كثفت القوات التركية القصف حول مدينة رأس العين في شمال شرقي سوريا اليوم السبت، في رابع أيام هجوم يستهدف مقاتلين من الأكراد بعد أن تعرضت القوات الأميركية في المنطقة لنيران مدفعية من مواقع تركية.
وعززت الولايات المتحدة جهودها لإقناع أنقرة وقف التوغل الذي يستهدف القوات الكردية المدعومة من واشنطن حيث أوردت أن أنقرة تسبب “ضررا بالغا” للعلاقات وقد تواجه عقوبات. ورفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتقادات الدولية للعملية مساء أمس الجمعة، موضحاً أن تركيا “لن توقفها مهما كانت التصريحات الصادرة بشأنها من أي طرف”.
وعلى جبهات القتال، بحسب موقع “إندبندنت عربية”، قال صحفي من رويترز من بلدة جيلان بينار التركية على الجانب الآخر من الحدود إن أعمدة من الدخان الكثيف تصاعدت حول مدينة رأس العين، وهي واحدة من مدينتين حدوديتين استهدفهما الهجوم، حيث أطلقت المدفعية التركية نيرانها على المنطقة اليوم السبت. وتمكنت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، والمدعومة بسلاح المدفعية والطيران، من السيطرة خلال الليل على 11 قرية حدودية، غالبيتها قرب مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، بحسب المرصد.
وتسعى القوات التركية إلى تطويق وعزل بلدة رأس العين (شمال الحسكة) ومدينة تل أبيض الحدوديتين، حيث تدور أشد المعارك بين الطرفين.
وقال مصدر من قوات سوريا الديموقراطية من داخل مدينة راس العين “تصدت قواتنا لهجوم تركي من ثلاث محاور مع اسناد جوي ومدفعي عنيف على مواقعنا”، مشيراً إلى اشتباكات على جهات عدة في محيط البلدة.
وكان محللون توقعوا أن يقتصر الهجوم التركي في مرحلة أولى على هذه المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، ذات الغالبية العربية خلافا لغالبية المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية، والتي يبلغ طولها أكثر من مئة كيلومتر.
الخسائر
وأسفر القصف التركي والمعارك منذ الأربعاء الماضي، وفق المرصد السوري، عن مقتل 74 مقاتلاً في قوات سوريا الديموقراطية وعشرين مدنياً.
وفي الجهة المقابلة من الحدود، قتل خلال اليومين الماضيين 17 مدنياً في قذائف اتهمت السلطات المقاتلين الأكراد بشنها.
وتهدف تركيا من هجومها إلى إقامة منطقة عازلة تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 ملايين سوري لديها. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة إصراره على مواصلة العملية العسكرية برغم التهديدات الأميركية المتصاعدة ضده بفرض عقوبات “شديدة” على بلاده.
ويثير الهجوم التركي احتمال وقوع كارثة إنسانية، ما دفع نواباً جمهوريين إلى انتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ويقول الأكراد، الذين انتزعوا السيطرة على مساحات شاسعة من شمال شرقي سوريا من تنظيم “داعش” بدعم أميركي، إن الهجوم التركي قد يسمح للتنظيم المتشدد بالعودة للظهور إثر فرار أتباعه من السجون.
في المقابل، أوردت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن قواتها في شمال شرقي سوريا تعرضت للقصف المدفعي من مواقع تركية، لكن أحدا لم يصب، في واقعة تسلط الضوء على المخاطر المحدقة بالقوات الأميركية في ظل هجوم تشنه تركيا على الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة.
كوباني
وفي وقت متأخر من أمس الجمعة، وقع انفجار قرب نقطة تواجد أميركية وقال الكابتن بروك ديوالت المتحدث باسم البنتاغون في بيان “وقع الانفجار على بعد مئات أمتار قليلة من موقع خارج منطقة الآلية الأمنية، وفي منطقة يعرف الأتراك أن قوات أميركية موجودة بها”. وأوضح ديوالت إنه تم مراجعة أعداد كافة القوات بعد الحادث الذي وقع قرب كوباني في سوريا.
وأضاف أن القوات الأميركية لم تنسحب من كوباني، في حين أشار مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه الى أن عددا قليلا من القوات الأميركية انتقلت بعيداً من الموقع مؤقتا بعد القصف المدفعي لكنها ما تزال في المنطقة ومن المتوقع عودتها. وشدد كبار مسؤولي البنتاغون على ضرورة تجنب تركيا أي فعل يعرض القوات الأميركية داخل سوريا للخطر والتي يصل عددها حوالى 1000 قبل التوغل التركي.
وفي أول هجوم كبير منذ بدء العملية العسكرية التركية، أعلنت داعش مسؤوليتها عن هجوم بسيارة ملغومة في القامشلي، أكبر مدينة في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد، على الرغم من تعرضها لقصف تركي مكثف. وقال الأكراد إن خمسة من مقاتلي التنظيم فروا من سجن هناك، كما أحرقت أجنبيات من التنظيم عدداً من الخيام وهاجمن الحراس بالعصي والحجارة في مخيم يُحتجزن فيه. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عنصرا أساسيا فيها، على معظم الأراضي التي كانت تمثل “خلافة” تنظيم داعش في سوريا وتحتجز الآلاف من مقاتلي التنظيم المتشدد في أحد السجون وعشرات الآلاف من أسرهم في مخيمات.
الموقف الأميركي
وبدأ الهجوم التركي على شمال شرقي سوريا، بعدما تحدث ترمب هاتفيا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسحب القوات الأميركية التي كانت تقاتل داعش جنبا إلى جنب مع المقاتلين الأكراد. وفتح الهجوم جبهة جديدة للقتال في الحرب الأهلية السورية المستعرة منذ أكثر من ثمانية أعوام وأثار انتقادات عالمية شديدة.
ورفض مسؤولون من الجيش الأميركي اتهامات النواب والمحللين بأن إدارة ترمب تخلت عن حلفائها أمام الهجوم التركي. وتقول تركيا إن هدفها هو هزيمة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها عدوا بسبب علاقاتها بالمتمردين في تركيا.
وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في مؤتمر صحفي رداً على انتقادات بأن ترمب أعطى ضمنيا الضوء الأخضر لتركيا “لم يعط أحد الضوء الأخضر لعملية تركيا هذه، بل العكس تماما. ضغطنا بشدة على جميع المستويات كي لا يبدأ الأتراك العملية”. وقال مسؤول أميركي إن انفجاراً وقع قرب موقع عسكري أميركي في شمال سوريا، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات ولم يتضح مصدر الانفجار الذي وقع قرب كوباني. وشدد البنتاغون على ضرورة أن تتجنب تركيا القيام بأي شيء من شأنه تعريض القوات الأميركية للخطر داخل سوريا.
وأوضح الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي “الجيش التركي يدرك تماما مواقع القوات الأميركية”، في حين أوردت وزارة الدفاع التركية إنها اتخذت كل التدابير لضمان عدم الإضرار بأي قاعدة أميركية بينما ردت على إطلاق نار بدأ قرب قاعدة أمريكية قريبة من كوباني في سوريا.
وأوضحت في بيان “لم يحدث إطلاق نيران على موقع مراقبة أمريكي، توقف إطلاق النار عندما نبه الجيش الأميركي القوات التركية”.
رفض أردوغان الإنتقادات التي تعرض لها، وقال إن الهجوم على المسلحين الأكراد “لن يتوقف مهما كانت التصريحات الصادرة بشأنه من أي طرف”. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن ترمب اتخذ القرار الصائب بنقل الجنود الأميركيين بعيدا من طريق الأذى، موضحاً في مقابلة مع تلفزيون “دبليو.كيه.آر.إن” في ناشفيل بولاية تينيسي “مهمتنا الآن، بذل كل ما في وسعنا لاستخدام القوة الاقتصادية والدبلوماسية، جميع الأدوات المتاحة لنا، لضمان ألا تفعل تركيا ما قال أردوغان إنهم ربما يفعلونه”.
في المقابل، أشار وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى أن ترمب فوض مسؤولين أميركيين بصياغة مسودة لعقوبات جديدة “كبيرة للغاية” على تركيا، موضحاً أن الولايات المتحدة لا تطبق العقوبات في الوقت الراهن لكنها ستطبقها إذا اقتضت الضرورة. وأضاف “هذه عقوبات قوية جدا. نأمل ألّا نضطر لاستخدامها لكن بمقدورنا أن نصيب الاقتصاد التركي بالشلل إذا أردنا”.
الاتحاد الأوروبي
وقال خالد إبراهيم وهو مسؤول كردي يشرف على إعمال الإغاثة في شمال شرقي سوريا إن القصف التركي ألحق أضرارا بمحطة لضخ المياه مما أدى إلى انقطاعها عن مدينة الحسكة والمناطق المجاورة، وكانت المحطة تقدم المياه لما لا يقل عن 400 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة.
وتسعى أنقرة من خلال الهجوم، لإقامة “منطقة آمنة” داخل سوريا حيث يمكنها إعادة توطين كثيرين من 3.6 مليون لاجئ تستضيفهم. وهدد أردوغان بإرسال اللاجئين إلى أوروبا ما لم تحصل بلاده على دعم من الإتحاد الأوروبي، ما أثار ردا غاضبا من التكتل.
وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك يوم أمس على تويتر قائلا “لن نقبل بأي حال أن يُستخدم اللاجئون كسلاح، ويُستغلوا لابتزازنا”. وقالت فرنسا إن مسألة فرض عقوبات على تركيا ستناقش في قمة للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل.
وردا على الانتقادات الدولية، دافع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن سجل أنقرة في التدخل في سوريا وقال لصحيفة “نيويورك تايمز” إن تركيا قدمت مدارس ومستشفيات وخدمات أخرى في مناطق أخرى تحت سيطرتها.