المقاومــة الإسلاميــة فـي نيويـورك

منذ 5 ساعاتآخر تحديث :
جوزف الهاشم
جوزف الهاشم

بقلم: جوزف الهاشم

أنا مسلمٌ ، أنا اشتراكي ديمقراطي …

هذا ما أعلنه زهران ممداني عندما انتُخب عمـدةَ مدينـةِ نيويورك ، هي المدينة التي قصـفَ أبراجَها مسلمون في 11 أيلول 2001 ، تنتخـبُ مسلماً عمـدةً لها .

هذا العمدةُ المسلم الشيعي من أصول هنديـة * والمتزوجٌ بامـرأة سورية ، تحاربُـهُ كبرياتٌ الصحف ، ويخوضُ معركة ضـد الرئيس الأميركي ترامب … وينتصر.
ليس لأنه مسلم ، بل لأنـه مسلم إشتراكي ديمقراطي …

هل المسلم في أميركا ديمقراطي …؟

والمسلم في العالم العربي ديكتاتوري …؟

ملايين من الشعب الأميركي ينتخبون حاكماً مسلماً …

وملايين من الشعب العربي يموتون على أيدي حكام مسلمين …

ثلثُ الناخبين اليهود في المدينة انتخبوا المرشح المسلم ثـأراً لـدم الأبرياء المسلمين في قطاع غـزة .

ألعالم المتحضّر ، ينتصر للذبيح ، والعالم المتخلّف ينتصر للسيف الذي يذبح، ويُقيم حفلات الرقص حول الضحيّة على طريقة الهنود الحمر .

هل الإسلام الذي يوحيـهِ الله للنبي : “وما أرسلناك إلاّ رحمـةً للعالمين(1) “، هو الإسلام الذي يمارسهُ المسلمون : حكّاماً وأحكاماً وأحزاباً ومذاهب …؟

هل يقـرأ بعض الإسلام أن الديمقراطية في القرآن تتجلّى في أسمى معانيها في الآيـة : وقـلِ الحـقَّ من ربِّـكم فمَـنْ شاءَ فليؤمنْ ومَـنْ شـاءَ فليكفرْ …”(2)

وأنّ القرآن يدعو إلى الإصلاح بين فريقين متنازعين : “وإنْ طائفتنان من المؤمنين اقتُـتِلوا فأصلحوا بينهما …”(3)

وجاء في سورةِ المائدة : “لئـن بَسَطْتَ إليَّ يـدَكَ لتقتُلَني ، ما أنا بباسطٍ يـدي إليك لأقتلك ، إني أخافُ ربَّ العالمين …”(4)

هذه هي الديمقراطية الإسلامية التي ينادي بها عمـدة نيويورك ، لأن الأديان عندما تتحـوّل إلى إيديولوجية تـنتفي كرسالة ، وتقطَعَُ صِلتَها وارتباطَها بالله ، وليس مطلوباً أنْ نجعل من الأوطان أوطاناً للآلهـة ، فالآلهةُ ليست في حاجة إلى أوطان .

إنّ زهران ممداني الإشتراكي الديمقراطي المسلم ، استطاع أن يتخطىّ هويـة الدين والعـرق ، وأن يحـرّك الشعور المكبوت لدى اليروليتاريا الأميركية ، وأن يقود انقلاباً يلـجّ في نفوس الأجيال الصاعدة ، ضـدّ مسلكية الموت والعنف والفساد والفقر ، في زمـنٍ يشهد صراعاً دموياً بين حرب السلاح وحرب الخبـز .

هناك من يجزم بأنَّ ما ساهم في فـوز زهران ، هو تنديُدهُ بما يعتبـره “إبادة جماعية في غـزة ، وقد تعهّـد بأن يقبض على نتنياهو إنْ هو زارَ نيويروك لينفّـذ فيه الحكم الذي صـدر عن محكمة العـدل الدولية” .

هذا يعني ، أن حقوق الإنسان إنْ هيَ سقطَتْ من أرْوِقَـةِ الأمم المتحدة ، فهي لا تـزال حيَّـةً في ضمير أجيال الأمم ، وهذا يُظهرُ الفارقَ المخيف بين مواطنٍ في الدول الديمقراطية يتمتّع بحريـة التعبير ، ومواطن في الدول الديكتاتورية الذي يفكّـر عنه النظام .

لو أنّ بلداً من بلدان العالم في الغرب قد تعرّض شعبُـهُ لمأساة إنسانية كمثل ما حصل في غـزة ، هل كانت الجماعات العربية تتظاهر دعماً لحـق شعبٍ أجنبي مضطهد …؟

وهل كان طلاب الجامعات العربية يواجهون بشراسة قرارات حكومتهم مثلما هـبَّ طلابُ الجامعات في فرنسا وإنكلترا وأميركا وإسبانيا وغيرها دفاعاً عن شعب فلسطين …؟ حتى أن السيد الشهيد حسن نصرالله قال : “إنّ تحـرّك الطلاب في الجامعات الأميركية والغربية يشكل جـزءاً من الموقف الأخلاقي الشريف ضـد الجرائم الإسرائيلية في غـزة …”

العالم المتطور يسمو في حضارته إلى محاكاة الله في شتى أديانه ، فكان أيضاً “صادق خان” المسلم عمـدةَ مدينة لندن ، والعالم العربي ، يتقهقر ألف عـام إلى الوراء في محاكاة أبي العلاء المعرّي في قوله :

في اللاّذقيةِ ضـجَّـةٌ ما بينَ أحمدَ والمسيحْ
هذا بناقوسٍ يـدقُّ وذا بـمئذنـةٍ يصيـحْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تجدر الإشارة إلى أن إيران كانت تهتّم برعاية الجماعة الشيعية في الهند ، وأذكر أنني دُعيتُ إلى إلقاء محاضرة في نيودلهي بتاريخ 28 نيسان 1995 بعنوان: “نهج البلاغة ووحدة الأديان “برعاية السيد هاشمي رفسنجاني ، إلى جانب محاضر لبناني آخر هو الأديب سليمان كتّاني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الأنبياء : 107 2 ـ سورة الكهف 29 3 ـ سورة الحجرات : 9 4 ـ المائدة : 20 .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

الاخبار العاجلة