“السوداني” ومهمة الثلاثون!

آخر تحديث : الثلاثاء 25 أكتوبر 2022 - 9:20 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

يخوض محمد شياع السوداني مهمة صعبة بعد تكليفه بتشكيل الحكومية العراقية الجديدة من قبل الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، ويمكن وصفها بأنها عملية انتحارية على أعتاب مجلس الوزراء في هذه الظروف المعقدة التي يمر بها العراق.

وبحسب الدستور العراقي، فإن رئيس الحكومة المكلف أمامه ثلاثون يوما كحد أقصى لتشكيل حكومته لعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها، وفي حال عدم تمكنه من التشكيل في المدة المقررة يكلف رئيس الجمهورية شخصا آخر.

لكن المشكلة أمام “السوداني” ليست في المدة الدستورية لتشكيل الحكومة، بل في العقبات والتحديات التي ستواجهه حال الموافقة البرلمانية على حكومته الجديدة.

فمن المعروف أن “السوداني” مدفوع ومدعوم من قبل “الإطار التنسيقي” الذي يضم عددا من كتل التيارات الشيعية بزعامة نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية الأسبق، الخصم اللدود لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي أعلن عن اعتزاله الحياة السياسية على إثر تصميمه على وجوب تشكيل حكومة وطنية، حيث أن التيار الصدري كان صاحب الأغلبية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر لعام 2021، وعند تحركات “الصدر” لتشكيل الحكومة باعتباره تياره صاحب الأغلبية النيابية، هاجت ضده بقية التيارات الأخرى التي لم تحقق أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة.

وفي مواجهة “الصدر” تم تشكيل تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم ممثلو الكتل الشيعية في البرلمان، هادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وناصر الربيعي، وقدموا طعنا أمام المحكمة الاتحادية رافضين نتيجة الانتخابات، إلا أن طعنهم رفضته المحكمة. وهنا التف قادة “الإطار التنسيقي” لمناورة “التيار الصدري” ما أدى إلى وقوع أحداث مؤسفة وقع فيها ضحايا من الجانبين وقوات الأمن كانت على وشك أن تتحول إلى حرب أهلية، فالصدر رافض تماما تشكيل حكومة من طرف “الإطار التنسيقي” الذي يرى أنه مدعوما من إيران، وأن ولائه الأكبر سيكون لإيران، علاوة على اتهامه لنوري المالكي بالفساد وأنه يجب تقديمه للمحاكمة. وبعد سجال سياسي وأزمة مستفحلة تجاوزت العام، ينجح “الإطار التنسيقي” في الدفع بمرشحه محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة الجديدة.

وبالرغم من خلفية “السوداني” وسجله النظيف وشهادة الجميع له بالنزاهة وأنه كان واحدا من محاربي الفساد حين كان وزير للعمل ووزيرا للصناعة في حكومة حيدر العبادي، إلا أن الأقدار شاءت أن تولد حكومته من رحم إطار يتزعمه أكبر متهم بالفساد وسرقة أموال العراق وتوجيهها إلى خارج البلاد وهو نوري المالكي وآخرين من النخبة السياسية الحاكمة.

ومع تشكيل “السوداني” للحكومة ظهرت أولى العقبات في صراع داخل “الإطار التنسيقي” على تولي المؤسسات السيادية (ذات الثقل)، فقد بدأ التنافس بين “منظمة بدر” و”دولة القانون” على منصب وزير الداخلية، كما يتنافس “عصائب أهل الحق” و”حزب الله السوداني” على منصب رئيس جهاز الأمن الوطني، في حين قاطعا “تيار الصدر” و”تيار الحكمة” المشاركة في حكومة السوداني.

وقد ترك “الإطار التنسيقي” للسوداني حرية التشكيل وفق رؤيته باستثناء وزراتي الدفاع والداخلية، فالإطار هو من يحدد من يتولى هاتين الوزارتين.

من المتوقع أن ينجز “السوداني” مهمته قبل الثلاثين يوما (المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة)، فالتشكيل هو المهمة الأسهل.. ولكن الأهم هو ما بعد الثلاثين يوما؛ خاصة أنه في ظل غياب نواب التيار الصدري (73 نائبا) سيمرر مجلس النواب الموافقة على حكومة السوداني.

هناك تحديات هائلة أمام “السوداني” أهمها إدارة ملفات الفساد، والبطالة، والسلاح الذي تمتلكه بعض المجموعات، أيضا تحسين الوضع الاقتصادي والأحوال المعيشية للمواطن العراقي الذي أصبح الرقم صفر في المعادلة السياسية للنخبة الحاكمة، والتي انعزلت تماما عن الشارع العراقي وتركت المواطن يلاطم وحده نتائج صراعاتهم البعيدة عن محاولات النهوض بالعراق وعودته قويا في محيطه العربي والإقليمي كما كان.

أما التحدي الأكبر والأخطر هو عودة مقتدى الصدر ومناصروه إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وهنا سيكون الاصطدام المؤكد الذي سيعجل بتنفيذ القرار الذي اتفق عليه أطراف العملية السياسية بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عام ونصف، وهو ما يعني أن حكومة السوداني رغم صلاحيتها الكاملة إلا أنها قصيرة العمر، ولن يتمكن “السوداني” من التغلب على التحديات الماثلة أمامه.

فالهدوء النسبي الذي يمر به العراق في أعقاب الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة وإقرارها برلمانيا، مهدد بالانفجار في أي لحظة من “التيار الصدري” الذي وصف حكومة السوداني بأنها “حكومة ميليشياوية”، علاوة على الخلافات التي من الممكن أن تنفجر داخل “الإطار التنسيقي” نفسه وحينها تزداد قوة التصارع وازدياد عصبية الطائفية والوقوع في دوامة لا خروج منها إلا بتغيير المناخ السياسي واستعادة الحالة الوطنية لجميع العراقيين.

رابط مختصر
2022-10-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر