
بقلم: د. وجدي صادق
هل يُعقل أن يُسحب من السائق رخصة القيادة عند 70 عاماً خوفاً على أرواح الناس، بينما يُمنح النائب رخصة قيادة وطن حتى بعد أن ينسى أين وضع نظارته؟ يا للعجب..!!! في لبنان، يُحاسَب المواطن إن أضاع إشارة مرور، ولا يُحاسَب النائب إن أضاع البلاد كلّها في زحمة المصالح..! من سنّ الـ 21. إلى ما بعد الـ 64. مَجْزرةٌ عمرية تُسمّى “البرلمان”. كراسي لا تعرف التقاعد، وجوه حفظها الشعب كما يحفظ جدول الضرب، تبدّل الوزراء، وتغيّر العهود، وهم باقون كلوحاتٍ عتيقةٍ في متحف السياسة.
يُمنع سائق من قيادة سيارة لأنه لم يعد يتمتع بصفاء الذهن، لكن يُسمح لنائب في الثمانين، والتسعين يقود الوطن ..! أين المنطق؟ هل البلاد أقلّ خطراً من الطريق العام؟ وهل مصير الأجيال أخفّ وطأة من عجلة القيادة؟ إنهم يشرّعون لأنفسهم البقاء كما يشربون فنجان القهوة؛ عادةً يومية لا تنتهي.
يتشبّثون بالمناصب كما يتشبّث الغريق بخشبة في بحر الفساد، ويحسبون أن الكرسيّ ميراثٌ أبديّ لا يُورّث إلا لمن “يتكرّم عليه تياره السياسي والحزبي، أو الزعيم، ورئيس كتلة المحدلية الحادلة الطاحنة…. البرلمان مؤسسة، أم مأوى؟ دولة، أم دار مسنين سياسيين؟
ما معنى أن يُحال المعلّم والقاضي والمهندس والموظف والجندي إلى التقاعد، بينما يُسمح للنائب أن “يشرّع” وهو بالكاد يسمع الجلسة أو يميّز التصويت من التصفيق؟…. يا سادة، الدستور اللبناني لم يُكتب بحبر العدالة بل بحبر الوصاية، ولا يزال يعيش في حقبة العثماني، كأننا لم نخرج بعد من قبو السلطنة. دستورٌ تخطّاه الزمن، لكنّهم يحمونه كما يُحمى الأثر التاريخي في المتحف، مع أن الأوطان لا تُبنى بالتحنيط، بل بالتحديث.
كفى عبثاً.. نريد وطناً تُقاس فيه الكفاءة لا بالرتب ولا بالعُمر ولا بذكريات الحرب. نريد مجلساً يُشبه الشارع لا القبور المفتوحة على الميكروفونات.
نريد شباباً يشرّعون لمستقبلهم، لا شيوخاً يكتبون قوانين لماضيهم. فلتُقرّوا سنّ تقاعد للبرلمان، ولتنزعوا رخص القيادة السياسية من كلّ من تجاوز حدود الوعي..!!
الوطن لا يُقاد بالذاكرة الضعيفة… ولا يُنهض بعصا الشيخوخة..!!.. فليعلموا أن البرلمان ليس مقهى المتقاعدين، ولا مقعد إنتظار إلى بوابة الخلود!.
كفى “تلميعاً” لتجاعيد السياسة وكأنها خبرة، وكفى تبريراً للشيخوخة وكأنها حكمة. من تعب فليسترح، ومن شاخ فليترك المقعد لمن لا يزال يرى الوطن بعينين لا بنظارات مكبّرة.! فالوطن يا سادة لا يحتاج إلى “نوّاب أبدية”… بل إلى عقولٍ حديثة… تقود لا تُقاد، وتُشرّع قبل أن تُشرّحها الشيخوخة..!
*كاتب المقال: إعلامي لبناني.
