سرقة الحلم بإسم الثورة

26 أكتوبر 2025آخر تحديث :
د. وجدي صادق
د. وجدي صادق

بقلم: د. وجدي صادق

كم من مرةٍ تُفتح فيك أبواب الأمل على مصاريعها، فيندسّ خلفها تجّار الشعارات، وسماسرة “الوجع الشعبي”، ليحوّلوا وجدان الناس إلى وقودٍ لمواقدهم الحزبية.

في 17 تشرين الأول، لم يكن الشارع شارع الناس كما صُوّر، بل كان مِسرحاً بإمتياز، تُدار كواليسه من السفارات الخارجية والإقليمة، وبعض مكاتب حزبية وعقائدية وسياسية أتقنت لعبة “تحريك الدمى” على الخشبة. خرجت الجماهير تهتف بإسم الوطن، فإذا بالهتافات تُترجم في أرشيف الزعامات والقادات والفعاليات السياسية بنداً في دفتر الحسابات الإنتخابية وغيرها من ذلك. يا للعجب.!!!

كيف إستطاعت تلك التنظيمات أن ترتدي ثوب “المدنية” وهي غارقة حتى النخاع في مذهبيتها وطائفيتها؟ كيف تحوّل “الحراك المدني” إلى غطاءٍ أنيقٍ لمشاريع حزبية قديمة بوجهٍ جديد؟ أليس من المفارقة أن “نواب التغيير” الذين وُلدوا من رحم ذلك الحراك، هم في الأصل أبناء تلك الأحزاب التي ثار الناس عليها؟ لقد أرادوا إسقاط النظام، فإذا بهم يُسقطون ما تبقّى من ثقة الناس بكل نظام. أرادوا “الحرية”، فإذا بالحرية تُختَزَل في شعارٍ ممزّق على جدار، أو في منشورٍ يتيمٍ على مواقع التواصل. أما “الإصلاح”، فصار كذبةً مكرورة يلوكها المتسلّقون حتى البِلى. أما الدستور والقوانين، فصارت ورقاً يُرمى متى ما أصطدم بمصلحة حزبية أو حسابات زعامية.

الوطن؟ أصبح حلبة صراعٍ تُقتسم فيها الغنائم. والمواطن؟ مجرّد رقمٍ في تظاهرةٍ تُدار عن بُعد، يُستَخدَم ساعة الحاجة ويُرمى عند إنتهاء العرض…. آه يا بلد… كم من مرةٍ ظنّوك نائماً فسرقوا أحلامك، وكم من مرةٍ أيقظوك لتصفّق لإنتصارهم عليك. إنها لعبة الشارع، لعبةٌ أجادوها حتى الإتقان، ليبقى الوطن ملعبهم الخاص، والدستور متفرّجاً أخرس على مدرّجات الخراب…. آه يا بلد.

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

الاخبار العاجلة