اشتعال سنترال رمسيس.. حريق في عقل اتصالات مصر

14 ساعة نيران.. و500 درجة مئوية

آخر تحديث : الخميس 17 يوليو 2025 - 2:06 صباحًا
اشتعال سنترال رمسيس.. حريق في عقل اتصالات مصر
فاطمة خليفة:

  >> الحكومة تغلبت على الأزمة ونجحت في عودة الاتصالات والمعاملات الرقمية

>> الأساليب التقليدية كانت الحل البديل لحين انتهاء الأزمة

>> مصر تعد ممرا رئيسا للبيانات في العالم.. والأولى عربيا لمستخدمي “الإنترنت”

>> فقدان “الإنترنت” يُحَوِل أي دولة إلى جزيرة منعزلة عن العالم

>> الحكومة: لدينا 1676 سنترالا تؤمن شبكة الاتصالات القومية

مازالت تداعيات حريق سنترال رمسيس حاضرة على طاولة يوميات المصريين، منذ لحظة احتراق السنترال في السابع من يوليو الجاري.. تلك اللحظة التي لم تكن في الحسبان. فقد التهمت النيران تقنيات متقدمة وأجهزة معقدة تربط ملايين المصريين بعضهم البعض، وبالعالم الخارجي، لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت نقطة تحول حاسمة كشفت عن هشاشة البنية التحتية التكنولوجية ولفتت إلى أهمية الاستعداد للطوارئ في عصر يعتمد فيه كل شيء على الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية.

فما هو أثر حريق سنترال رمسيس على مستقبل الاستثمار التكنولوجي؟ وما تأثيره على البنية التحتية الرقمية في مصر؟ وما هي الاستراتيجية المصرية لأمن المعلومات في مصر؟

بدأت الكارثة بشكل مخادع وهادئ.. ماس كهربائي بسيط في الطابق السابع من المبنى، في المكاتب الإدارية التي تبدو عادية وروتينية، ولكنه تحول إلى قوة مدمرة تجاوزت حرارتها وصلت إلى حوالي 500 درجة مئوية، حولت المعدات التقنية المتطورة إلى كتل من المعدن المنصهر. قوة وسرعة النيران استغرقت أكثر من 14 ساعة كاملة من كفاح قوات الإطفاء التي شاركت بعشرات السيارات إذ وجد رجال الإطفاء أنفسهم أمام تحد غير عادي، فالنار كانت تتجدد وتعود للظهور مراراً وتكراراً.

تكنولوجيا عاجزة

حريق السنترال أنذر بكارثة تكنولوجية حقيقية أحدثت شللاً واسع النطاق في شبكة الاتصالات المصرية؛ نتيجة انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات عن ملايين المصريين، إذ كان الأمر أشبه بالعودة إلى عصر ما قبل الثورة التكنولوجية. كان أحد أخطر هذه التداعيات للحريق هو توقف منصات الدفع الإلكتروني والخدمات المصرفية الرقمية في عصر أصبح فيه النقد الإلكتروني جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية.. فقد تحول المواطنون فجأة إلى الاعتماد على النقد الورقي والمعاملات التقليدية. أما البنوك التي استثمرت مليارات الجنيهات في تطوير الخدمات الرقمية وجدت نفسها عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات لعملائها.

الأزمة الرقمية لم تستمر طويلا وسرعان ما عادت الخدمات والمعاملات الرقمية إلى عملها الطبيعي مع تحركات حكومية لاحتواء التداعيات وتقديم الدعم اللازم للمواطنين المتضررين. من خلال قرار منح مشتركي الإنترنت الأرضي (10) جيجا بايت مجانية، بالإضافة إلى مواصلة الشباب الليل بالنهار لإعادة الخدمات وإصلاح الأعطال.

النقد الورقي

ولكن أزمة السيولة النقدية التي واجهها المصريون تركت لديهم هاجس حول مصير أمن الاتصالات والمعلومات الرقمية في مصر، وتساءل الجميع: ماذا لو تعرضت الاتصالات في مصر إلى ضربة تكنولوجية قاضية سواء قدرية أو خارجية وباتت التعاملات التجارية من خلال التعاملات النقدية فقط وتوقفت البطاقات الائتمانية والمحافظ الإلكترونية؟.. مما يمكنه أن يحدث ضغطاً هائلاً على البنك المركزي لتوفير النقد الكافي في السوق، فهل يجد الاقتصاد المصري نفسه مجبراً على العودة إلى الأساليب التقليدية، بعدما كان يتجه بقوة نحو الرقمنة؟ بالإضافة إلى الشركات الكبرى التي تعتمد على الاتصالات في إدارة فروعها والتنسيق بين الفروع، والشركات الناشئة والأفراد الذين يعتمدون في أعمالهم وتواصلهم بالكامل على الإنترنت، ومنصات التجارة الإلكترونية التي تحقق مبيعات بملايين الجنيهات يومياً، وشركات التكنولوجيا المالية التي يمكن أن تتوقف عن تقديم أي خدمة، في حال توقف الاتصالات في مصر، فهل يمكن أن تصبح البلد جزيرة معزولة عن العالم الرقمي والتكنولوجي؟

الخطط البديلة

من جانبها طمأنت الحكومة المصرية المواطنين على مصير الاتصالات في البلاد من خلال تصريحات وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، محمود فوزي، الذي أكد على وجود نسخ احتياطية من البيانات الحيوية.

كما كشفت المصادر الحكومية عن أن مصر تضم 1676 سنترالاً تؤمن شبكة الاتصالات القومية. ولكن هل بالفعل لدى الحكومة المصرية خطة تأمينية للحفاظ على مستقبل المصريين التكنولوجي؟

تشير الإحصاءات والدراسات إلى أن مصر الأولى عربيا من حيث عدد مستخدمي الإنترنت، والملايين من المصريين يعتمدون على تكنولوجيا الاتصالات في أعمالهم ومعاملاتهم، كما أن مصر تعد ممرًا رئيسيًا للبيانات في العالم، إذ أن أكثر من 90% من البيانات المارة ما بين قارتي أسيا وأوروبا تمر من خلال المياه والأراضي المصرية، ومن هنا انطلقت استراتيجية مصر الرقمية التي أعلنت عنها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتتمثل في المشروعات الاستراتيجية للبنية التحتية الرقمية.

ويشير خبراء إلى أن حريق سنترال رمسيس كشف عن عوار كبير في البنية التحتية الرقمية في الوقت الذي تتجه فيه مصر إلى التحول الرقمي الذي يحتاج إلى بنية تحتية رقمية متطورة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة تقييم إجراءات حماية المنشآت الحيوية في مصر مثل “سنترال رمسيس” وغيرها من المنشآت الحيوية.

النقطة الحرجة

من هنا أوصى المهندس أحمد العطيفي خبير الاتصالات، في تصريحات صحفية له، بضرورة تغيير آلية عمل شبكات الاتصالات في مصر بشكل كامل، لأنها تتحكم في العديد من القطاعات، مؤكداً أن الحريق يعد بمثابة “جرس إنذار” لإعادة تصميم النقاط الحرجة القريبة في شبكة الاتصالات الرئيسية في مصر، وتقليل عدد هذه النقاط الحرجة، ووضع استراتيجية متكاملة مع مراجعة الاستراتيجية الحالية.

بينما يرى خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الدكتور محمد عزام، ضرورة إعادة النظر في مرونة شبكة الاتصالات في المستقبل والعمل على نقل البيانات لشبكات بديلة بشكل آلي وسريع، وعمل سنترالات بديلة، وشبكات موازية لنقل البيانات من خلالها في حالة حدوث عطل جسيم مثلما حدث في حريق سنترال رمسيس.

رابط مختصر
2025-07-17
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر