لـمْ يتَّضج ـ حتى إشعارٍ آخـر ـ ما إذا كنّا سنجدُ حـلاّ حاسماً لموضوع حصريّـة السلاح ، أوْ أنّ النصالَ ستظلُّ تتكسَّرُ على النصال ، لنحارب أنفسنا بسلاحنا . على أنّ المشكلة ليست بحصريّة السلاح ، ووجود السلاح ، واقتنـاء السلاح… المشكلةُ في تحديد وظيفة السلاح : مَنْ يستخدمُه ، ومَنْ يأمر باستخدامه، ومتى وأين وكيف .
وهل ، لهذا السلاح هويّـةٌ لبنانية حصراً ، أوْ هو متعدّد الجنسيات ..؟
لقد بلغ التذاكي عند بعض المجتهدين حـدَّ القول : “لأنَّ هذا السلاح لم يكن سلاحاً لبنانياً حصراً ، فليس من شأن الدولة اللبنانية أن تطالب بحصريّتهِ في يدها”.
هذه المعادلة الذكيّة تشكَّلُ أخطر أنواع النزاع الوطني بحيث تضع اللبنانيين في حالة خيار : بيـن الدولة والحزب ، وبين سلاح الدولة وسلاح الجيش ، وبين طائفة وسائر الطوائف .. “لا تسليم للسلاح قبل تسليم الحياة ، ولا حياة للبنان عند مواجهة السلاح ، ولتكن الكربلائيات والحروبُ الأهلية ، وعلى الدولة وعلى الدنيا السلام …”
أيها السادة المجتهدون …
السيد الشهيد حسن نصرالله ، وفي أعقاب مسيرة الطيونة ـ فرن الشباك إلى وزارة العدل : 19/10/2021 ، وبالرغم من سقوط ضحايا من حزب الله على يـد الجيش اللبناني ، لم يكن كلامُ السيّد الشهيد إلاّ احتوائياً عاليَ المسؤولية ، متعالياً عن الجراح ، فقال محذّراً من الحرب الأهلية : ” أنا أقول الدولة هي ضمانة كلّ اللبنانيين وخيارُنا أن نكون معاً ، ونكون حريصين على مؤسسة الجيش وتماسكها، إن وحدة لبنان وهوّيتَـهُ في هذه المؤسسة …” السؤال : ماذا لو كان السيد الشهيد لا يزال حيّاً ، وفي ظلّ ما أصابنا من نكبات واحتلالات وشهادات واختلالات في توازن القوى ، فأيَّ موقفٍ كان اتَّخـذ، وأيَّ خطابٍ كان ألقى …؟
وفي ظروفٍ مماثلة ، أيّ كلام وخطابٍ كان للإمام موسى الصدر حين قال : في 1/7/1977 “لبنان يهتزُّ من داخل كيانه بفعل ما لدى البعض من نقصٍ في الولاء للدولة …”
وفي نداء إلى اللبنانين 7/1/1976 “دعا الإمام الصدر إلى حـلٍّ لا يكون المنتصر فيه لا المسلمون ولا المسيحيون ولا الأحزاب ، بل لبنان وشعب لبنان …” وهذا الإرث الوطني التاريخي الشيعي ، هو الذي دعا إليه الإمام محمد مهدي شمس الدين في وصاياه ، “ليس للشيعة مشروعٌ خاص سوى الدولة ، ولا مجال لدولة دينية في مجموعات متنوعة …”
ثمَّ ، أنْ يكونَ لدى أيّ فريق لبناني : مشروعٌ خاص وسلاح خاص ، وواقعٌ خاص ، وديمغرافية خاصة على الصعيد العسكري والإقتصادي والإجتماعي والتربوي ، أفلاَ يعني هذا الإنكفاء عن الدولة ، أننا نتّجـهُ نحو نظام فدرالي .؟
خطايانا التاريخية الكبرى هي في انقسامنا على أنفسنا حول الوطن والدولة والمذاهب فنرتمي في أحضان الآخرين ، وتقودنا الوعود الكاذبة إلى التضحية بأنفسنا في سبيل تحقيق مكاسب الأخرين .
وعَـدَنا السيد تـوم باراك : “أننا سنعود لؤلؤة الشرق ، وسنتَمتٍّع بالسلام والإزدهار مع جيراننا الإسرائيليين والإيرانيين” حتى كاد يكرّر كلام النبيّ ، “ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنـه سيورثُهُ …” هذا .. إذا كان الجار صالحاً كما يقول الإمام علي بن أبي طالب . أن ندعو إلى حصرّيـة السلاح ، فهذا لا يعني أننا نرفع الأصابع العشر استسلاماً وانهزاماً في مسيرة الجلد والصلب والقتل التاريخية التي تتكرر على طريق القدس وطريق لبنان .
إننا نملك من طاقات العقل في لبنان مع سائر الجاليات والصداقات العربية والدولية سلاحاً نستطيع أن نتفوّق بـه على إسرائيل .
لم يَكتُبْ سلاحُ الحديد أيَّ انتصار في التاريخ في معزل عن سلاح العقل ، هكذا قيل : “إنّ وراء انتصارات الإسكندر المقدوني كان دائماً “أرسطو” .
من باب الإستزادة بالتفاؤل حول موضوع السلاح ، ماذا يمنع مثلاً من أنْ يُضافَ إلى علَمِ حزب الله رسمُ الأرزة اللبنانية إلى جانب البندقية .؟
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.