
بقلم: أميرة جاد الله
خلال الساعات القليلة الماضية، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين رفيعي المستوى تأكيدهم أن إسرائيل تهدف إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي الحالي.
وهنا يبرز السؤال: هل تستطيع إسرائيل حقاً تحقيق هذا الهدف؟
في تقديري، يُستبعد أن تتمكن إسرائيل من إسقاط النظام الإيراني عبر مواجهة عسكرية مباشرة، غير أنها قد تعمل على خلق الظروف المواتية لزعزعة الاستقرار الداخلي في إيران، على غرار ما حدث في مواجهة يونيو الماضي، لكن بجرأة أكبر وتيرة أسرع. وسيكون ذلك عبر تقويض الأمن الوطني وزعزعة السلم الأهلي، أملاً في تمكين الشعب الإيراني من التعجيل بتغيير النظام الحالي.
ورغم أن الإطاحة بالنظام الإيراني لم تكن هدفاً مُعلناً خلال تلك المواجهة، إلا أن التصعيد الإسرائيلي آنذاك كان يرمو إلى ذلك بشكل ضمني، وكان واضحاً أن أهدافه تتجاوز مسألة البرنامج النووي فحسب.
ويدلل على ذلك أنه إلى جانب الضربات الجوية التي استهدفت المنشآت العسكرية ومراكز تخصيب اليورانيوم وبرنامج الصواريخ الباليستية، شملت الهجمات استهدافاً لمسؤولين إيرانيين، وكذلك سجن “إيفين” في طهران، حيث تم قصف بوابته الرئيسية في خطوة يُعتقد أنها هدفت إلى إتاحة فرصة هروب السجناء السياسيين المعارضين للنظام. كما استهدفت الضربات قوات “الباسيج” التي تُعد من وجهة النظر الإسرائيلية أداة القمع الداخلي، إضافة إلى مقار قيادية تابعة لاستخبارات الحرس الثوري، وهو ما قد تستمِد منه إسرائيل فائدة في سياقها الحالي الساعي لإسقاط النظام.
ولم تتوقف الأدوات عند هذا الحد، فقد وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك دعوة صريحة للشعب الإيراني للثورة على حكومته، بل ولوّح علناً باحتمال اغتيال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام ذاتياً دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
ومن المعطيات التي تؤكد عدم قدرة إسرائيل على إسقاط نظام خامنئي، أن محاولاتها السابقة لزعزعة الأمن والاستقرار في إيران واجهت واقعاً يتميز بصلابة داخلية ملحوظة؛ فبرغم الانقسام التقليدي بين محافظين وإصلاحيين، أظهر المجتمع الإيراني تماسكاً ملحوظاً خلال التصعيد الأخير. إلى جانب ذلك، شرعت إيران في عملية إصلاح داخلي واسعة شملت إحلال قيادات شابة في مراكز صنع القرار.
كما تُشكّل المعادلات الدولية عاملاً حاسماً في هذا الصدد؛ فإيران تحظى بدعم دولي من قوى كبرى مثل روسيا والصين، اللتان تعدان طهران ركناً أساسياً في معادلة التوازن الاستراتيجي الدولي، وتقدمان لها دعماً لوجستياً وتقنياً مستمراً.
أما التوقيت الذي كشف عنه المسؤولون الإسرائيليون – وهو ما قبل نهاية ولاية ترامب – فيشير إلى عزم الجانب الإسرائيلي على التخلص من التهديد الإيراني مستنداً في ذلك إلى الدعم السياسي والعسكري الأمريكي في هذه المرحلة. لكن هذا التوقيت لا يضمن النجاح، نظراً للأسباب السابقة المرتبطة بالوضع الداخلي الإيراني والاعتبارات الجيوسياسية الدولية.
جولة مواجهة جديدة غير مستبعدة
إذا ما نظرنا إلى معطيات الوضع الراهن، نجد أن كافة الظروف مهيأة لاندلاع جولة جديدة من المواجهات بين إسرائيل وإيران، وذلك للأسباب التالية:
١. استمرار عنصر التهديد النووي:
لا تزال إسرائيل تشعر بتهديد وجودي بسبب الغموض الذي يحيط بمخزون إيران من اليورانيوم المخصب، خاصة أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية خلال مواجهة يونيو أحدثت أضراراً أقل من المتوقع في المنشآت النووية. فضلاً عن ذلك، كشفت تقارير أمريكية عن قيام إيران بإنشاء مركز جديد للتخصيب داخل جبل “بيكاكس” قرب موقع نطنز، مع منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إليه.
٢. جمود المفاوضات النووية:
توقفت المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن منذ أشهر دون أي تقدم ملموس، فيما تشهد العلاقات بين البلدين توتراً متصاعداً منذ الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، وعودة العقوبات الدولية على طهران بعد تفعيل “آلية الزناد” من قبل القوى الأوروبية. وقد أكد وزير الخارجية الإيراني أن عدم وجود “نية إيجابية أو نهج بنّاء” من الجانب الأمريكي يحول دون أي إمكانية لاستئناف المفاوضات حالياً.
٣. مؤشرات التصعيد العسكري:
تتسارع وتيرة تطوير إيران لقدراتها النووية والصاروخية، بينما تواصل إسرائيل تعزيز دفاعاتها استعداداً لأي مواجهة محتملة. وفي هذا الإطار، نقلت “نيويورك تايمز” عن علي فائز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن إيران تسعى لتطوير أنظمتها الباليستية لتصبح قادرة على “إطلاق ألفي صاروخ دفعة واحدة لإغراق الدفاعات الإسرائيلية”، بدلاً من إطلاق 500 صاروخ خلال 12 يوماً كما حدث في المواجهة السابقة.
هذه التحركات تكشف عن حالة توتر غير مسبوقة، حيث تؤكد التطورات العسكرية والاستعدادات الهجومية والدفاعية للطرفين أن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة حاسمة من المواجهة الاستراتيجية. لكن يبقى نجاح أي من الطرفين في تحقيق أهدافه مرهوناً – في المحصلة النهائية – بمدى استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي.
