كلّما حاولنا أنْ نفصلَ موضوع السلاح عن الإصلاح ، يتبيّـن أنّهما أخوانِ ملتقصان بالولادة ، وأَنّ أيَّ فصـلٍ بينهما محفوفٌ بالخطر . وكلّما حاولنا أنْ نبـرِّيءَ ذمَّـةَ السلاح من خطر التسبّب بالعدوان الإسرائيلي، يتذرّعُ الإسرائيلي بالمعادلة اللبنانية : “بتسخِّنْ منسخِّنْ” . على أنّ حصريّـة السلاح بالدولة ، ليست خدمةً تُسدى كرمى لعين العدو الإسرائيلي ، بـلْ هي حصراً كرمى لعين الشرعية اللبنانية وخطاب القسم والبيان الوزاري ودستور الطائف وشتّى الإتفاقات الدولية والمواثيق التي تحفظ كيانات الأمم.
ولم نكنْ ننتظر الإختراقات اليومية والقصف المجنون على الضاحية الجنوبية الأسبوع الفائت ، لنتذكّر أننا دولة سيادية تحتكر شرعية السلاح ، وبهذه الشرعية كان ردُّ رئيس الجمهورية وأهل الحكم وقيادة الجيش ، أجدى على الصعيد الدولي من الـردّ على القصف بالقصف . ما دام المفكّرون المقاومون ، والمفكرون العسكريون ، وحتى الذين لا يفكرّون، باتوا على اقتناع بأنّ لبنان اليوم لم يعد قادراً على الدفاع عن نفسه بسلاح المقاومة ، بقدر ما بات هذا السلاح يشكّل ذريعةً يستغلّها العدو الإسرائيلي لمواصلة إحتلاله واعتداءاته … فلماذا إذاً لا نُسقط هذه الذريعة …؟ وما دام الكيان الإسرائيلي قد بلغ عنده الخُبثُ حـدَّ ادّعائه بأنّـهُ لا يستهدف لبنان بقدر ما تقتصرُ اعتداءاتُهُ على المناطق التي تشكّل بيئـة جغرافية مسلحة لحزب الله.
فلماذا أيضاً لا نُسقط هذه الذريعة الكاذبة .
أمّـا أنْ تعتصم المقاومة بما تبقَّى لديها من سلاح في انتظار أنْ تتمكن الدولة اللبنانية منْ أنْ تمتلك القوة العسكرية المدافعة والرادعة ، في موازاة ما تتمتع بـه إسرائيل من قدرات ، فهذا يحتاج إلى تراكمٍ زمني مُبْهم ، وإلى كلِّ آبـار البترول العربية وغير العربية ، مع أنّ جبابرةَ الحرب في المنطقة يسيرون نحو التطبيع النووي والتطبيع الإبراهيمي .
لا أحبُّ أنْ أُصدق ما يقالَ : “بأنّ سلاح حزب الله مرهونٌ بأمـرٍ إيراني ومفاوضات البرنامج النووي ، مع أنّ وزير الخارجية الإيرانية قد منَحنَا مناعـةً وطنية حين صرّح في زيارته لبنان الأخيرة : “بأنّ نـزْعَ سلاح حزب الله قرارٌ لبناني …”
ولا أصدْق ما شاع من كلام : بأنّ هناك مماطلةً في تسليم السلاح حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة ، من أجل أن يكون لكاتمِ الصوت صوتٌ إنتخابي.
ولا أريد أن أصدق أنّ هذا السلاح إنْ لم يكن لـه جدوى على الصعيد الخارجي فقد يكون لـه جدوى على الصعيد الداخلي .
إذا سلّمنا بأنّ هناك هواجس معيّنـة لـدى الفريق الذي يمتلك السلاح ، فإنّ هذا السلاح يشكّل أيضاً هواجس معيّنـة لدى الفريق الآخر .
مع أن السلاح ليس شرطاً للمحافظة على استقرار الدول وكياناتها ، بدليل أنَ هناك 129 دولة في العالم تُعتبـرُ دولاً صغيرة وهي تحافظ على أمنها واستقرارها بغير سلاحها ، فهذا لا يعني عـدم التمنيّ بأنْ تـمنَّ الأقدار على لبنان بفُرصٍ تخوِّلُـه بأنْ يـردع الحرب عنه بسلاح الحرب .
ولكن في الإنتظار ، هل سنظلّ نتخبّـط في خضمّ حروب الآخرين ، فإنْ أعلَنَ الآخر الحربَ علينا ننقسم باسم الآخر ، وإنْ أعلنَّا الحرب على الآخر ننقسم على أنفسنا ، كأنّ علينا أنْ نموت بالوكالة …؟
عندما نلتقي جميعاً حول لبنان الذي كوّنَـهُ لنا الله ، وليس الذي يكوّنـه كـلُّ مكوِّن على هواه .
وعندما تُـؤمنُ بأنَّ أخاك في الوطن هو أخٌ لك “وولـيٌّ حميم” حتى ولو لم تلِـدهُ أمُّـك ، إذّ ذاك يصبح سلاحُك أخاك على ما يقول الشاعر : أخاك أخاكَ إنّ مَـنْ لا أخـاً لَـهُ كساعٍ إلى الهَيْجا بغير سلاحِ
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.