أمانة المريض

آخر تحديث : السبت 24 سبتمبر 2022 - 11:55 صباحًا
بقلم: د. منى جاد
بقلم: د. منى جاد

قد يخيل إلى قارئ عنوان مقالى هذا من الوهلة الأولى محتوى منطقى وقيمة هامة طبعا ألا وهى أن المريض أمانة غالية فى عنق الطبيب المعالج، فلقد أقسم منذ بداية حياته المهنية على مراعاة الله وآداب المهنة السامية فى المريض.

بلا جدال سلامة المريض وكافة حقوقه من الرعاية والاهتمام واجب منوط به أى طبيب، ولكن ماوددت عرضه اليوم مختلف كثيرا عن تلك الثوابت الراسخة فى أذهان الجميع.

راق لى تسليط الضوء على جانب قد يغفله الكثيرون وهو أمانة المريض نفسه تجاه طبيبه المعالج.. فهل هناك حقوق وواجبات للطبيب المعالج نفسه على مريضه وهل فعلا كما أن المريض أمانة بين أيدى الطبيب المعالج هو نفسه أيضا أمانة يستوجب على المريض الحفاظ عليها.. الإجابة أحاول توضيحها من خلال سنوات عمل طوال عايشت فيها الكثير من المواقف وخلصت لبعض النواحى التى يرجى لأى مريض مراعاتها فى التعامل مع طبيبه الخاص.

التاريخ المرضى:

التاريخ المرضى من أهم النقاط التى تستلزم أمانة فى سردها للطبيب.. أمانة المريض فى وصف شكواه غاية فى الأهمية، فهى بمثابة معطيات لمسألة حسابية يضعها المريض أمام طبيب ليصلا سويا إلى تشخيص سليم دقيق.

بعض المرضى أحيانا تغفل إبلاغ الطبيب المعالج كافة الأعراض المرضية أو نتائج الفحوصات السابقة ظنا منهم بعدم اهميتها فضلا عن قلة من المرضى قد يتغافلون سرد أو وصف شكوى معينة إما تحرجا منهم أو حتى كنوع من اختبار معرفة الطبيب خاصة وإن كان وقد سبق استشارة طبيب اخر سابقا.

ومن أكثر النقاط خطورة فى وصف التاريخ المرضى إخفاء الإصابة بأمراض سابقة أو حالية منها المعدى الذى يعرض الطبيب المعالج للاصابة بها لمجرد إخفاء المريض، وقد عاصرت بنفسى مواقف عدة كإخفاء الإصابة بفيروس كورونا على سبيل المثال، فيجب أن يكون التعامل بين المريض والطبيب على أساس أن العلاقة ما بينهما علاقة تعاونية تكاملية.

اتباع الارشادات:

فى مرحلة معاودة الاستشارة والمراجعة مايعرف دارجا بالإعادة نجد نسبة ليست بالقليلة تسبقها شكواها بعدم التحسن والارتياح للعلاج الموصوف دون الوقوف مع الذات.. هل فعلا تم اتباع التعليمات كافة وأخذ كل الجرعات بالطريقة السليمة كما وصف الطبيب المعالج، إن كانت الإجابة، نعم، فلا حرج ولكل داء دواء.. ولكن أحيانا تكون الإجابة فعلا “لا”؛ حيث أن المريض لايتناول كل العلاج أو يغير المواعيد ويتغافل هذا عند الطبيب وتسبقه شكواه مما يضع طبيبه فى حيرة.

تعدد الاستشارات:

من حق كل مريض أن يستشير الطبيب الذى يستشعر فيه الثقة والارتياح النفسى وأن يأخذ بمختلف الآراء، خاصة فى الحالات الصعبة والمتعددة القرارات. ولكن يجب أن تكون هناك شفافية فى نقل الرأى الطبى والقرارات بين الأطباء.. أحيانا عن دون قصد بعض المرضى عندما يتوجهون لاستشارة طبيب آخر إما يخفون رأى الطبيب السابق حرجا من الطبيب الحالى أو يتناقلوا رأيه بشكل وصورة مختلفة قد تتسبب فى إحداث خلاف بين الزملاء من الأطباء. نعم، نستشير أكثر من طبيب ولكن بنقل نتاج الاستشارة السابقة واضح كما ترآى للطبيب دون تحريف قد يسبب الحرج مابين الأطباء .

القرار الطبى:

الطبيب المعالج بناء على التخصص والعلم والمعرفة لطالما أضحى مسؤولا عن مريضه فهو صاحب القرار الذى بأمر الله حتما فى صالح مريضه.

من حق المريض أن يفهم كل شئ يخص حالته الطبية،  ولكن أيضا من حق الطبيب المعالج أن يمنحه مريضه ثقته ومساحة كافية من حرية اتخاذ القرار المبنى على العلم والدراسة دون السماع لآراء ومعتقدات واجتهادات الغير متخصصين من الأهل والأصدقاء والأقارب؛ لأنه قد يصل الأمر فى بعض الأحيان اغن يكون قرار الطبيب إجبارى وسريع دون نقاش خاصة فى الحالات الحرجة المرتبطة بإنقاذ حياة المريض.

المضاعفات والأخطاء الطبية:

كثيرا مايختلط الأمر على الكثيرين مابين المضاعفات والآثار الجانبية والخطأ الطبى، حيث يتصور العديد من المرضى أن الأثر الجانبى للعلاج تحفظيا كان أو جراحيا على وجه الخصوص خطأ طبيا ويتكالب وقتها هو والمحيطين به بالاتهامات للطبيب المعالج كمتسبب رئيسى. ومن وجهه نظري، فإن العامل الأساسى فى تلك المعتقدات أننا نفتقر كثيرا إلى الثقافة الطبية.. هناك الكثير من المضاعفات والآثار الجانبية نسبة حدوثها عالية، وفى بعض الأحيان يصعب فعلا تجنبها وإن كنت أنصح السادة الزملاء دوما بشرح العواقب مسبقا بطريقة مبسطة للمريض قدر الإمكان. أما عن الخطأ الطبى فهو موجود، حتى ولو ندر حدوثه ولكنه موجود، وله نصوص عقاب قانونية تتماشى تماما مع قدره. فإن تعرض المريض لخطأ طبى عليه فورا وله كامل الحق فى اللجوء للطرق القانونية ولكن دون العنف والتشهير بالطبيب لأن الطبيب إنسان وله حياة وعائلة وطلاب ومرضى يجب احترامهم.

المواعيد:

وإن كان احترام المواعيد واجب فى أى مجال فإن احترامها واجب وبشدة فى المجال الطبى، فكما يحترم الطبيب موعده مع المريض، على المريض أيضا ذلك تجاه الطبيب مراعاة لحالة وظروف من يلحقه من المرضى، وعلى المريض أن يتحلى بالصبر فى صالات الانتظار حتى يأخذ كل مريض حقه من الفحص والرعاية.

أما عن حجز مواعيد العمليات فيجب أن يلتزم بها المريض تماما؛ لأن وقت حجرات العمليات عزيز جدا وهناك دوما فى قوائم العمليات ترتيب مسبق وأجهزة وإعدادات وكواليس كثيرة وأولويات وحالات صائمة وحالات حرجة، فإن تخلف مريض عن موعده أحدث خللا بالغا بقائمة العمليات، فمن الواجب الاعتذار المسبق إذا تراجع المريض عن الخضوع لإجراء العملية.

النواحى المادية :

كما كانت الرحمة والتسامح واجبة على الطبيب دون مغالاة مع احترام واجبات الطبيب نحو زملاء المهنة والغير قادرين لأن الطب بالأساس مهنة سامية كانت أيضا حقوق الطبيب المادية واجب الوفاء بها من مريضه دون أن يضطر الطبيب للتحدث فيها أو البحث عنها، وخاصة أن أجر الطبيب خاصة فى العمليات الجراحية غالبا ما يشتمل على أجور المساعدين وبقية أفراد الطاقم الطبى، ومن ثم فإن الوفاء بها أمر واجب.

العرفان والتقدير:

لو يعلم المريض أثر الكلمة الطيبة والدعوة الصاقة والامتنان لطبيبه المعالج لما بخل أبدا عليه بتلك المعانى الثمينة. ارتياح المريض وتماثله للشفاء أكبر جائزة لطبيبه المعالج. رضا المريض وشكره أغلى شهادة تقدير للطبيب.

حقا، إن كان المريض أمانة فى عنق طبيبه المعالج تحت مظلة ضوابط المهنة والقوانين مسبوقين بضمير الطبيب اليقظ؛ فإن الطبيب أيضا أمانة لدى المريض بوازع من الإنسانية والمحبة والامتنان للطبيب.

*كاتبة المقال: أستاذة التخدير والعناية المركزة بجامعة المنصورة.

رابط مختصر
2022-09-24
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر