ثلاثة انتخابات حاسمة (نيجيريا – السنغال – كوت ديفوار).. ما هي الرهانات المستقبلية؟

آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 6:27 صباحًا
بقلم: محمد بشير جوب
بقلم: محمد بشير جوب

تُطلُّ منطقة غرب إفريقيا على المحيط الأطلسي ممتدة من نيجيريا شرقًا إلى السنغال غربًا وتحتضن المنطقة جغرافيا 16 دولة كلها تتمتع بعضوية منظمة “إيكواس” إلا دولة موريتانيا. ففي عام 1885م في مؤتمر برلين لما عزمت القوى العظمى على تقسيم القارة كان نصيب الأسد من تقسيم منطقة الغرب الإفريقي لفرنسا تليها إنجلترا ثم البرتغال، وما يزال النفوذ السياسي لهذه القوى يسري كالسرطان في دول هذه المنطقة مع فارق درجات التأثير.

الثِّقَل القارِّيّ

يتمتَّع هذا الشريط الإفريقي بوزن سياسي وثِقَل اقتصاديّ وحضور ديموغرافي واضح في القارَّة؛ فمن الناحية السياسيَّة تُعتبر كلّ دول هذه المنطقة جمهوريات ذات أنظمة رئاسيَّة، دخلت في تجارب ديمقراطية ناجحة أحيانًا ومتعثرة أحيانًا أخرى.

اقتصاديًّا تستأثر منطقة غرب إفريقيا بنسبة 27٪ من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا تُشَكِّل سوى 0.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتُعَدُّ نيجيريا أقوى اقتصاد في المنطقة؛ حيث يُمثِّل اقتصادها 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. وتليها غانا 4٪، ثم كوت ديفوار 4٪، ثم السنغال 2٪، وهذه الاقتصادات الأربعة وحدها تمثل 89٪ من الثروة المنتجة في غرب إفريقيا(1).

ومن ناحية التمثيل الديموغرافي تتميز المنطقة بنمُوّ سكانيّ سريع؛ ففي الفترة ما بين عام 1955 وحتى 2010م ارتفع عدد سكان غرب إفريقيا أربعة أضعاف، من 70 مليون إلى أكثر من 300 مليون نسمة، أي: ما يمثل 4.4٪ من سكان العالم(2).

انتخابات حاسمة في عامي 2019 – 2020م:

منذ عام 1990م انطلقت التجارب الديمقراطية في المنطقة؛ حيث بدأ التطبيق الفعلي للتعددية الحزبية في هذه الحقبة، إلا أن هذه التجارب صاحبتها تشوُّهات وإخفاقات مازالت انعكاساتها تُمثِّل تَحدِّيًا لدول المنطقة. ولقد شهد المناخ الديمقراطي خلال العقد الثاني من القرن الحالي تحسنًا نسبيًّا خاصة في دولتي نيجيريا وساحل العاج، بينما بقيت السنغال وغانا النموذج الأفضل في المنطقة؛ من حيث المؤشر الديمقراطي.

وستشهد بداية العام 2019م انتخابات رئاسية في كلٍّ من السنغال ونيجيريا، بينما ستشهد ساحل العاج استحقاقًا انتخابيًّا في نهاية العام 2020م.

تدخل السنغال وساحل العاج هذه الاستحقاقات الانتخابية بعد إقرار دساتير جديدة في استفتاءات دستورية عام 2016م، بينما كان اهتمام الرئيس النيجيري في ولايته منصبًّا في الحرب على الفساد.

تكمن أهمية هذه الانتخابات في أن هذه الدول الثلاث تحتل مكانة استراتيجية في المنطقة، وتتمتع بثقل سياسي واقتصادي وديموغرافي يجعل كل تغيير فيها مُؤثرًا على المنطقة بأسرها. والوقت الذي تجري فيه هذه الانتخابات المتزامنة تمرُّ المنطقة في مرحلة تحوُّل جذري؛ النجاح فيها لا يتوقف على تحقيق التحوُّل السلمي والديمقراطي للسلطة فقط؛ بل يستلزم القدرة على تمكين نُخْبَة ذات حِسٍّ وطني على قدر المسؤولية؛ تدرك مستوى التحدِّي الوطني والإقليمي، وعندها قابلية واستعداد كامل لمواجهته.

“محمد بخاري” وتحدي الأقْران

أعلن حزب مؤتمر كل التقدميين (APC) أن الرئيس الحالي “محمد بخاري” سيكون مرشحه في الانتخابات الرئاسية المقررة فى فبراير عام 2019م، وكان هو المنافس الوحيد داخل الحزب لخوض الانتخابات. فيما أعلن حزب الشعب الديمقراطي (PDP) -أبرز أحزاب المعارضة في نيجيريا- أنَّ “عتيق أبو بكر” الذي كان نائبًا للرئيس في عهد “أولوسيجون أوباسانجو” في الفترة من 1999 إلى 2007م سيكون مرشح الحزب في الانتخابات بعد فوزه فى الانتخابات التمهيدية.

وبعد تحديد هذين المرشحين تكون الخارطة الرئيسية لهذه الانتخابات قد تشكَّلَت، وهي بمثابة سباق بين حزب مؤتمر كل التقدميين (APC) وحزب الشعب الديمقراطي (PDP)، ليس فقط لأن هذين الحزبين يضمَّان أبرز المتنافسين وأقواهما، لكن لأنهما أيضًا يمثلان الحزبين الوحيدين اللذين فازا بالرئاسة منذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999م.

سيواجه “محمد بخاري” في هذه الانتخابات تحديات من أقرانه السياسيين؛ حيث فاجأ الرئيس السابق” أولوسيجون أوباسانجو” كل التوقعات بدعوة صريحة يؤيد فيها مرشح حزب الشعب الديمقراطى “عتيق أبو بكر”. والمفاجئ في الأمر هو أن العلاقة بين الرئيس الأسبق ونائبه لم تكن جيدة. خاصة بعدما انشق “عتيق أبوبكر” لينضم إلى حزب “محمد بخاري” فترة من الزمن ليعود إلى حزبه الأم حزب الشعب الديمقراطي (PDP) مرة أخرى. واشتهر “أولوسيجون أوباسانجو” بمعارضته الشديدة لحكم “محمد بخاري” وصل إلى درجة مطالبته بالاستقالة، وعدم السعي إلى الحصول على ولاية رئاسية ثانية.

يُضَاف إلى التحدِّي السابق ذكره تحدٍّ آخر يتمثَّل في أن حزب مؤتمر كل التقدميين الحاكم شهد انشقاقًا جماعيًّا، وشكَّلت هذه الجماعة المنشقة إطارًا سياسيًّا آخر عُرِفَ باسم “مؤتمر كل التقدميين الإصلاحي”، وهي من بين الجماعات التي انضمَّت إلى تحالف المعارضة.

“ماكي سال” وتحدِّي الإخفاق

تُعَدُّ الانتخابات المقرَّرة في فبراير 2019م مرحلة تحوُّل كبير ستشهده الساحة السياسية في السنغال؛ فلقد كان وصول الرئيس الحالي “ماكي سال” للسلطة في عام 2012م نتيجة دعم سياسي كبير من كافة النُّخَب السياسية الجديدة، وبعد تربُّعه على السلطة حاز على لقب الرئيس المولود بعد الاستقلال، هذا اللقب الذي سرعان ما تم تداوله على مستوى واسع كان له معنى عميق للذين أطلقوه؛ حيث كان المنتظَر من الحائز على هذا اللقب تحقيق تغييرات جذرية في سياسة الدولة، وأن تكون كل التصرُّفات مختلفة تمامًا عن الممارسات التي تعوَّدنا عليها من النُّخَب الكلاسيكيَّة؛ التي كانت لها حساسية كبيرة في مواجهة الاستعمار الناعم من القُوَى الطامعة في استغلال ثروات البلد.

وبعد ولاية رئاسية دامت سبع سنوات للرئيس “ماكي سال” يُلاحَظ أن المطالب التي كانت تَصْدَع بها النُّخْبَة آنذاك على لسان الشعب السنغالي هي نفسها التي تُرَوِّج لها اليوم في كل المحافل، الأمر الذي يضع استمرار حكمه في مَحَكٍّ كبير.

أضف إلى ذلك الإخفاقات غير المبرَّرة التي تكررت في عهده في ملفات حسَّاسة كانت الضرورة تقتضي التعامل معها بمسؤولية أكثر؛ منها: ملف إدارة الموارد الطبيعية، والعلاقات الخارجية، وتحديدًا العلاقة مع فرنسا.

كما أن الانتقادات اللاذعة التي توجَّه إليه نتيجة الاستخدام المفرط للسلطة القضائية لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين لم تَجِدْ حتى الآن أجوبة مقنعة. فلقد تم الحكم بالسجن على عمدة دكار “خليفة صال” أحد أبرز القياديين في المعارضة والمرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، والرجل الثاني في الحزب الاشتراكي (PS) الذي أسَّسه الرئيس الأسبق “لووبول سدرا سنغور”. كما تم نفي “كريم واد” إلى دولة قطر بعد سجنه أكثر من سنتين وهو نجل الرئيس السابق “عبد الله واد” والعضو البارز في الحزب الديمقراطي السنغالي (PDS) أعرق أحزاب المعارضة السنغالية في التاريخ السياسي السنغالي.

بعد حرمان محتمل لمرشح الحزب الاشتراكي (PS) جناح “خليفة سال” ومرشح الحزب الديمقراطي السنغالي (PDS) “كريم واد” يبدو في أول الوهلة أن الطريق أصبح سالكًا لـ “ماكي سال” للحصول على ولاية ثانية؛ إلا أنَّ المعطيات في الساحة السياسية السنغالية تعكس غير ذلك؛ وذلك لوجود منافسين حققوا صعودًا مفاجئًا في السنوات الأخيرة مثل حزب “وطنيو السنغال من أجل العمل والأخلاق والإخاء” (PASTEF) بزعامة “عثمان سونكو” كما يمكن لحزب (REWMI) بزعامة المخضرم السياسي ورئيس الوزراء السابق “إدريس سيك” أن يشكِّل مفاجأةً تُغَيِّر قواعد اللعبة.

“الحسن واتارا” وشبح الولاية الثانية

بعد أعمال عنفٍ وحربٍ أهليَّة دامية نتيجة أزمات سياسية متكررة منذ العام 2002م كان وصول الرئيس “الحسن واتارا” إلى السلطة في عام 2011م بمثابة انطلاقة جديدة لساحل العاج؛ لاستدراك أعوام طويلة راحت ضحية نزاعات وصراعات شلت العملية السياسية في البلد. ركز الرئيس “الحسن واتارا” في فترته الرئاسية الأولى على تحقيق مصالحة اجتماعية لإعادة اللُّحْمَة الوطنية، ثم استطاع في ولايته الثانية تحقيق تقدم ملحوظ على المستوى الاقتصادي، وفي مجال البنية التحتية؛ إلا أن الربع الأخير من عام 2018م شهد بداية توتر سياسي خفيف بين الائتلاف الحاكم ولا سيما بين حزب التجمع الجمهوري (RDR) بقيادة “الحسن واتارا” و”الحزب الديمقراطي الإيفواري” (PDCI-RDA) بزعامة “هنري كونان بيجي”. وفي ضوء الانتخابات المقرَّرَة 2020م بدأ خطاب الاستقطاب السياسي يأخذ منحًى جديدًا تمهيدًا لخلافة “الحسن واتارا” الذي على وشك إنهاء ولايته الثانية.

حسب الدستور الجديد الذي أقرَّه الشعب في استفتاء عام سنة 2016م لا يمكن لرئيس الجمهورية إمضاء أكثر من ولايتين رئاسيتين متتاليتن في الحكم، وبالتالي يكون الرئيس الحالي غير مؤهَّل دستوريًّا للترشح في الانتخابات القادمة. إلا أنَّ هذا الأمر يُشكِّل معضلة قانوينة قد تستدعي مبدأ الأثر الرجعي للقانون الذي تمسَّك به الرئيس “عبد الله واد” في عام 2012م، وقدَّم من خلاله ترشحه لنَيْل ولاية ثالثة. مشهدٌ يخشى المراقبون تكراره في ساحل العاج، رغم أن الرئيس “الحسن واتارا” صرَّح في أكثر من مناسبة عدم نيته للترشح لولاية ثالثة.

رهانات الشعوب

لهذه الدول الثلاثة وزنها وثِقَلها في المنطقة، وهي -بالإضافة إلى دولة غانا- تُمَثِّل حزام القوة والحبل السري لتحقيق أحلام شعوب المنطقة في التمتُّع بالأمن والاستقرار والمعيشة الكريمة والرفاهية. وإذا كانت النُّخَب الحالية قد حقَّقت تقدمًا ملحوظًا في مجال القضاء على الفساد في نيجيريا وتحقيق الأمن والاستقرار في ساحل العاج، إلا أن الإدارة السيئة لبعض الملفات لا تزال تمثِّل عبئًا ثقيلاً بطَّأ عملية التنمية في المنطقة.

ففي السنغال أظهرت الحكومات المتعاقبة منذ 2012م عجزًا مطلقًا في إدارة الموارد، ولم يستفد المسؤولون من التجارب السابقة والناجحة لبعض الدول الإفريقية في حُسْن استغلال الموارد وإدارتها.

كما أن الملف الأمني شهد تعثرات في ظل إدارة الرئيس “محمد بخاري” ولم تزل معضلة بوكو حرام تنتظر جدية أكثر في التعامل معها.

يجب على شعوب المنطقة فَهْم عوامل القوة الكامنة في هذا الترابط الجغرافي لجميع الدول التي تُشَكِّل منطقة الغرب الإفريقي، وجدوى التعويل على نُخَب مسؤولة تستطيع ترجمة سياسيات داخلية وخارجية تستوعب كلّ الحلول الممكنة للنهوض بدول المنطقة؛ كلّ على حدة، وبشؤون المنطقة بشكل عام. فالرهانات الحالية يجب أن تكون على نُخَب تملك الحسّ الوطني، والاعتزاز بالانتماء إلى هذه المنطقة، وتقدر على تشبيك جهودها مع الجهود المبذولة في مناطق أخرى؛ تمهيدًا لبناء نهضة إفريقية شاملة تَصُبُّ في صالح شعوب القارَّة.

رابط مختصر
2019-02-19 2019-02-19
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر