أهل القرآن.. مزامير داود (8- 10).. الشيخ محمود علي البنا

آخر تحديث : الأحد 19 مارس 2023 - 1:30 مساءً
بقلم: يحيى الشيخ
بقلم: يحيى الشيخ

عندما استمعتُ إلى الشيخ..محمود على البنا فى القرآنِ المُرَتَّل جذبنى صوتُه الفخْمُ وجمالُ تفخيمِه وترقيقِه للحروف..وإخراجِ كلِّ حرفٍ من مخرجِه الأصلىّ..ونحن نعرفُ أن جمالَ وكمالَ التجويدِ فى:إتقان الحروفِ ومعرفةِ الوقوف.

والذى دلنى على هذا الصوتِ الذهبىِّ صديقى.المرحومُ بإذن اللهِ الشيخ..عبد السلام المتولى غالى.عليه شآبيبُ الرحمةِ وسحائبُ المغفرة.فقد كان من محبى الشيخ..رحمه الله تعالى.ومن حفَّاظِ كتاب الله تعالى.حفظ القرآنَ حفظًا مُتْقَنًا على يد عمه الشيخ.محمد غالى.رحمه الله.الذى كان يقلدُ الشيخ البنا.رحمه الله.حتى أنّه يحكى قصةً طريفةً..ملخصُها أن الشيخ..البنا فى إحدى زيارته لمدينة بيلا قارئًا فى إحدى الأمسيات.وعند مدخل المدينةوهو آتٍ سَمِع الشيخَ..محمد غالى يقرأُ فقال من سجَّل لى هذا الشريط.وهو لايدرى أن الشيخَ..محمد غالى يقلده.

مولده:

وُلِد الشيخ..محمود على البنا فى السابعَ عشرَ من ديسمبر سنةستٍ وعشرين وتسعمائةٍ وألف من ميلاد المسيح..عليه السلام.-١٩٢٦- فى قرية شبرا باص..مركز..شبين الكوم..محافظة المنوفية.

يُعتبر الشيخ..البنا من أشهرِ قرّاء القرآنِ فى العالم الإسلامىِّ..حَفِظ القرآنَ الكريمَ فى كتّابِ القرية على يد الشيخ..موسى المنطاش..وقد أتمّ حِفظَه وهو فى سن الحاديةَ عشْرةَ من عمره.ثمّ انتقلَ إلى مدينةِ طنطا لدراسةِ العلومِ الشرعيةِ بالجامع الأحمدىّ..وتلقَّى القراءاتِ العَشْرَ على يدِ العلّامة.الإمام..إبراهيم بن سلّام المالكىّ.وحفظ الشاطبيةَ فى علم القراءاتِ..للإمام..الشاطبى رحمه الله.

لقبه:

لم يكن يعيش لوالدِ الشيخ البنا ذكورًا.فدعا والدَه اللهَ ربَّه أن يهبَه ولدًا ذكرًا حتى يَهبَه للقرآن..فرزقه اللهَ بالشيخ.محمود على البنا. تزوج الشيخ البنا وانجب سبعةَ أولادٍ..خمسة ذكور..شفيقًا.وعليًا.وأحمدَ. ومحمدًا.وشريفًا.وابنتين اثنتين.آمال.وناهد. لُقِب الشيخ البنا وهو صغير.بالطفل المعجزة.إذ كان لديه ملكة تقليد كبار المشايخ أنذاك.خاصّة الشيخ.محمد رفعت.مما أكسب صوته حلاوة وعذوبة مميزة.كما كان موهوبا فى تقليد أصحاب القراءات المختلفة أمثال..الشيخ..عبد الفتاح الشعشاعى..والشيخ..محمد سلامة.

حياته:

ألقى الشيخ ..البنا عصا الترحال فى القاهرة التى اتّجه إليها.عام..خمسة وأربعين وتسعمائة وألف-١٩٤٥-وسريعا ذاع صيته وعمت شهرته الآفاق.وأصبح معروفا فى وسط المقرئين والمشايخ.ثمّ تعلم سريعا علم المقامات على يد العلّامة فى هذا الفنّ الشيخ..درويش الحريرى.ثمّ التحق بالإذاعة المصرية فى عام-١٩٤٨-وكانت أول قراءته فى شهر ديسمبر من نفس العام.

ثم تم اختياره بعد ذلك قارئا لمسجد عين الحياة فى ختام الأربعينيات..ثمّ لمسجد الإمام الرفاعى فى الخمسينيات.وانتقل للقراءة فى المسجد الأحمدىّ سنة-١٩٥٩-فى طنطا وظلّ حتى عام-١٩٨٠-حيث انتقل للقراءة بالمسجد الحُسينىِّ حتى وفاته سنة-١٩٨٥- وقد ترك للإذاعة المصرية تراثا عظيما من القرآن المجود والمرتل.والشيئ بالشيئ يذكر أنّه بأمر الرئيس الأسبق..جمال عبد الناصر سجّل ختمة للقرآن المرتل الذى نسمعه الآن..وقد سجّلها فى عام١٩٦٧.

التحاقة بالإذاعة:

بعد أن رحل الشيخ..البنا إلى مصر.عام-١٩٤٥-تمّ اختياره قارئا لجمعية الشبان المسلمين.سنة-٢٩٤٧-وكان يفتتح كلّ الاحتفالات التى كانت تقيمها الجمعية. وذات مرة استمع إلى الشيخ البنا..رئيس وزراء مصر وقتذاك على ماهر باشا فى أحد احتفالات جمعية الشبّان المسلمين.وكان حاضرا معه الأمير..عبد الكريم الخطّابى من المغرب..وعدد من الأعيان.وطلبوا منه الالتحاق بالإذاعة المصرية.وقد تمّ له ذلك فى عام-١٩٤٨-وكانت أول قراءته على الهواء فى سورة هود.وخلال سنوات قليلة صار الشيخ..البنا من أشهر القرّاء فى القطر المصرى.

صوته:

الشيخ البنا صاحب صوت مخملىّ فيه ملمس الحرير والقطيفة.وقد رزقه الله حنجرة ذهبية لم يتغير صوته الرخيم بها على مدار سنىّ عمره.وقد أوتى قدرات خيالية على تجسيد المعانى..استمع إليه فى سورة طه.وفى سورة هود.وفى سورة الأنبياء. ففى قصة نبى الله يونس.تجده يقرأ قوله تعالى….[فنادى فى الظلمات ألّا إلهَ إلّا أنتَ سبحانك إنّى كنتُ من الظالمين.]

تجد قمة التضرع والتوسل المغموسين فى حليب الرجاء.بتصوير رائع وأداءٍ أخّاذ يشدُّ تلابيب القلوب.

وفى سورة هود.عندما يقرأ..قوله تعالى..[وهى تجرى بهم فى موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه…]

تصوير رائع لانقلاب الطبيعة متمثلة فى البحر وموجه الذى يبدو كالجبال. وانقلاب النفس البشرية متمثلة فى نوح وندائه لابنه.

وفى سورة طه..يقرأ الشيخ..[فأكلا منها فبدتْ لهما سواءتُهما.وطفقا يخصفانِ عليهما من ورقِ الجنّةِ.وعصى آدمُ ربَّه فغَوَى.]

هنا تفهم من قراءة الشيخ..البنا. رحمه الله.. مدى الحسرة والندم اللذيْنِ أصابا آدم..عليه السلام.

نشاطه الرياضىّ والمهنىّ:

كان الشيخ البنا قوى البنيان متماسك الأعضاء. وكان يلعب الملاكمة والمصارعة.وقد حدث ذات مرة أن دخل اثنان من الأنجليز أحد المساجد.وهما مخموران ويهذيان بكلام غير مفهوم.وكان الشيخ يقرأ القرأن.فما كان من الشيخ إلى أن توقف عن القراءة..وأشبعهما ضربا.وأخرجهما من المسجد.ثمّ عاد إلى التلاوة مرة أخرى وسط تشجيع الحضور له على ما قام به من طرد المحتلين.

بذل الشيخ..محمود على البنا جهدا كبيرا فى سبيل إنشاء نقابة للقراء..وكان ساعده الأيمن فى ذلك الشيخ..الرزيقى..رحمه الله..وقد تلكأ المجلس النيابى.ورئيسه أنذاك صوفى أبو طالب فى ذلك..فما كان من الشيخ. البنا إلّا أن هدَّد رئيس المجلس وقتذاك بأنّه إن لم يسرع بتمرير المشروع فسوف يقرأ عليه عِديّة ياسين..فما كان من رئيس المجلس إلا أن جرى وراء الشيخ..الرزيقى قائلا..قل للشيخ..تمهل ولسوف ننفذ له ما يريد.وقد جمعه لقاء مع الرئيس الأسبق..السادات.. رحمه الله..وقد وعده بالانتهاء من مشروع نقابة القرّاء فاكره الشيخ..البنا على ذلك شكرا جزيلا.

رحلاته:

كان الشيخ..البنا خير سفير بالقرآن الكريم.فقد جاب به العالم شرقا وغربا.فقرأ فى الحرم المكىّ..والحرم المدنىّ وقد علا نحيبه وهو يقرأ أمام قبر رسول الله..صلّى الله عليه وسلم.. فى الروضة الشريفة.وقد استأذن فى القراءة فأُذِن له.وقرأ فى الحرم القدسىّ.وزار كثيرا من الدول العربية والأجنبي وخصوصا ألمانيا.

تكريمه:

كان الشيخ البنا مقربًا من الرؤساء والملوك.وأبرزهم الشيخ..زايد بن سلطان آل نهيان.قابله فى مصر وكانت بينها صداقة.وكان يحب أن يسمع قراءته.وكان يدعوه دائما لزيارة الإمارات المتحدة فى مناسبات عِدة.كما أنّه كان مقربا من الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. منح الرئيس الأسبق..حسنى مبارك اسم الشيخ.البنا.وسام العلوم والفنون فى عام-١٩٩٠-وذلك بعد وفاته بخمس سنوات.

قال عنه الشيخ..أبو العينين شعيشع بلدينا..من مدينة بيلا.كتبت عنه مقالا فى هذه السلسلة المباركة.

قال عنه…لقد قيض الله رجالا أفذاذا أفنوا حياتهم فى خدمة القرآن الكريم وتلاوته وتجويده على مرِّ العصور والأجيال..ومن هؤلاء العظام الشيخ..محمود على البنا.ذلك الرجل الذى نذر نفسه ووقته لخدمة القرآن الكريم وتلاوته.

وفاته:

بعد رحلة شاقّة من العطاء القرآنى.وبعد أن جاب الأرض عرضا وطولا مرتلا موجودا كتاب الله تعالى.لبّى الشيخ..محمود على البنا نداء ربّه فى الثالث من ذى القعدة عام خمسة وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة.الموافق.العشرين من يوليو.سنة خمس وثمانين وتسعمائة وألف من ميلاد المسيح..عليه السلام.

رحم الله الشيخ..البنا رحمة واسعة وجزاه عن الأمة خير الجزاء.

*كاتب المقال: موجه اللغة العربية بالأزهر الشريف سابقا.

رابط مختصر
2023-03-19 2023-03-19
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر