من القاهرة إلى الخرطوم.. دروس من نقابة صحافة مصر لنقابة السودان في زمن الحرب

آخر تحديث : الخميس 8 مايو 2025 - 2:35 مساءً
بقلم: عمار العركي
بقلم: عمار العركي

• في مارس 2023، دُعيتُ كصحفي سوداني للمشاركة في حفل انتخاب نقيب الصحفيين المصريين، خالد البلشي، والذي أقيم بدار نقابة الصحفيين بالقاهرة. تزامن ذلك الحدث مع مناسبة تكريم النقابة لعدد 52 من المراسلين والمحررين الحربيين المصريين، في مشهد احتفالي حمل طابعًا رمزيًا عميقًا. لم تكن المناسبة فقط احتفاءً بالصحافة المهنية في أوقات الأزمات، بل كانت أيضًا لحظة ولادة لدورة نقابية جديدة، دشّنها البلشي برؤية واضحة، ركزت على دعم الصحفيين وتعزيز استقلالهم في مواجهة التحديات المتصاعدة.

• وقد شكلت مشاركتي في تلك اللحظة، التي شهدت انطلاقة ولاية نقيب الصحفيين المصريين، فرصة نادرة للاطلاع على كيفية تعامل الجسم النقابي في مصر مع المتغيرات السياسية والمهنية. وبعدها بأيام قليلة، وجدت نفسي أعود إلى الخرطوم في فجر يوم 15 أبريل 2023، حيث اندلعت حرب طاحنة وضعت الصحافة السودانية ونقابتها أمام اختبار مصيري.

من خطاب البداية إلى خطاب الختام.. قراءة في مسار القيادة الإعلامية

• عندما التقيت خالد البلشي في القاهرة، بدا واضحًا إصراره على أن تبدأ دورته بخطوات عملية تؤكد التزام النقابة تجاه الصحفيين، خصوصًا أولئك الذين يعملون في بيئات الحرب. وقد كانت أولى تلك الخطوات تكريم المراسلين الحربيين، في إشارة مباشرة إلى تقدير النقابة لأدوارهم، واعترافها بأهمية الصحافة الميدانية في أوقات النزاعات.

• وبعد مضي عامين على تلك اللحظة، جاء خطاب البلشي الأخير أمام الجمعية العمومية في ختام دورته، ليكون بمثابة تقرير أداء نقابي محمل بالدروس. لم يكن خطاب نهاية ولاية فحسب، بل كان تجسيدًا لرؤية بدأت منذ لحظة التكريم الأولى، واستمرت بخط تصاعدي من الإنجاز والعمل الجماعي. ركز البلشي في خطابه الختامي على ضرورة توحيد الصف الصحفي، والتفاعل المسؤول مع قضايا المهنة والوطن، مؤكدًا أن النقابة ليست فقط مظلة حماية، بل صوت استراتيجي في الأزمات.

مفارقة الحرب حين حضرت النقابة في القاهرة وغابت في الخرطوم

• في المقابل، جاءت الحرب في السودان كحدث كاشف لحجم الضعف في البنية التنظيمية للصحافة السودانية. لم يكن هناك ظهور مؤثر لنقابة الصحفيين السودانيين في الأيام الأولى للأزمة، كما غاب المراسل الحربي السوداني عن الساحة، في لحظة كان فيها السودان بأمسّ الحاجة إلى إعلام موثوق يُطمئن الناس ويكشف الحقائق.

• لقد بدت نقابة الصحفيين السودانيين بعيدة عن الحدث، لا تملك خطة للطوارئ، ولا برامج لدعم الصحفيين في مناطق الخطر، ولا حتى جهودًا واضحة لحشد الجسم الصحفي أو إصدار بيانات مهنية قوية. هذا التباين بين النقابتين يسلط الضوء على أهمية وجود قيادة نقابية واعية ومؤثرة، تُخطط منذ اليوم الأول، وتبني خطابًا مؤسسيًا يمتد من التأسيس إلى التقييم.

الصحافة الحربية بين التقدير والتهميش

• في حين بادر الجسم النقابي المصري إلى تكريم المراسلين الحربيين، وتقديم نماذجهم كرموز للالتزام المهني في زمن الحرب، لم يحصل الصحفي السوداني على الحد الأدنى من الحماية أو التدريب أو حتى الاعتراف بأهمية وجوده في ساحة المعركة الإعلامية.

• لقد افتقر المشهد السوداني إلى منظومة صحفية مهنية قادرة على التعامل مع بيئة الحرب، ما أدى إلى ترك الساحة مفتوحة للشائعات، وتراجع الثقة في الإعلام المحلي. وكان يمكن للنقابة أن تملأ هذا الفراغ بدورات تدريبية، وخطط دعم، ومواقف نقابية حازمة، مستفيدة من تجارب أشقائها.

خلاصة القول ومنتهاه.. النقابة ليست إدارة أزمة، بل صناعة رؤية

• من القاهرة إلى الخرطوم، تظهر النقابة الصحفية ككيان لا يُقاس فقط بردة فعله على الأحداث، بل بقدرته على التحضير والاستباق والتأثير. إن خطاب خالد البلشي أمام الجمعية العمومية في ختام دورته، يجب أن يُقرأ سودانيًا لا كوثيقة مصرية فقط، بل كمرآة يمكن أن تعكس الطريق نحو نقابة صحفيين سودانيين فاعلة، تدرك أن دورها لا يبدأ بعد الأزمة، بل قبلها.

• وإذا كانت بداية الدورة المصرية قد دشّنت بتكريم المراسلين الحربيين، فإن نهايتها جاءت بخطاب يكرّس لمأسسة العمل النقابي الإعلامي… أما في السودان، فإن الحاجة إلى مثل هذه الرؤية ما تزال قائمة، وربما باتت اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

*كاتب المقال: صحفي سوداني.

رابط مختصر
2025-05-08
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر