>> تفاؤل أممي بإمكانية التقدم في مسار السلام خاصة بعد توقف الهجمات المتبادلة بين أمريكا والحوثيين
>> مبعوثو الأمم المتحدة منذ الحرب في 2015 لم ينجحوا في أي تسوية شاملة حتى الآن
>> مراقبون: تأخر السلام يرجع إلى غياب الحزم الدولي وتعنت الحوثيين في تقديم أي تنازلات
تتواصل الجهود الأممية والدولية لدفع عملية السلام في اليمن وسط تحديات متعددة يعاني منها البلد المصنف من بين أفقر بلدان العالم، جراء تداعيات الحرب بين قوات الحكومة المعترف بها دوليا المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة، وجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران من جهة أخرى.
يأتي ذلك وسط تفاؤل أممي بإمكانية التقدم في مسار السلام باليمن، خصوصا مع توقف الهجمات المتبادلة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي.
ومؤخرا، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس جروندبرج أن هناك مسارا عمليا ملائما أمام أطراف النزاع للسير فيه نحو سلام تفاوضي وشامل في البلاد.
وجاء حديث جروندبرج في بيان أصدره عقب اجتماعات مكثفة عقدها في العاصمة السعودية الرياض، التقى خلالها بوزير الخارجية اليمني شائع الزنداني، وسفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، وسفير الإمارات محمد الزعابي، إضافة إل ى عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي.
وفي بيانه، اعتبر جروندبرج أن “إعلان وقف الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وأنصار الله (الحوثيين) في السادس من مايو 2025 لا يُعد مجرد فرصة لخفض التصعيد في البحر الأحمر فحسب، بل يتيح المجال أيضا للأطراف للوفاء بالتزاماتها السابقة بشأن وقف إطلاق نار شامل، واتخاذ تدابير اقتصادية، والمضي قدما في عملية سياسية.”
وكان المبعوث الأممي قد أعلن في ديسمبر 2023، التزام الحكومة اليمنية والحوثيين بحزمة تدابير ضمن “خارطة طريق” تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين. لكن هذا المسار تجمد بفعل دخول الحوثيين في صراع مع إسرائيل وشن هجمات ضدها وضد العديد من السفن في البحر الأحمر، مما أدى إلى خلق تعقيدات كبيرة في تطبيق خارطة السلام باليمن. وتقول الجماعة إنها استهدفت في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي السفن الإسرائيلية أو التي تنوي الوصول إلى إسرائيل وذلك “نصرة لغزة”، بينها أمريكية وبريطانية، بينما تشدد العديد من الدول على أن هجمات الحوثي هددت الملاحة الدولية وأضرت بالاقتصاد العالمي.
ومع عودة الهدوء إلى البحر الأحمر، ثمة من يرى أن هناك مسارا عمليا ملائما لتحقيق السلام كما أكد المبعوث الأممي، بينما يعتقد آخرون بأن الوضع في اليمن ما زال محاطا بتعقيدات كبيرة. وبحسب تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية، يرى المحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي أن منذ اندلاع الحرب تعاقب على الملف اليمني أربعة مبعوثين أمميين دون أن ينجح أي منهم في تحقيق اختراق حقيقي باتجاه تسوية شاملة.
كما يرى أن المبعوث الأممي يكرر في كل زيارة إقليمية أو إحاطة يقدمها لمجلس الأمن أن هناك فرصا لتحقيق السلام في اليمن، دون توضيح الفرص التي يشير إليها. وأضاف “الفاتكي”، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أن الفشل في تحقيق السلام يرجع إلى غياب الحزم الدولي في التعامل مع الطرف المعرقل لعملية السلام.
وهو جماعة الحوثيين التي ما زالت ترفض تقديم أي تنازلات، رغم الانفتاح الكبير الذي أبدته الحكومة الشرعية، واستعدادها للدخول في تسويات مبنية على المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وشدد على أن استمرار المجتمع الدولي والمبعوث الأممي في التهاون مع جماعة الحوثيين، وعدم اتخاذ خطوات رادعة لوقف العراقيل التي تضعها في وجه كل مسار سياسي أو إنساني، يضعف أي مسعى نحو السلام، ويعزز منطق الإفلات من العقاب. وتابع “اليمنيون يتوقون للسلام، لكن الواقع يؤكد أن ما يسمى، بفرص السلام، مجرد وهم في ظل المعطيات الراهنة، فالحرب ما زالت قائمة، والمعاناة الإنسانية تتفاقم، والاقتصاد ينهار، والمجتمع الدولي لا يزال عاجزا عن تحريك الملف اليمني خارج دائرة التجميد”.
وأردف “الفاتكي”: إذا كانت هناك نية حقيقية لتحقيق السلام، فإن الطريق يبدأ بإلزام جماعة الحوثيين بالدخول في مفاوضات جادة تستند إلى المرجعيات الوطنية، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للدولة، والقبول بالتحول إلى حزب سياسي يعمل ضمن القانون والدستور اليمني، لا كقوة مسلحة موازية للدولة.”
وحول مستقبل الوضع اليمني يقول “الفاتكي”: إذا استمر التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية، ومع تعقد المفاوضات الإيرانية – الأميركية، فإن الوضع قد يتجه نحو تصعيد عسكري إقليمي، خاصة إذا تلقت إيران ضربات عسكرية ستنعكس لا محالة على ذراعها في اليمن”.
ويعتقد المحلل اليمني بأن فشل المفاوضات السياسية قد يدفع المجتمع الدولي في نهاية المطاف إلى دعم حقيقي وفعال للحكومة الشرعية لاستعادة ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبالتالي إنهاء حالة الجمود التي يدفع ثمنها المواطن اليمني على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية. ورغم استمرار حالة التهدئة العسكرية بين القوات الحكومية والحوثيين منذ أبريل 2022، فإن انعدام الثقة بين الجانبين يعقّد جهود تحقيق السلام.
ويبدو أن الهدوء في البحر الأحمر، رغم أهميته كنافذة لخفض التصعيد الإقليمي، لا ينعكس فعليا على الداخل اليمني المتخم بتعقيدات سياسية وأمنية واجتماعية. فالمعطيات الميدانية تشير إلى استمرار منطق القوة وغياب التنازلات، ما يُبقي جهود السلام رهينة الحسابات الدولية وصراع النفوذ، في وقت يتصاعد فيه الثمن الإنساني والاقتصادي الذي يدفعه اليمنيون يوميا. وبغياب ضغط دولي حاسم وإلزامي، تبقى أي تسوية محتملة هشّة وقابلة للانهيار عند أول اختبار.