
بقلم: وجدي صادق
في سطور التاريخ، لا تمرّ الزيارات الرئاسية عبثاً، ولا تُفتح أبواب البيت الأبيض إلّا لمن رسمت له واشنطن ملامح الدور ومواقع الخطى. واليوم، حين يكون الشرع أول رئيس سوري يدخل البيت الأبيض، فإنّ الدلالات تتجاوز البروتوكول والمصافحات، لتصل إلى عمق السؤال الوطني: أهو إنفتاحٌ سياسي مشروع، أم تتويجٌ لدورٍ صُنع في أروقة المخابر الصهيونية؟.
منذ أن لامس الشرع أعتاب تلك دار البيضاء، بدا المشهد كأنه لحظة إعتراف أمريكي بولادة نسخة جديدة من “القيادة السورية”، نسخة منقّحة بمقاييس الغرب، مطبوعة بختم المصالح الأمريكية والإسرائيلية معاً. لم يكن الحدث عادياً، ولا التوقيت بريئاً، فكل خطوة محسوبة، وكل لقاءٍ يحمل في طيّاته رسائل تتجاوز حدود المجاملة إلى حدود التبعية…. وهنا، لا يمكن تجاهل ما قالته “غولدا مئير” يوماً بجرأة ووقاحة.
“سيأتي يومٌ يحكم فيه أحد أبناء إسرائيل بلاد الشام.” كانت تلك نبوءةً سياسية مغلفة بالدهاء، وها نحن اليوم نرى أطيافها تتحرك بين الواقع والرمز. فالشرع الذي عبر عتبة البيت الأبيض لم يكن فقط ضيفاً، بل شاهداً على مرحلةٍ جديدة من التطويع السياسي، وربما بوابةً لمشروع أكبر يُراد له أن يتسلّل إلى هوية الأمة ومصيرها.
إنّ ما يجري ليس مصادفةً، بل مخططٌ محبوك بخيوطٍ خفية تمتد من “تل أبيب” إلى “واشنطن”، لتُغزل منها عباءةٌ يُراد لسوريا أن ترتديها. عباءةٌ من الحرير السياسي، لكنها مطرّزةٌ بخيوط الذلّ والإختراق. فمن يفتح باب البيت الأبيض، عليه أن يغلق أبواب الوطن أمام الأطماع. ومن يمدّ يده إلى من يزرع الفتنة في أرض العرب، إنما يكتب بيده فصلاً جديداً من التبعية. ويبقى السؤال المؤلم: هل صار بيت القرار السوري فرعاً صغيراً من البيت الأبيض؟ أم أنّنا أمام مشهد يعيدنا إلى مقولة صهيونية قديمة، تتلبّس اليوم وجهاً عربياً بلسان فصيح؟
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.
