في إثيوبيا سد يبحث عن حل!

آخر تحديث : الجمعة 19 مارس 2021 - 9:38 صباحًا
في إثيوبيا سد يبحث عن حل!
حاتم عبد القادر:

> السيسي يؤكد رفضه لـ”الإجراءات المنفردة” بشأن سد النهضة

>> قمة أفريقية لرؤساء مصر والسودان ولإثيوبيا لإيجاد مخرج جديد

تطورت أزمة “سد النهضة” الإثيوبي بين أطرافها الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، لتفشل اجتماعات الثالث عشر من الشهر الجاري برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور مراقبين من الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، في التوصل لاتفاق بشأن القضايا الخلافية في الشقين الفني والقانوني بعد أسبوعين من الجلسات المكثفة على مستوى وزراء الري من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا من جهة واللجان المتخصصة من جهة أخرى.

لقد شهدت الأسابيع الماضية تحركات سريعة وتصريحات مستفزة من الجانب الإثيوبي أبرزها تصريحات رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد بالشروع في عمليات ملئ الخزان والتي تستلزم في مرحلتها الأولى 4.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل دون الرجوع سواء وافقت مصر أو السودان أم لا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وفي استعراض للإصرار الإثيوبي وإمعانا في الاستفزاز راح عدد من وزراء الحكومة الإثيوبية وممثل من الجيش الإثيوبي بزيارة للسد وقاموا بنشر صور للزيارة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في إشارة واضحة أن إثيوبيا ماضية في طريقها للانتهاء من بناء سد النهضة وملء الخزان وفق المواعيد المقررة من الجانب الإثيوبي.

وبناء على تحركات وتصريحات الحكومة الإثيوبية اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بمجلس الأمن القومي المصري لبحث تداعيات أزمة سد النهضة وفق تحركات الجانب الإثيوبي، وصدر بيانا عقب الاجتماع أكدت فيه مصر تمسكها بالحلول الدبلوماسية وفق محددات القانون الدولي الذي يؤكد حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، كما أكد البيان استمرار مصر في تبنيها الحلول السياسية وأنها لن تتطرق إلى الحلول العسكرية والتي يحرض البعض عليها، وهو الأمر الذي يظهر احترام مصر لحق إثيوبيا في التنمية وإقامة سدها ولكن في نفس الوقت مع مراعاة الجوانب الفنية المتعلقة بعوامل الأمان والسلامة والحفاظ على حق مصر في المياه.

في التقرير التالي تستعرض “العربي الأفريقي” آخر تطورات أزمة “سد النهضة” بين أطرافها الثلاثة والحلول الممكنة وفق مستجدات الأحداث وتداعياتها.

آخر التحركات

جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في السابع عشر من يوليو الجاري، التأكيد على ثوابت الموقف المصري من أزمة سد النهضة انطلاقا مما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، بحسب متحدث رسمي.

وشدد السيسي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، على حتمية بلورة اتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.

وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي بأن الرئيس رامافوزا أشاد بالنهج البناء الذي اتبعته مصر خلال جولة المفاوضات الأخيرة بشأن سد النهضة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، مما يعكس الإرادة السياسية المصرية الصادقة للوصول إلى حل الأزمة.

وأضاف أنه “تم التوافق على استمرار التنسيق المكثف بين البلدين بشأن تلك القضية الحيوية”.

وكانت الخارجية المصرية قد طلبت إيضاحا رسميا من الحكومة الإثيوبية بشأن ما تردد إعلاميا عن بدء ملء خزان السد قبل أن تصدر أديس أبابا نفيا لتلك الأنباء.

وكان محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية، قد صرح بأن الإجراء الذي ستتخذه مصر بعد إعلان وزارة الري الأثيوبية بدء ملء سد النهضة “سيكون سياسيا، وعبر وزارة الخارجية”.

وأشار السباعي إلى أن مصر التزمت بما جاء في الاجتماع الأخير للمفاوضات التي استمرت أحد عشر يوما بين مصر وإثيوبيا والسودان، بحضور مراقبين دوليين، ورفعت التقرير النهائي إلى مكتب الاتحاد الأفريقي.

قمة أفريقية

وفيما تنبأ بصعوبة الموقف قال الدكتور علاء الظواهري، عضو اللجنة الفنية لمفاوضات سد النهضة، في تصريحات صحفية: “الأمر صعب، ولكن قد يكون هناك حلول أخرى تطرح في الخطوة المقبلة على طاولة القمة الأفريقية المصغرة، والتي ستكون بمشاركة الرؤساء للدول الثلاث”. وأضاف “الظواهري”: كما سيعقد اجتماع بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا، مع رئيس الاتحاد الأفريقي، وربما يكون خلال أيام، وسيجتمعوا، وكل رئيس دولة سيستعرض ما تم، والاتحاد الأفريقي سيبدي رأيه، ربما يأتي بحل، أو توصية ما، وكل رئيس يقبل أو يرفض ما سيعرض عليه، وربما نصل إلى توافق وربما يعرض الرئيس السيسي عرضا يقبله وهكذا، ويحددوا مسارا جديدا نسلكه.

بداية الأزمة

أزمة “سد النهضة” ليست أزمة حديثة أو تم تفجيرها من الجانب الإثيوبي في أعقاب أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 مستغلا الفوضى والأرض الرخوة للدولة المصرية بسبب الأحداث التي أثرت عليها سياسيا واقتصاديا وأمنيا بفعل موجة “الربيع العربي”. ولكن الأزمة بدأ التفكير فيها في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن مصر بكل أنظمتها الحاكمة وقفت بشدة صلبة، رافضة المبدأ من أساسه، لتعلن إثيوبيا في مارس 2011 عن نيتها إقامة السد ومنحها عقدا بقيمة 4.8 مليار دولار لإحدى الشركات الإيطالية لتنفيذ المشروع، بشكل مباشر دون عطاءات تنافسية.

وفي الثاني من أبريل 2011 يضع رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ملس زيناوي حجر الأساس.

وصاحب طرح تنفيذ “سد النهضة” مجددا “اتفاقية عنتيبي” التي وقع عليها 4 دول من دول مبادرة حوض نهر النيل في مدينة عنتيبي الأوغندية في مايو 2010 وهم: إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا في غياب دولتي المصب (مصر، والسودان).

وكانت الدول الأربعة وقعت “اتفاقية عنتيبي” بالأحرف الأولى بعد مفاوضات استغرقت حوالي 10 سنوات أو يزيد بين الدول التسعة التي يمر بها نهر النيل، بهدف تقاسم أفضل لمياهه ومحاولات الحصول على حصص أكبر، وفي حين موافقة كينيا على الاتفاقية إلا أنها لم توقعها، بينما لم يحضر ممثلو دولتي الكونغو الديمقراطية وبوروندي.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر جمدت عضويتها في دول حوض النيل في عام 2010 كرد فعل على “اتفاقية عنتيبي”.

وكانت إثيوبيا ترى أن اتفاقية عنتيبي تمثل لها مخرجا جيدا لإعادة توزيع المياه على دول حوض النيل في ظل رفض مصر رفضا شديدا تنفيذ مشروع “سد النهضة”.

والآن لم تعد إثيوبيا تنظر إلى “اتفاقية عنتيبي”، فقد تجاوزت هذه الاتفاقية بمراحل كبيرة بعد أن أغناها “سد النهضة” بكل ما تضمنته “اتفاقية عنتيبي” التي كانت الشرارة الأولى في إعادة طرح بناء “سد النهضة”، حيث كان الاتفاق الراسخ والتاريخي المعني بحصص مياه النيل هو الذي تم توقيعه بين مصر وبريطانيا عام 1929 وتمت مراجعته عام 1959، وهو الاتفاق الذي بموجبه تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا، في حين تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب سنويا من إجمالي مياه النهر البالغة 84 مليار متر مكعب سنويا، أي أن مصر والسودان وحدهما يحصلان على ما نسبته 87% من مياه النهر.

الفقرة “14ب”

وفي هذا الصدد يشير الدكتور أحمد المفتي خبير القانون الدولي (عضو لجنة مفاوضات دول حوض النيل) إلى أن “اتفاقية عنتيبي” شهدت مفاوضات بدأت منذ عام 1995 وحتى عام 2012، وبحسب رؤيته يرى أنها أفضل اتفاقية لدول حوض النيل، موضحا أن الخلاف الوحيد الذي منع مصر والسودان من التوقيع عليها هى فقرة واحدة في الاتفاقية “14ب”، والتي تتحدث عن تفاصيل الأمن المائي واستخدام الاتفاقيات السابقة، وتم إحالة هذا البند إلى المنظمة التي سيتم إنشاؤها بموجب تلك الاتفاقية.

كما أوضح “المفتي”، تلك الاتفاقية تبنت كل المبادئ التي وردت في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، وأضافت إليها أشياء جديدة، وتقدم السودان في الأسبوع الأول من شهر يوليو 2012 لتجاوز الخلاف حول المادة”14ب ” ووافقت كل دول حوض النيل على عقد اجتماع طارئ لمناقشة المبادرة السودانية لحل النقطة الأخيرة من الخلاف، وفي تلك الأثناء ظهر موضوع “سد النهضة” فتجمد الأمر حتى الآن.

إنهاء التجميد

في الاجتماع الرابع والعشرين لمجلس وزراء المياه بدول حوض النيل والذي عقد في أوغندا في يونيو عام 2017 طالبت الدول الأعضاء مصر بإنهاء التجميد والعودة للمشاركة في الأنشطة، إلا أن مصر اشترطت لإنهاء التجميد حل النقاط الخلافية في “اتفاقية عنتيبي” غير المكتملة والتي وقعت عليها دول المنبع بشكل منفرد.

موقف مصري سوداني موحد

وبالرغم من مراواغات الموقف السوداني التي شهدتها مصر في عهد الرئيس السابق عمر البشير بشأن “سد النهضة” إلا أن مقاربات واضحة بين الموقفين المصري والسوداني بشأن الأزمة، حاليا، وقد تجلت في الاجتماعات الأخيرة بين وزراء المياه لكل من مصر والسودان وإثيوبيا.

فقد أعلنت السودان عدم قبولها ملء خزان “سد النهضة” بشكل منفرد من إثيوبيا إلا بعد توقيع اتفاق مع مصر وإثيوبيا. وفي ذات السياق قال وزير الرى والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، في مؤتمر صحفى، أمس الأول، إن سد الروصيرص يبعد حوالى 100 كيلومتر عن سد النهضة، مشيرا إلى أن بحيرة سد الروصيرص تمتد إلى الحدود السودانية- الإثيوبية، وتبعد 15 كيلومترًا من سد النهضة، ولفت إلى أن السعة التخزينية لسد النهضة 74 مليار متر مكعب، وهى تساوى 10 أضعاف السعة التخزينية لسد الروصيرص، وأكد: «ما لم يتم التنسيق، فإن هنالك مخاطرة في تشغيل سد الروصيرص»، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السودانية «سونا»، وأكد الوزير موافقة السودان على إنشاء سد النهضة باعتباره مبدأً أساسيا في القانون الدولى للاستخدام «المنصف والمعقول» من غير إحداث أثر ذى شأن، منوها بمواصلة السودان في التفاوض بنفس المبدأ، وجدد التزام الحكومة بمراعاة مصلحة السودان في جميع مراحل مفاوضات سد النهضة التي لا تتعارض مع مصلحة مصر وإثيوبيا.

حلول ومراواغات

بالرغم من تمسك مصر بالنهج الدبلوماسي وحرصها على التفاوض مع الجانب الإثيوبي وإقرارها بحق إثيوبيا في إقامتها السد لتحقيق التنمية المطلوبة بما لا يؤثر على حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، إلا أن الجانب الإثيوبي يظهر في كل مرة مراوغته وعدم حسن النوايا والمضي قدما بشكل في تنفيذ السد وإجراءات الملء بشكل منفرد، وهو ما تعترض عليه مصر، حيث أكدت على ضرورة التزام إثيوبيا بالنواحي الفنية لعمليات التشغيل للسد وملء الخزان، وإثباتا لحسن النوايا وقعت على اتفاقية المبادئ في العاصمة السودانية الخرطوم في 23 مارس عام 2015.

واستمرارا لرغبة مصر في التوصل إلى حل مرضٍ لكل الأطراف قبلت بالوسيط الأمريكي الذي استضاف مفاوضات واشنطن، وفي الجولة الأخيرة لم يحضر الطرف الإثيوبي بعد الاتفاق على حوالي 90% من النقاط الخلافية بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا.

“سد النهضة” أصبح قضيىة شائكة في ظل تخوفات خبراء المياه الذين أنذروا بتوقعات حدوث الفقر أو الشح المائي في منطقة الشرق الأوسط والتي ستؤدي إلى إشعال صراعات عديدة بين دول المنطقة، وربما تكون أزمة “سد النهضة” هي واحدة من تلك الصراعات التي تبحث عن حلول قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

ومنتظر في الأيام المقبلة تدخل المجتمع الدولي ومؤسساته لإيجاد مخرج عادل يعود بالنفع على جميع أطراف الأزمة.

رابط مختصر
2021-03-19
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر