من غدر بـ”صديق بن لادن”؟!!

آخر تحديث : الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 4:14 مساءً
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

جمال خاشقجي، صحفي سعودي بارز، نال شهرته منذ سنوات، ليس لأنه معارض لسياسات المملكة العربية السعودية، بل كانت المملكة ونظامها هي الأساس في شهرة الصحفي “المغدور به”؛ حيث عمل في بدايات حياته الصحفية مراسلا لعدد من الصحف السعودية والعربية ومن بينها صحيفة “سعودي جازيت”، كما تولى رئاسة تحرير واحدة من كبريات الصحف السعودية اليومية وهي صحيفة “الوطن” في عام 2004 وأقيل من منصبه بعد 52 يوما دون أسباب واضحة، ليتم تعيينه مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل، الذي تولّى منصب سفير المملكة في بريطانيا والولايات المتحدة.

وقد زادت شهرة “خاشقجي” بسبب تغطيته حرب أفغانستان والكويت وأحداث الجزائر والسودان ومنطقة الشرق الأوسط عموما في الفترة من 1991 إلى 1999.

كما عمل “خاشقجي” معلقا سياسيا في عدد من القنوات السعودية والعربية، أهمها: القناة السعودية المحلية ومحطتي “إم بي سي” و”بي بي سي” وقناة الجزيرة القطرية. وفي عام 2015، عين مديرا عاما لقناة “العرب” الإخبارية التي كان مقرها في المنامة، البحرين، والتي كان يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، ولكن سرعان ما أغلقت.

إذن بتدبر المقتطفات الموجزة السابقة عن رحلة “خاشقجي” والبحث في سيرته يتأكد وفاؤه للدولة السعودية وتأييده المطلق لسياساتها.

ولكن في أواخر حياته انقلب “خاشقجي”، فجأة، وانضم لمعسكر المعارضة للمملكة السعودية وشن هجوما لاذعا لسياساتها، وزاد من الأمر بعد انتقاله للعيش في العاصمة الأمريكية “واشنطن” منذ سبتمبر 2017، وقد فتحت صحيفة “واشنطن بوست” صفحاتها للكاتب السعودي ليكتب عمودا منتظما بها يصب فيه جم غضبه على المملكة وقياداتها، داعيا لإصلاحات وحدوث عملية ديمقراطية في الدولة السعودية.. وقد بدأ “خاشقجي” أول مقالاته في “واشنطن بوست” بمقال حمل عنوان “السعودية لم تكن قمعية إلى هذا الحد.. حاليا غير محتملة”.

كما تحدث “خاشقجي” عن كواليس تمت في عمليات سياسية داخل المملكة وخصوصا بحق الحملة التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – في إطار ما عرف بمحاربة الفساد في المملكة – وطالت عددا من المسؤولين ورجال أعمال ومثقفين، وللمرة الأولى ضمت تلك الحملة عددا من الأسرة المالكة كان أشهرهم الملياردير الشهير الوليد بن طلال (ابن عم ولي العهد).

والمتابع لسيرة الصحفي السعودي الراحل “جمال خاشقجي” سيتوقف عند واحد من أهم محطات حياته وهي تلك التي بزغت فيها علاقته بزعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي الراحل “أسامة بن لادن”، فـ”خاشقجي” كان أول من أجرى مقابلات خاصة مع “بن لادن” قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر2001، وأول من التقط صورة لأسامة بن لادن في أفغانستان.. وفي حوار سابق مع صحيفة “الجزيرة” السعودية، قال “خاشقجي: “نعم كنت صديقا لأسامة بن لادن”.

وفي يناير 2015، أعرب عن استعداده استضافة زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي وإجراء حوار معه في قناة “العرب” التي كان يمتلكها الأمير الوليد بن طلال والتي سرعان ما أُغلقت بدون سبب واضح.

وباستمرار البحث والتنقيب في حياة “الراحل” سنرى أن من محطاته الشهيرة أيضا الهجوم اللاذع على مصر وقيادتها والتحريض عليها، وأن ما عرف بـ”الربيع العربي” لم ينته بعد وأن الأمل لديه باقٍ في استمرار هذا الربيع على أيدي شبابه، كما عرف عنه اتجاهه الفكري وتأييده لتنظيم “الإخوان المسلمون” المعادي لمصر وسياسات قياداتها.

اليوم، أصبح “خاشقجي” هو أشهر شخصية في العالم الذي لم تتوقف شعوبه ثانية واحدة عن الحديث عنه وفتح سجالات متعددة حول قضية مقتله بعد دخوله القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية يوم 2 أكتوبر الجاري لإنهاء معاملات خاصة به ليتزوج من امرأة تركية تدعى خديجة جنكيز، ولتؤكد السعودية في بادئ الأمر أنه خرج فور انتهاء إجراءاته، إلا أن تركيا أكدت عدم خروجه من القنصلية مستندة على ما سجلته كاميرات المراقبة في الشوارع المحيطة بالقنصلية في اسطنبول والتي سجلت لحظة دخول “خاشقجي” إلى مقر القنصلية وموعدها إلا أن الكاميرات لم ترصد لحظة خروجه.

وزاد من الأمر الرواية التركية التي هددت بها السعودية بأن “خاشقجي” تم قتله داخل القنصلية على أيدي 15مسؤولا سعوديا (بينهم خبير في الطب الشرعي وآخر في الأدلة الجنائية) وصلوا في نفس اليوم وبالتزامن مع تواجد “خاشقجي” داخل القنصلية، حيث جاء المسؤولين على متن طائرتين خاصتين لمطار اسطنبول، وأكدت تركيا أن لديها تسجيلات بالصوت والصورة لما دار داخل القنصلية وأن “خاشقجي” تعرض للتعذيب قبل قتله، وأنه تم تقطيع رأسه وأوصاله بواسطة منشار عظام؛ وهذا يعني أن اختراقا تركيا حدث للقنصلية ليتم التجسس على مجريات الواقعة.

ينقلب العالم بعد الرواية التركية لتتدخل أمريكا ويشن رئيسها “ترامب” جملة من تصريحات مهاجما فيها السعودية ومطالبا بالكشف عن حقيقة مقتل الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، ومع مرور عدة ساعات يعود “ترامب” ليهدئ من وتيرته ويطلق تصريحات أخرى يعلن فيها اطمئنانه إلى ما أعلنته السعودية عن لسان ولي العهد بأن “خاشقجي” قد غادر القنصلية، وأن المملكة تحقق في الأمر وستتعاون مع تركيا. وتتصاعد حملة الهجوم والضغط على السعودية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومطالبتها بالإجابة عن تفاصيل مقتل “خاشقجي”.

وبعد مرور 18 يوما تأتي المفاجأة من المملكة ذاتها لتعلن مقتل “خاشقجي”، وفق بيان رسمي أصدره النائب العام السعودي، إثر شجار مع 18 مسؤولا سعوديا في قنصلية المملكة باسطنبول، ويصدر الملك سلمان قرارات ملكية بالتحقيق مع المتهمين لإجلاء الحقيقة، كما أقال عددا من المسؤولين في جهاز الاستخبارات السعودية أهمهم نائب رئيس الجهاز الفريق أحمد عسيري وكذلك المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، كما أمر بتشكيل لجنة برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات. بعد الإجراءات السعودية الأخيرة تتجه الأمور إما إلى التعقيد وإما الوصول إلى الحقيقة والانتهاء من التحقيقات معرفة الجاني لينال عقابه.

فالجميع اتفق على أن السعودية أقرت بوقوع الجريمة في قنصليتها، ولكن هذا لا يعني أنها بالضرورة المخطط والمنفذ، فلا يوجد جهاز مخابرات في العالم ينفذ جريمة تخلص من أحد المعارضين أو المطلوبين بهذه السذاجة وعلى أرضه، علاوة على أن جهاز المخابرات السعودي معروف عنه أداء مهامه لحفظ واستقرار أمن المملكة كأي جهاز مخابرات آخر يعمل من أجل مصلحة بلاده.

ولكن من يفكر في بداية الأمر سيرى أن القصة كلها تعود لاستدراج “خاشقجي” من واشنطن إلى اسطنبول، حيث كان من الممكن أن ينهي إجراءاته من سفارة بلاده في واشنطن، فبالرغم من أن الواقعة في ظاهرها تتمتع بمنتهى الغباء في التخطيط والتنفيذ وفي النتائج، إلا أنه بالتفكير قليلا في الجهة المقابلة سنرى أنها أيضا تتمتع بمنتهى الذكاء؛ لأن الهدف من المخططين للجريمة (وهم غير سعوديين بالطبع) أن يتم تنفيذها بأيدٍ سعودية وفي عقر دارهم، وأن تكون جريمة في منتهى البشاعة والتجرد من كل معاني الإنسانية لتجذب تعاطف الرأي العام العالمي، حتى وإن كانوا يختلفون مع “خاشقجي” وهو ما حدث فعلا.

إذن الجريمة وراءها أجهزة ودول أرادت النيل من المملكة العربية السعودية لابتزازها والدخول معها في مفاوضات ومقايضات يغتنمون من ورائها طائلا من مليارات الدولارات، وليس أدل على ذلك تلويح تركيا بفيديوهات ارتكاب الجريمة وما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” بهذا الخصوص. في الحقيقة إن المملكة في مهمة ثقيلة للبحث عن المستفيد من قتل “خاشقجي” وما إذا كان حدث اختراق أجهزتها لتتم الجريمة بأيدٍ سعودية لإلصاق التهمة بها ووضعها في موقف محرج وسط المجتمع الدولي، ولتظل جريمة يوصم بها تاريخيا النظام السعودي كغيرها من حوادث سابقة كحادثة اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر عام 1978 في ليبيا واتهام نظام معمر القذافي باختطافه وقتله، وكذلك حادث اختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة، واختفاء السياسي والدبلوماسي الليبي منصور الكيخيا، والصحفي المصري رضا هلال الذي اختفى منذ عام 2003 وغيرهم.

لا يفوتنا التذكير بأن واقعة مقتل “جمال حاشقجي” تتصدرها على مدار الساعة روايات وحكايات وإشاعات، أيضا، تتنوع مصادرها كل حسب دوره أو حصته من غنيمة الواقعة، وقد تناثرت أقاويل بأن الأقمار الصناعية الروسية التقطت واقعة القتل وأبلغت المخابرات الروسية نظيرتها الأمريكية بذلك وطلب الرئيس الروسي بوتين من مدير مخابراته إبلاغ الرئيس الأمريكي ترامب بذلك.

في النهاية، إذا صحت المزاعم التركية بأن “خاشقجي” قد تم تعذيبه وقطع أصابعه حيا وتقطيع أوصال جسمه وقطع رأسه بعد قتله ، فنحن أمام جريمة تنتفض لها مشاعر الإنسانية وكل قيمها، مهما كانت درجة خلافنا مع الرجل، وحسنا ما قامت به مصر “رسميا”، فبالرغم من معادة “خاشقجي” لسياسات مصر وارتمائه في أحضان تنظيم “الإخوان المسلمون” المعادي هو الآخر لمصر، إلا أن مصر وجهت العزاء لأسرة الراحل، من نابع إيمانها وصدق قناعتها بأن الإنسان مكرم في خلقه وخلقته، كما ثمن البيان الصادر عن وزارة الخارجية قرارات الملك سلمان لاستجلاء الحقيقة حول مقتل “خاشقجي” محذرا من الانزلاق لتسييس القضية بهدف ابتزاز المملكة.

كما حدث في حوادث مماثلة سابقة مثل اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر عام 1978 في ليبيا واتهام نظام معمر الذافي باختطافه وقتله، وكذلك حادث اختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة، واختفاء السياسي والدبلوماسي الليبي منصور الكيخيا، والصحفي المصري رضا هلال الذي اختفى منذ عام 2003 وغيرهم.

رابط مختصر
2018-10-22
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر