إنهيار المشرق بين أنياب الطغيان وتواطؤ القوىٰ الدولية

آخر تحديث : السبت 16 أغسطس 2025 - 4:38 مساءً
بقلم: د. وجدي صادق
بقلم: د. وجدي صادق

ليس الشرق الأوسط اليوم سوى مسرح دموي مفتوح، تتوزّع أدواره بين حكّام متكلّسين يقتاتون على ريع السلطة، وقوىٰ دولية تُدير الأزمات كما يدير التاجر صفقاته، وشعوب مسحوقة بين سندان الإستبداد ومطرقة التدخلات الأجنبية. لقد تحوّل الإقليم إلى لوحة قاتمة يطغىٰ عليها السواد: أنظمة فاقدة للشرعية، تتقن فنون القمع ولا تجيد سوىٰ صناعة الأزمات، وقوىٰ سياسية محلية تلهث وراء الولاءات الخارجية بدل أن تحتمي بمصالح شعوبها. أمّا المواطن، فبات مجرّد رقم في سجلات الفقر والتهجير، أو جثة مجهولة في ركام الحروب.

أما القوى الدولية، فتتعامل مع الشرق الأوسط لا بوصفه بؤرة إنسانية تستحق الإنقاذ، بل كـ سوق مفتوحة لتجريب الأسلحة وتبادل النفوذ. “روسيا وأميركا، أوروبا وإيران، إسرائيل وتركيا”… جميعهم يتزاحمون على غنائم المنطقة، بينما يتبجّحون بخطابات فارغة عن “السلام” و“الإستقرار”.

إنّهم في الحقيقة أوصياء كاذبون على الخراب، يسهرون على أن يبقىٰ الجرح نازفاً ليظلّ مصدر إبتزاز ورأس مال سياسي. ولا يمكن إغفال الدور الكارثي للنخب العربية التي إرتضت أن تكون أبواقاً لهذه القوى. منابرها الإعلامية مشغولة بتبرير الهزائم، وأحزابها مشغولة بالإقتتال الداخلي، ومثقفوها إلا من رحم ربك، يتسابقون إلى موائد الممولين بدل أن ينطقوا بكلمة حقّ في وجه سلطان جائر.

لقد صار الشرق الأوسط نموذجاً حياً لغياب العدالة الدولية؛ إذ تُرتكب المجازر يومياً تحت نظر “المجتمع الدولي” الذي يكتفي ببيانات جوفاء، بينما تتدفّق المليارات لشراء صفقات السلاح وتثبيت أنظمة فاسدة. أين هي الشرعية الأممية حين تُباد شعوب كاملة تحت ذرائع “الأمن القومي” أو “مكافحة الإرهاب”؟ وأيّ قانون دولي هذا الذي يسمح بالاحتلال، ويبارك التدخلات، ويصمت عن جرائم الحرب؟ إنّ التدهور الحاصل ليس قدراً أعمىٰ، بل نتيجة مباشرة لتحالف الإستبداد المحلي مع الأطماع الدولية. والكارثة الكبرى أنّ المشهد يزداد قتامة مع غياب مشروع عربي جامع، وذوبان الهوية الجامعة في بحر الطائفية والعرقية والانقسام.

“الشرق الأوسط” اليوم، بإختصار، جغرافيا معطوبة تحكمها أنظمة متآمرة وشعوب مُستنزفة وقوى دولية تُدير الخراب عن بُعد. والنتيجة: مستقبل مفقود، وذاكرة مثقلة بالدم، وواقع يزداد انهياراً كلّما صمتت الضمائر وتواطأت الألسن.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

رابط مختصر
2025-08-16 2025-08-16
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر