محمد بدرة:
>> الرسوم الأمريكية تمثل في الأساس عقوبات سياسية ضد الهند ولا تتعلق بمصالح اقتصادية أمريكية
>> أمريكا اليوم تحاول أن تجمع مليارات الدولارات على حساب شركائها التجاريين في العالم
>> الهيمنة الأمريكية لم تعد بالسلاح.. بل أصبحت من خلال فرض العقوبات على جميع دول العالم
د. أحمد يونس:
>> ترامب يستخدم هذه الرسوم كورقة ضغط تفاوضية مع الهند لتحقيق مكاسب تجارية أوسع
>> الهند ستتمسك بمصالحها الاستراتيجية في الطاقة ولن تسعى لمواجهة اقتصادية مع واشنطن
>> التوازن بين العقوبة والبحث عن مصلحة اقتصادية أميركية هو السمة الأبرز لهذا القرار
مازالت حرب الرسوم الجمركية التي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، تواصل دورها في زعزعة الاستقرار التجاري حول العالم بين الدول المتنافسة، حتى وصلت إلى الدول الحليفة، وها هو التوتر يشتعل بين عملاقين اقتصاديين يحكمان مصير مليارات الدولارات يومياً، (الولايات المتحدة والهند)، إذ يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بأكثر من 120 مليار دولار سنوياً وفق أحدث الإحصائيات.
من أسواق التكنولوجيا في سيليكون فالي إلى مصانع النسيج في مومباي، ومن مزارع الأرز الأمريكية إلى معامل الأدوية الهندية، تتردد أصداء هذه الحرب التجارية الصامتة. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ليس فقط عن حجم الخسائر المالية، بل عن مستقبل شراكة اقتصادية استراتيجية بناها البلدان عبر عقود من التعاون.
في هذا التقرير، نكشف الوجه الحقيقي لمآرب الرسوم الترامبية التي فرضها على حليفته التجارية (الهند)، حيث نحلل هذا الصراع الاقتصادي من خلال عيون أبرز الخبراء الاقتصاديين، الذين يحللون لنا التداعيات قصيرة وطويلة المدى لهذه الرسوم الجمركية على كل من الاقتصاد الأمريكي والهندي.
للحديث عن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة المفروضة على الصادرات الهندية والتي لم تعد مجرد أرقام في جداول التجارة الدولية، بل أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب الشركات والمستهلكين في كلا البلدين. يشاركنا الدكتور” محمد بدرة” الخبير بالشأن الاقتصادي: يقول الدكتور محمد بدرة: بوجه فرض أمريكا رسوم جمركية على دول العالم، يمثل فرض هيمنة اقتصادي أمريكية على العالم، بطريقة مستحدثة تتمثل في الرسوم الجمركية، وذلك للحد من القدرات الاقتصادية العالمية، بجانب ضعف القدرة الأمريكية لمواكبة التطور العالمي في الأوضاع الاقتصادية.

وعن العلاقة الاقتصادية الأمريكية مع الهند يوضح “بدرة”: الهند خلال الفترة الماضية استحوذت على حصة كبيرة من النفط الروسي، وتتكسب منه مكاسب كبيرة للغاية، حيث تقوم بشرائه من روسيا بمبالغ زهيدة، ثم تقوم ببيعه مرة أخرى بأضعاف ثمنه، وهذا التعاون الهندي الروسي أثار بالطبع غضب الرئيس الأمريكي الذي يفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وبالتالي الأمر يدخل في إطار العقوبات السياسية ضد الهند ولا يتعلق فقط بمصالح اقتصادية أمريكية.
وعن مستقبل العلاقات السياسية والأمريكية بين الهند والصين يؤكد “بدرة”: أرى أنه خلال الأيام القادمة سنكون أمام تسويات حقيقية بين أمريكا والهند، فالأخيرة تعد من أهم شركاء السياسة الأمريكية، ولكن حتى الآن لم يتضح شكل هذه التسوية، فأمريكا دائماً وأبداً تقوم بعمل التسويات بشكل منفرد بعيدًا عن مظلة الأمم المتحدة أو منظمة التجارة العالمية، أو السياسات الخاصة بالاقتصاد، وبالتالي أعتقد أنه من البعيد جداً أن نرى انقلاب في العلاقات السياسية بين الهند وأمريكا.
وفي النهاية أعتقد أن الصراع الاقتصادي العالمي الحالي يتلخص في كيفية الحد من الهيمنة الأمريكية على جميع دول العالم، وهذا لن يتم التوصل إليه إلا عبر مفاوضات بين الدول ولكنها مفاوضات ثنائية فقط.
المواجهة المباشرة اليوم بين الهند وأمريكا شركاء الأمس، قد تعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، فهل نشهد بداية تفكك إحدى أهم العلاقات التجارية في القرن الحادي والعشرين؟ أم أن هذه مجرد عقوبة سياسية مؤقتة فرضتها أمريكا على الهند التي حركت مؤشرها التجاري في الآونة الأخيرة تجاه روسيا، مما أثار غضب واشنطن فكانت الرسوم الجمركية بمثابة العتاب السياسي؟ للإجابة عن هذا التساؤل يحدثنا الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور أحمد يونس.
في البداية يقول يونس: إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على الواردات الهندية، رغم أن الهند يمثل أحد أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، يعكس مزيجًا معقدًا من الحسابات السياسية والاقتصادية في آن واحد. فالخطوة تحمل في ظاهرها طابع العقوبة، خاصة وأنها جاءت ردًا على استمرار نيودلهي في استيراد النفط من روسيا، وهو ما يتعارض بالطبع مع الجهود الغربية الرامية إلى تضييق الخناق الاقتصادي على موسكو. لكن في الوقت ذاته، لا يمكن فصل القرار عن البعد الاقتصادي الأميركي الداخلي، إذ إن فرض الرسوم الجمركية يعزز من قدرة واشنطن على حماية صناعاتها المحلية وتوليد عوائد إضافية للخزانة، فضلًا عن إمكانية استخدام هذه الرسوم كورقة ضغط تفاوضية مع الهند لتحقيق مكاسب تجارية أوسع.
ويستطرد “يونس”: من جهتها يبدو أن الهند، سيكون ردها متوازنًا بين التمسك بمصالحها الاستراتيجية في الطاقة وبين تجنب الانزلاق إلى مواجهة اقتصادية واسعة مع واشنطن. فالهند تدرك أن السوق الأميركية تمثل منفذًا رئيسيًا لصادراتها، لكنها في الوقت نفسه ترى أن احتياجاتها النفطية – ولا سيما بأسعار تفضيلية من روسيا – جزء أساسي من أمنها الاقتصادي. لذلك، من المرجح أن تتجه نيودلهي إلى مزيج من الحوار الدبلوماسي وتقديم بعض التنازلات الشكلية، مع محاولة الحفاظ على تدفقات النفط الروسي ضمن حدود لا تستفز واشنطن إلى الحد الأقصى.
ويضيف “يونس”: على صعيد العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين، من المستبعد أن يؤدّي الإجراء الحالي إلى قطيعة أو انهيار في الشراكة بين البلدين، خاصة أن الروابط التجارية والاستثمارية بينهما بنيت على مصالح متبادلة طويلة الأمد. إلا أن القرار سيترك أثرًا ملموسًا في المدى القصير على مستوى الثقة، وربما يدفع الشركات الهندية والأميركية إلى إعادة تقييم خطط التوسع والاستثمار. وإذا لم تُعالج الأزمة عبر قنوات التفاوض، فقد تتحول الرسوم من أداة ضغط تكتيكية إلى عامل إضعاف تدريجي للشراكة، ما يفتح الباب أمام لاعبين دوليين آخرين، كالصين أو الاتحاد الأوروبي، لملء أي فراغ في التعاون التجاري مع الهند. وفي النهاية، يبقى التوازن بين العقوبة والبحث عن مصلحة اقتصادية أميركية هو السمة الأبرز لهذا القرار.