ليبيا.. وموعد مع الدولة

آخر تحديث : الأحد 26 سبتمبر 2021 - 11:26 صباحًا
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

يبحث الجميع عن الاستقرار الذي تنعم به ليبيا نتاجا لما تسفر عنه الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 من شهر ديسمبر المقبل، تلك الانتخابات التي يترقبها العالم ويتوق إليها كل ليبي لإعادة بناء الدولة وهيكلة مؤسساتها لتصبح دولة حقيقية يعم خيرها على أبنائها بعد 10 سنوات من النهب وسرقة ثرواتها من قوى الخارج وعملاء الداخل، كما الحال في كل الدول التي شهدت ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي” في العام 2011.

وكما هو معروف من أن ليبيا أصبحت دولة مستباحة بعد سقوط ومقتل الزعيم الراحل معمر القذافي من قبل قوى الغرب والتنظيمات الإرهابية التي لاقت ملاذا آمنا وثروات طائلة في البلد النفطي الكبير، ولم يكن مخططا لها من تلك التنظيمات والقوى الاستقرار، بل عمل الجميع أن يتم تصدير الإرهاب والأسلحة من ليبيا وتصبح مركز تهديد للمنطقة ودول الجوار وبالأخص مصر.

ولكن ومع العزيمة الوطنية المخلصة يأتي المشير خليفة حفتر ليعيد بناء الجيش الوطني الليبي وينجح في تطهير شرق ليبيا من العصابات والتنظيمات الإرهابية، لتصبح بنغازي وجاراتها في الشرق الليبي أول منطقة تنعم بالأمان، على عكس طرابلس والمنطقة الغربية التي كانت تحت سيطرة الجماعات والميليشيات المسلحة.

واليوم، والليبيين ينتظرون الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل لإجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا، لتتحدد معالم الدولة ولتنتهي حالة الفوضى السياسية والأمنية التي قضت على استقرار البلد لعقد كامل من الزمن، يحبس الجميع أنفاسه خشية أن تسير الأمور على عكس الأهواء.

فبعد أن أصدر مجلس النواب قانون الانتخابات الرئاسية وبدء المشير خليفة حفتر في الاستعداد للترشح، وقد سادت حالة من الخوف لدى فلول التنظيمات الإرهابية وفي القلب منهم جماعة الإخوان.

فقد علق “حفتر” مهامه كقائد للجيش الليبي لمدة ثلاثة أشهر، مكلفا رئيس الأركان الفريق عبد الرزاق الناظوري للقيام بمهام عمله تمهيدا لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، ليعود “حفتر” إلى منصبه مرة أخرى في حال لم يوفق في انتخابات الرئاسة طبقا لما ينص عليه قانون الانتخابات الرئاسية الذي أقره البرلمان.

وفي أول رد فعل على ترشح “حفتر” من الداخل الليبي كان رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري (إخواني الاتجاه)، حيث رفض ترشح “حفتر” في مقابلة مع تليفزيون “فرنسا 24” قائلا: “لن نسمح بترشح حفتر، وهو عسكري ولا يجوز له الدخول في العمل السياسي طبقا للقانون الليبي”.

لم يتضح بعد مشهد الانتخابات الرئاسية في ليبيا، ومن المؤكد أن المنافسة ستكون صعبة وأن كل التيارات ستدفع بمرشحيها للحفاظ على المكاسب الخاصة لكل فصيل في دولة الثروة النفطية. ولكن تبقى الحالة الوطنية حاضرة في ترشح المشير خليفة حفتر، فله تجربة ناجحة في الشرق في استعادته من يد الميليشيات المسلحة، وامتدت تلك التجربة إلى الغرب وحين كان على وشك الدخول إلى العاصمة طرابلس والسيطرة عليها في معركة استمرت 14 شهرا، كان الدعم التركي والمرتزقة الأجانب وراء التقهقر والعودة إلى خط سرت ووقف إطلاق النار.

وقد يحلو للبعض إبراز كراهية الغرب الليبي لـ”حفتر” على خلفية معارك طرابلس، وهو تسويق إخواني بامتياز ومعه الميليشيات المسلحة؛ للحفاظ على تواجدهم الذي سينتهي بقدوم “حفتر” رئيسا.

ولكن كما هو معلوم أن كل القبائل الليبية في جميع أنحاء البلاد (المؤيدين لفكرة بناء الدولة) في تأييد تام للمشير حفتر، وقد شهدت مصر أكثر من مؤتمر داعم لحفتر، طالبين من القيادة المصرية مواصلة الدعم للمشير والجيش الليبي حتى الانتهاء من إعادة بناء الدولة وتشكيل كافة مؤسساتها. وقدمت مصر الدعم اللازم للشقيقة ليبيا تلبية لمطالب القبائل وشيوخها، وبما يحفظ أمنها القومي من الجهة الغربية مع الشقيقة ليبيا والذي كان يعمل على تهديده جماعات تابعة للتنظيم الإخواني والميليشيات المسلحة.

الأخطر في المشهد الليبي هو البدء في إعداد سيناريوهات الرفض لنتيجة الانتخابات والادعاء بتزويرها للعودة إلى دوامة الفوضى والاستمرار في حالة “اللا دولة” و”اللا استقرار”.. وهو ما بدأه إعلان خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة برفض ترشح “حفتر” والإعداد لحملة مناهضة ترشحه. وفي نفس الاتجاه جاء قرار مجلس النواب بسحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة ليخلق نفس حالة الفوضى، حيث دعا “الدبيبة” إلى تظاهرات رافضة لسحب الثقة، وبالفعل تظاهرت جماهير طرابلس منتفضة في وجه قرار مجلس النواب، وبالفعل كان قرارا خاطئا؛ فحكومة الدبيبة ليست إلا حكومة تصريف أعمال لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

ومن نيويورك وخلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي إلى مؤتمر لدعم ليبيا وانتخابات الرئاسة والحفاظ على الجدول الزمني لها من قبل المجتمع الدولي، وهو ما أيدته كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا مبدين استضافتهم لهذا المؤتمر، إلا أن خبراء رأوا أن انعقاد مثل هذا المؤتمر من الممكن أن يكون بابا خلفيا لظهور خلافات جديدة يترتب عليها تأجيل الانتخابات لموعد آخر. وهذه الرؤية لها وجاهتها، فالداخل الليبي لا يرى حاجة لمؤتمرات دولية جديدة، فهي مضيعة للوقت، والأفضل هو عقد الانتخابات الرئاسية في موعدها.

ويبقى تساؤل غاية في الأهمية: كيف ستتم الانتخابات الرئاسية بشكل آمن دون تأثير في وجود القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب؟!.. وهل يسمح الوقت بإخراج تلك القوات؟.. إن هذا المطلب أكده رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبا المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وهو ما تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن من ينفذ؟! إن الخوف الراهن ممن يرمي القلاقل في الطريق لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية واكتمال أركان الدولة وبنيتها المؤسسية؛ ويجعل من ليبيا بؤرة لتصدير الإرهاب مرة أخرى لتهديد المنطقة ودول الجوار.

رابط مختصر
2021-09-26 2021-09-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر