>> ضبابية حول حلم الدولة الكردية بعد كفاح مسلح لأكثر من 4 عقود
>> حزب العمال الكردستاني لم يجد أمامه سوى الحلول السلمية وإلقاء السلاح
>> الدعوة التاريخية للزعيم الكردي عبد الله أوجلان بتسليم السلاح مثلت انتصارا سياسيا لإردوغان
>> أوجلان: كفاحنا المسلح ضد الدولة كان ضروريا في الماضي لإنكار الذات الكردية.. أما اليوم تغيرت الظروف وأصبح هناك مساحة أكبر من الديمقراطية
>> إردوغان: تجاوزنا مرحلة حرجة.. والحكومة راقبت عن كثب عملية تسليم السلاح وخاصة في المناطق الجبلية مقر تمركز الحزب
>> إلقاء السلاح قد يفتح مجالا أرحب للحقوق وتعزيز الهوية الثقافية الكردية وتوسيع الحكم الذاتي المحلي
>> حل “العمال الكردستاني” سيعزز من التقارب التركي العراقي وتعزيز المجال الاقتصادي مع أربيل
>> ضغوط دولية للاستمرار في القضاء على الجماعات المسلحة في المنطقة
تعيش الحكومة التركية انتصارا سياسياً بتوصلها إلى اتفاق سلمي مع الأكراد، يتمثل في اتفاق يقضي بموجبه تسليم حزب العمال الكردستاني سلاحه إلى الحكومة التركية.. فهل نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد عقود من الصراع التركي الكردي في القضاء على كفاح الأكراد المسلح؟
القرار لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة عملية سياسية إقليمية معقدة امتدت لأشهر، تخللتها محادثات سرية ومفاوضات غير مباشرة، وضغوط إقليمية ودولية متنوعة.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على الخلفيات التاريخية والسياسية لهذا الاتفاق، والأحداث التي أدت إليه، وتأثيراته المحتملة على مستقبل الأكراد في تركيا والمنطقة بأكملها.
أربعة عقود من الصراع الكردي التركي
نشأ حزب العمال الكردستاني عام 1978 كحركة ثورية قومية أنشأها “عبدالله أوجلان” بهدف الدفاع عن حقوق الأكراد من “الاضطهاد” التركي والسعي لإقامة دولة كردية مستقلة، ولكن الصراع المسلح بدأ فعلياً عام 1984، عندما بدأت الاشتباكات المسلحة بين الحزب وبين الحكومة التركية بمنطقة الأناضول، ليتطور دور الحزب من حركة انفصالية محدودة إلى حركة مسلحة تهدد استقرار الدولة التركية مع توسع الحزب ليمتد داخل شرق تركيا وشمال العراق.

استمر الصراع الكردي يهدد استقرار المنطقة التي شهدت منعطفات متعددة من العنف والهدوء النسبي أحياناً، لإيجاد حل سياسي سلمي. ومن أبرز هذه المحاولات عملية وقف إطلاق النار في عام 2013 ولكنها انهارت في 2015، بسبب التوترات المتزايدة والأحداث الإقليمية المتغيرة، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). واستمر الصراع حتى وصل الحزب إلى قناعة تامة بالحل السلمي وأعلن حل نفسه في مايو الماضي في مفاجأة سياسية كبيرة.
هل انتهى عصر الميليشيات المسلحة في المنطقة؟
اليوم تشهد المنطقة تطورات صادمة وأحداثا ملتهبة من حروب إقليمية وسقوط أنظمة وانهيار محاور؛ لتعيد بذلك تشكيل خريطة التحالفات والصراعات من جديد، خاصة بعد تهاوي المحور الإيراني وضعف ميليشياته التي كان حزب الله اللبناني يمثل أحد ركائزها العسكرية، فهل تشهد المنطقة عصر جديد خالي من الفصائل المسلحة؟
كانت الدعوة التاريخية التى أطلقها “أوجلان” زعيم حزب العمال الكردستاني من وراء القضبان لإلقاء الحزب السلاح وحل نفسه، بمثابة انتصارا لسياسات أردوغان السلمية والتفاوضية التي انتهاجها طيلة العقود الماضية مع الأكراد.
فيما برر “أوجلان” قراره بحل الحزب قائلاً: أن الكفاح المسلح ضد الدولة كان ضرورياً في السابق بسبب السياسات التي أنكرت الهوية الكردية وقيدت الحقوق والحريات الكردية. ولكن الظروف قد تغيرت الآن وأن هناك مساحة أكبر للسياسة الديمقراطية.

الدعوة لم تقتصر على الحل فحسب، بل تضمنت أيضاً توجيهات واضحة للمقاتلين في الجبال للنزول وترك أسلحتهم. وقال أوجلان: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً. يجب على جميع الجماعات أن تلقي أسلحتها وأن يحل حزب العمال الكردستاني نفسه”.
بالفعل اتخذ الحزب القرار الرسمي بحل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح. في 12 مايو 2025، وأعلن الحزب رسمياً عن حل نفسه من خلال بيان جاء فيه (أن كفاح الحزب المسلح قد تحدى بنجاح السياسات التي سعت إلى قمع الحقوق الكردية، وأن الوقت قد حان الآن للانتقال إلى “السياسة الديمقراطية).
المراحل العملية لتسليم السلاح
بدأت المراحل العملية لتسليم السلاح في يوليو 2025، حيث أعلن الحزب أن أعضاءه في إقليم كردستان العراق سيبدأون عملية تسليم أسلحتهم. وأقيمت الطقوس الأولى لتسليم السلاح بالقرب من محافظة السليمانية في شمال العراق، حيث قام عدد من مقاتلي الحزب بتدمير أسلحتهم في عملية رمزية.
على الجانب الآخر، رحبت الحكومة التركية بقرار حل حزب العمال الكردستاني وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: لقد عبرنا الآن عتبة حرجة أخرى”، ولكن كانت الاستجابة التركية حذرة، حيث أبدى بعض المسؤولون الأتراك تخوفهم بشأن حل الحزب بشكل كامل وحقيقي، بالإضافة إلى مراقبة الحكومة التركية عملية التنفيذ عن كثب عملية خاصة في المناطق الجبلية النائية حيث تتمركز عناصر الحزب.
ما هو مستقبل الأكراد في المنطقة؟
يأتي حل حزب العمال الكردستاني في وقت تشهد فيه القضية الكردية في تركيا تطورات مهمة. على مدى العقود الماضية، شهدت الحقوق الكردية في تركيا تحسناً تدريجياً، مع السماح بالتعليم والبث باللغة الكردية، وزيادة التمثيل السياسي للأكراد في البرلمان التركي. وقد أسهمت هذه التطورات في تعزيز الشعور بأن الأهداف الكردية يمكن تحقيقها من خلال الوسائل السياسية السلمية بدلاً من الكفاح المسلح.

ومن المتوقع أن يؤدي حل حزب العمال الكردستاني إلى تعزيز التيار السياسي الكردي السلمي، ممثلاً بحزب الشعوب الديمقراطي وأحزاب أخرى. هذا التحول قد يفتح المجال أمام تطوير أكبر للحقوق الكردية في تركيا، بما في ذلك توسيع الحكم الذاتي المحلي وتعزيز الهوية الثقافية الكردية.
التداعيات الإقليمية.. مصير أكراد العراق وسوريا
حزب العمال الكردستاني لم يكن فقط يهدد استقرار الدولة التركية، ولم يقتصر دوره على دعم أكراد تركيا فقط، ولكنه كان حزبا ممتدا يسعى لبناء دولة كردية مستقلة تشمل أكراد سوريا والعراق إلى جانب أكراد تركيا، حيث يتمتع الأكراد بإقليم فيدرالي شبه مستقل في العراق، ومع حل الحزب وانتهاء دوره المسلح يمكن أن يؤدي ذلك إلى زوال التهديد الأمني الذي شكله الحزب لهذه الدول، بالإضافة إلى تحسين العلاقات التركية العراقية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وتحسين العلاقات مع الحكومة الإقليمية الكردية في أربيل، التي أصبحت في وضع أقوى للتفاوض مع تركيا حول قضايا اقتصادية وسياسية مهمة، مما يؤدي هذا إلى تعزيز التجارة والاستثمار التركي في إقليم كردستان العراق.
أما في سوريا، فإن الوضع أكثر تعقيداً. فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، خاصة أنه يسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا. بالإضافة إلى استقلاله عن قرار حل حزب العمال الكردستاني، ولكن المتفائلون يرون أنها فرصة تاريخية لتسوية سياسية أوسع في سوريا تشمل الأكراد السوريين.

على الصعيد الدولي لم يكن قرار حل حزب العمال الكردستاني معزولاً عن التطورات الدولية والضغوط الخارجية، خاصة “الولايات المتحدة الأمريكية” و”الاتحاد الأوروبي”، اللذان يصنفان حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، فيما صدر عن البيت الأبيض بياناً يرحب بدعوة عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح.
يأتي هذا الدعم الدولي في ظل سعي القوى الدولية إلى تحقيق استقرار نسبي خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي شهدتها المنطقة لضمان السيطرة على الأوضاع مستقرة، ولكن السؤال المطروح ،هل تسعى القوى الدولية لإنهاء دور الجماعات المسلحة في المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة لإضعاف المحور الإيراني، خاصة أن الدعوات الأمريكية لإنهاء دور حزب الله المسلح في لبنان والمنطقة بدأت صدح بصوت عالي في الفترة الأخيرة.

في ضوء ما سبق يمكننا التأكيد على أن القضية الكردية في تركيا والمنطقة تدخل مرحلة جديدة، ولكنها مرحلة مجهولة للمستقبل السياسي للأكراد، خاصة ان الانتقال الكردي السلمي يتطلب استراتيجيات جديدة للأحزاب السياسية الكردية مثل حزب الشعوب الديمقراطي، والتي تواجه تحدي إثبات قدرتها على تحقيق المطالب الكردية من خلال الوسائل الديمقراطية. وبالتالي نجاح هذه الأحزاب في تحقيق مكاسب ملموسة للأكراد سيكون حاسماً في تحديد مستقبل القضية الكردية.