عمليات التدقيق المالي لأنشطتها، ومن بين هذه الشركات “سينوبيك” و”بتروتشاينا”، وهما من أكبر شركات النفط في الصين والعالم.

الطموح الصيني

يبدو أن شركات التكنولوجيا الصينية ربما ستسحب البساط من تحت أقدام عمالقة التكنولوجيا الأمريكية في السنوات القادمة وهذا ما كشف عنه أحد التقارير التي نشرتها مؤسسة كارينجي للأبحاث والسلام الدولي عن خفايا الصراع بين هذه الشركات، حيث ألمح التقرير إلى أن استقالة أحد كبار مسؤولي البرمجيات بالبنتاجون “نيكولا تشايلان” جاءت نتيحة اعتراضه على أسلوب تعاطي النظام الأمريكي الجديد مع هذا الملف بطريقة متهاونة ومتخاذلة تصب في مصلحة الصين، والذي اعتبره بمثابة تنازل من أمريكا للصين عن القيادة التكنولوجية في العالم.

تستهدف الصين العقود القادمة لتصبح المهيمن الأول على سوق التكنولوجيا العالمية، وهو ما أكدته تصريحات “تشايلان” من أن منافسة أمريكا للصين خلال الـ20 عاما المقبلة هي منافسة خاسرة،.وأرجع السبب في ذلك للتقدم الصيني الهائل في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية، وأكد أن شركات الإنترنت الصينية (باي دو، علي بابا، تن سنت) أصبحت تقود تطوير التقنيات التكنولوجية الحديثة وأهمها الـ “G 5″، وتسعى الصين لتصنيع احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات المستخدمة في تشغيل الإلكترونيات التي تستورد أغلبها من تايوان، كما أنها تتبع خطة لتعزيز قوتها التكنولوجية من خلال إنشاء مراكز الابتكار وتمويل الشركات التكنولوجية الناشئة، فما هي مجموعة الباتكس (BATX) الصينية؟ ربما سمع البعض عن “الباتكس”، فهي شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى لكن الكثير لا يعرف عنها وعن منافستها الشديدة لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية ( GAFAM) المتمثلة في الشركات الخمس الكبار (جوجل، أمازون، آبل، فيسبوك، مايكروسوفت) المسيطرة على صناعة التكنولوجيا في العالم.

“الباتكس” هي مجموعة شركات التكنولوجيا العملاقة الصينية الأربع (باي دو، علي بابا، تن سنت، شياومي) ؛ “الباي دو” التي يطلق عليها جوجل الصينية وهي المنافس الأكبر لمحرك البحث الأول في العالم “جوجل” وتحتل المرتبة الأولى في محركات البحث في الصين والثالثة عالمياً، وتتقدم “بايدو” بشكل هائل في مجال التكنولوجيا لتقدم دائماً كل ما هو جديد وكان من أحدث اصدارتها الـ”تاكسي الروبورت”، وهي أول سيارة كهربائية تعمل بقيادة ذاتية بدون سائق.

أما موقع “علي بابا” فهو يحاول منافسة موقع أمازون وهو عبارة عن موقع لتداول المبيعات على شبكة الإنترنت للشركات من جميع أنحاء العالم ويتميز بتعدد لغاته وأسعاره المخفضة، واستطاع أن يصبح أكبر شركة للتجارة الإلكترونية فى آسيا.

شركة “تن سنت” أكبر شركة لألعاب الفِيديُو فِي الْعَالم والمنافس الأول لمايكروسوفت وهي الشركة المالكة لتطبيق “ويتشات” الفيسبوك الصيني المهيمن على شبكة التواصل الاجتماعي في الصين، واستطاعت الشركة أن تزعزع عرش الفيسبوك بقوة، وكذلك شركة “شياومي” الرابعة عالميا في عالم الهاتف الذكي والمتخصصة في صناعة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والإلكترونيّات الاستهلاكيّة والعديد مِن المُنتجات الذكية وهي استطاعت أن تلتحق بـ “آبل” و”سامسونج” في المبيعات والأرباح، بل وتغلبت على “تسلا” الأمريكية في صناعة الروبوت البشري.

التشريع الأمريكي التكنولوجي

رغم الصعود السريع للوحش الصيني التكنولوجي فمازال عمالقة التكنولوجيا الأمريكية تسيطر على الفضاء الإلكتروني في أنحاء العالم، والتي وصفها تقرير كارينجي بـ”حراس بوابات رقمية” عندما تحدث عن سلبيات هيمنة شركات التكنولوجيا الأمريكية باعتبارها أحد أهم أسباب إعاقة الديناميكية الاقتصادية في الداخل، وتأثيرها على نمو الإنتاجية التي سحقت أي منافسة في ظل هيمنة واحتكار عمالقة التكنولوجيا، بالإضافة إلى السلبيات الاجتماعية لوسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية التي اعتبرتها مؤخراً بعض الأوساط الأمريكية المتشددة تهديداً لأمنها القومي وسعت لتحجيمها من خلال تشريعات أمريكية جديدة تتشابه مع التوجه الصيني في التعامل مع عمالقة التكنولوجيا وتهدف لإخضاع هذه الشركات إلى البيانات ومكافحة الاحتكار.

بالرغم من رصده لسلبيات الهيمنة الأمريكية إلا أن تقرير كارينجي وصف التشريعات الأمريكية الجديدة تجاه شركات التكنولوجيا بأنها تصب في مصلحة الصين وفق تصريحات لمستشار الأمن القومي السابق “روبرت أوبراين” التي قال فيها أن تمرير مثل هذا التشريعات سيكون بمثابة هدية للصين. وأضاف أن الولايات المتحدة تتميز بديمقراطيتها في التشريعات والقوانين ولا يليق بها أن تنافس الصين في قبضتها الحديدية على شركات التكنولوجيا، ولكن يمكنها أن تستبدل تلك التشريعات بأخرى تساهم في تثبيط عمليات الاستحواذ المانعة للمنافسة وتدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، وطالب الكونجرس بعدم انتهاج الاستراتيجية الصينية بل يجب عليه إصدار تشريعات تحد من استخدام شركات التكنولوجيا لمنصاتها في الترويج لمصالح خاصة وتضمن عدم ابتلاع الشركات الصغيرة من قبل منافسيها الأكبر، وعلى الحكومة الأمريكية العمل لتسهيل تشكيل شركات تقنية ناشئة في الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة.

علاقة شركات التكنولوجيا بالأمن القومي

الهيمنة الأمريكية أنتجت نظام بيئي تكنولوجي يعاني من الاحتكار في الداخل ومن منافسة الشركات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة في الخارج، وهو ما تداركته بكين في استراتيجيتها الجديدة في مكافحة الاحتكار التكنولوجي لديها من خلال التشريعات التي فرضتها الحكومة الصينية على شركات التكنولوجيا بموجب قانون أمن البيانات الجديد في الصين. ربما الأمر في ظاهره يشير إلى بعض الخسائر من انخفاض للقيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الصينية المدرجة في البورصة بأكثر من 1.5 تريليون دولار نتيجة لمخاوف المستثمرين من القواعد الصارمة التي تلزم الشركات بالكشف عن خوارزمياتها والتي يخشى إساءة استخدامها من كشف للبيانات، بدعوى حماية أمن البيانات والخصوصية والحد من الممارسات التجارية الاحتكارية، ولكن الأمر في حقيقته يأخذ بعداً آخر حيث ترى بكين أن إدخال المزيد من المنافسة المتمثلة في الشركات المتوسطة والصغيرة في البيئة التكنولجية المحلية هو الأفضل لتنظيم التكنولوجيا الكبيرة وتشجيع الابتكار من القاعدة إلى القمة على المدى الطويل، ويساهم في تقوية منافستها لشركات التكنولوجيا الأمريكية التي تعاني من الاحتكار. وتستهدف هذه الاستراتيجية الصينية أولاً تعزيز مركزية الحزب الشيوعي الصيني وقبضته على الفضاء الإلكتروني في الصين وهو ما يتوافق مع السياسة الصينية الشمولية، وثانياً قد تستعوض بكين خسائر احتكار الشركات الكبرى بتعدد الشركات المتوسطة والصغيرة من خلال إنشاء مراكز ابتكار وتمويل للشركات التكنولوجيا الناشئة المتوسطة والصغيرة بعيدًا عن “التكنولوجيا العملاقة” والتي يمكن أن تتحول إلى مراكز قوى بديلة. بالإضافة إلى الحفاظ على الأمن القومي الذي بدأت أمريكا تدرك خطورة تأثير عملاقة التكنولوجيا عليه.

رابط مختصر
2022-08-27
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر