سقوط في شهر الصعود!!

آخر تحديث : الجمعة 14 أبريل 2023 - 7:32 مساءً
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

كتبت منذ عامين في ذات المكان والتوقيت مقالا بعنوان “دراما أبريل طعن في شرف المجتمع”، تناول ما تقدمه أعمال الدراما والمسلسلات التلفزيونية خلال شهر رمضان المعظم، وكلها كانت، للأسف، دراما معبرة عن وقائع لا تمت لمجتمعنا ولا واقعه بصلة، فكلها درب من الخيانة والبلطجة والعنف ومظاهر غريبة على مجتمعنا المصري أو العربي. وحين توجه أصابع النقد لمثل هذه الأعمال، تنطلق على الفور تبريرات وصيحات أصحابها بأنهم يكتبون وينقلون من الواقع.

واليوم، وبعد مرور عامين كاملين، وفي نفس التوقيت في شهر رمضان المعظم، أراني أكتب عن نفس الأمر، بخيبة أمل وحسرة نَفْس، وكأن أهل الدراما عازمون مصرون على تصدير أعمالهم للمجتمع وللعالم بأن ما يشاهده المشاهد هو واقع مصري حقيقي!!

نفس الموضوعات، ونفس القصص، ونفس الممثلين، ونفس تركيب جمل الحوار الركيك المبتذلة.

فمن خلال لمحة سريعة وجدنا أن غالبية أعمال الدراما في شهر رمضان لا تتناسب مع طبيعة الشهر ولا مع طبيعة الشعب المصري الأصيل.. فما رأيناه لا يمكن وصفه إلا أنه “أعمال ساقطة” قدمها أصحابها في شهر الصعود. نعم، فشهر رمضان الفضيل هو الشهر الذي مَنّ الله فيه على عباده بأن جعله شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ففيه تصعد الأعمال الصالحة إلى الحق تبارك وتعالى للفوز برضاه ورحمته، فكيف نرى أو نقبل هذا السقوط في الشهر الفضيل ؟!!

إن الدراما التي تؤصل لأعمال العنف والبلطجة، إنما تفتح رافدا تعليميا سلبيا لجيل الشباب والمراهقين، خاصة في ظل هذا الخيال الغريب الذي وضعه المؤلف من عدم وجود سلطة أو قانون رادع يوقع الجزاء على هؤلاء البلطجية، فلم نرى تعرض ممارسي البلطجة لضبطهم ومسائلتهم قانونا، ولم يرى المشاهد أي تواجد للشرطة أو القضاء، وكأن ممارسي البلطجة في أمان تام.

إن كتاب الدراما بدلا من أن يساهموا في خدمة وطنهم ويكونوا رافدا من روافد الاقتصاد، بطريق غير مباشر، بما يدر عائدا ماديا وفيرا.. نراهم رافدا من روافد سقوط الشباب وانحدار أخلاقه. كان من الممكن تقديم أعمال ودراما تصور أجمل الأماكن في مصر، وتكون خير مسوق للسياحة المصرية، كما يفعل صناع الدراما التركية الذين جذبوا ملايين الدولارات لخزينة دولتهم من خلال الترويج لأهم الأماكن والمزارات السياحية في بلادهم، خاصة وأن مصر تتمتع بمقومات هائلة في قطاع السياحة تساعد في إخراج أعمال متنوعة تسهم في إخراج صورة جميلة عن مصر في عين السائحين.

إن ما قدمه كتاب ورشة سيناريو مسلسل الأجهر الذي فيه حوار غاية في الإسفاف، ومحاولة تأييد البطل والتعاطف معه وتوظيف العنف والبلطجة في خدمة الخير.. فإنها الفكرة الأكثر شرا.. وما رأيناه من واقع بعيد في مسلسل “جعفر العمدة”، و”حضرة العمدة”، وبقية الدراما التي سقطت بامتياز هذا العام، باستثناء أعمال قليلة جدا مثل رسالة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، والكتيبة ١٠١ يستلزم وقفة جادة من أجهزة الرقابة لتعديل المسار في الأعمال المقبلة، لنعود إلى زمن استقت منه درامتنا قيما وعادات وتقاليد مازالت راسخة في وجدان شعبنا، بدلا من تصدير هذه الصورة المقززة التي يشمئز منها المصريون أنفسهم.. فما بالك بمن كان يتمنى أو يخطط لزيارة مصر ؟!! إن الأعمال الدرامية أصبحت جزءا رئيسا من أدوات الترويج السياحي للدول، وقد تأخرنا كثيرا في تصدير هذا المفهوم. وإذا ما انتقلنا إلى برامج المقالب، والتي بيعت فيها الكرامة واحترام الذات مقابل عدة آلاف من الدولارات، فإننا أمام سقطة أخرى لا يمكن معالجتها إلا بمنع هذه النوعية من البرامج التي يتربى عليها جيلا على الإسفاف وفقد العفاف لكل من تسولت نفسه قبض ثمن إهدار كرامته. علينا إدارة حوار مجتمعي لتصحيح الخلل الحادث في الدراما المصرية منذ سنوات، ومعالجة السقطات التي وقع فيها صناع تلك الدراما والاتجاه إلى دراما حقيقية تعبر عن واقع مصر وشعبها العريق لإنهاء هذا السقوط.

رابط مختصر
2023-04-14 2023-04-14
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر