عودة “داعش” أم عودة سوريا؟!

آخر تحديث : الخميس 17 أكتوبر 2019 - 12:18 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

بينما تتخبط المواقف وردود الفعل الدولية والإقليمية والعربية بشأن العدوان التركي على منطقة شمال شرقي سوريا والذي انطلق الأربعاء 9 أكتوبر الجاري، يسير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (في حماقة منقطعة النظير) بخطى ثابتة وبإصرار تام على المضي قدما في العملية العسكرية “نبع السلام”؛ لتحقيق هدف مكشوف للعيان ولا سواه وهو تفريغ المنطقة من الأكراد، الذين يعتبرهم إردوغان تنظيمات إرهابية، وأن عمليته هي للقضاء على تلك التنظيمات الإرهابية، كما يقضي على حلم الأكراد بإقامة دولتهم التي تقتطع أجزاء من سوريا والعراق وتركيا وإيران لإقامة دولتهم وجمع شتاتهم من جميع أنحاء العالم، والذي يقدر بـ 30 مليون كردي.

ومع تفريغ المنطقة من ذويها الأكراد ينوي “إردوغان” توطين 3.6 ملايين سوريا يعيشون في تركيا في تلك المنطقة، أو غالبيتهم تخفيفا، على الاقتصاد التركي الذي يواجه أزمة حادة منذ عدة أشهر، ولم تقف أهداف “إردوغان” عند هذا الحد، بل راح في ابتزاز علني مباشر لدول أوروبا بتهديدهم بترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم حال الامتناع عن تمويله بمبالغ طائلة لتوطين هؤلاء اللاجئين في منطقة شمال شرقي سوريا بعد الانتهاء من العمليات العسكرية وإقامة منطقة آمنة (عازلة) مع حدود بلاده.

العجيب في أمر هذا العدوان الذي خلف عشرات الضحايا والمصابين في الجانبين التركي والكردي ، حتى الآن، حيث تواجه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الجيش التركي، قبل، دخول الجيش السوري، مؤخرا.. العجيب، أن ردود فعل المجتمع الدولي ترفض العدوان التركي على سوريا، إلا أن الواقع عكس ذلك تماما، فأمريكا التي ترفض العدوان وهددت تركيا بتدمير اقتصادها حال الاستمرار نرى أن العمليات العسكرية ضد أكراد سوريا تمت في أعقاب اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والأمريكي دونالد ترامب وبغض طرف روسي، مما يؤكد أن روسيا أيضا لا تتواجد إلا لمصالحها ولا يعنيها سوى الحفاظ على “طرطوس” التي تقبع بها قاعدتها العسكرية المطلة على شاطئ البحر المتوسط في سوريا، أما أوروبا فهي تدين العدوان وفي نفس الوقت تتحفظ في اتخاذ أي قرار على الأرض.

وما يزيد الأمر غرابة، بل يكشف حقيقة النوايا والأدوار هو استخدام كل من أمريكا وروسيا حق “الفيتو” لوقف قرار من مجلس الأمن برفض العملية العسكرية “نبع السلام” مما كشف عن تناغم أمريكي روسي لهذا الأمر، وأن “إردوغان” حصل على الضوء الأخضر من “ترامب” بتنفيذ العملية العسكرية ضد أكراد سوريا، وهو ما تم تفسيره بتخلي الحليف الأمريكي عن الأكراد في سوريا تاركهم لنيران “إردوغان”.

وفي إطار ما سبق اتهم مجلس النواب الأمريكي “ترامب” بسماحه لإردوغان بتنفيذ عدوانه على أكراد سوريا وصدر قرار مجلس النواب بأغلبية من أعضاء الحزب الجمهوري “حزب ترامب”، ما جعل “ترامب” ينفعل بحدة على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في اجتماع بشأن العدوان التركي على سوريا واصفا إياها بأنها “سياسية درجة ثالثة” ما أدى لانصراف نانسي غاضبة.

واستكمالا في مواقف ردود الفعل العجيبة كان اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، والذي حضره 10 وزراء خارجية فقط والباقي ممثلين لدولهم أو مندوب الدولة الدائم لدى “الجامعة العربية”، فقد تضمن البيان الختامي وصفا لحالة العدوان التركي بأنه يمثل “تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي وللأمن والسلم الدوليين مؤكدا على أن كل جهد سوري للتصدي لهذا العدوان والدفاع عن الأراضي السورية هو تطبيق للحق الأصيل لمبدأ الدفاع الشرعي عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.

وكعادته ندد البيان وشجب بالعدوان التركي ولكن بصيغة “الرفض” مما يوحي بقوة التعبير عن الموقف، وراح الوزراء العرب يطالبون مجلس الأمن الدولي باتخاذ ما يلزم من تدابير لوقف العدوان التركي والانسحاب من الأراضي السورية بشكل فوري، وحث كافة أعضاء المجتمع الدولي على التحرك في هذا السياق.

ولكن ما يثير العجب مكررا في البيان هو مطالبتهم بـ”العمل على منع تركيا من الحصول على أي دعم عسكري أو معلوماتي يساعدها في عدوانها على الأراضي السورية”.

وواصل مجلس وزراء الخارجية العرب محطاتهم في البيان وصولا إلى “قرر النظر في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة العدوان التركي، بما في ذلك خفض العلاقات الدبلوماسية، ووقف التعاون العسكري، ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع تركيا”، علما بأنه لم يعقد أي اجتماع حتى اللحظة للنظر في هذا القرار أو تنفيذ أي بند من بنوده.

ويستمر البيان في مطالباته العجيبة ليطلب من المجتمع الدولي وكذلك مجلس الأمن الدولي القيام بدورهما لمنع هذا العدوان.. والسؤال هنا، هل قام العرب “أشقاء سوريا” والأقرب لها بدورهم قبل أن يطالبوا الآخرين بهذا الدور؟!!

إننا أمام عملية من شأنها السماح بعودة تنظيم “داعش” وانتشاره مرة أخرى في سوريا والعراق بعد فرار أتباعه من السجون في شمال شرق سوريا تحت سيطرة “الأكراد”، وبالفعل قد فر 785 من أتباع “داعش” بعد أيام قليلة من العدوان التركي، كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيفل ودريان عن هروب 9 فرنسيات من تنظيم “داعش” من إحدى المخيمات الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية.

وأشار “لودريان” إلى وجود 10 آلاف مقاتل جهادي في السجون في شمال شرقي سوريا ما يفرض تأمين تلك السجون التي تسيطر عليها الأكراد، ما دفع “لودريان” ليقرر زيارة العراق قريبا ليبحث مع السلطات العراقية و”الأكراد” مسألة تأمين تلك السجون قبل أن ينفجر التنظيم الإرهابي منها مرة أخرى، بعد النجاح الذي حققه كل من العراق وسوريا في دحر هذا التنظيم.

إن العرب أمامهم فرصة تاريخية لعودة سوريا إلى محيطها العروبي وبيتها “جامعة الدول العربية”، فهي عضو مؤسس وأصيل.

سبق وأن تخلينا عن سوريا، بفعل فاعل، من مجموعة من العرب منذ أكثر من ثماني سنوات، والآن جاء لتصحيح المسار بعودة سوريا، وقد يكون هذا العدوان التركي على سوريا (الضرة النافعة) ليلتف العرب حول موقف موحد لاستعادة سوريا إلى الصف العربي للقيام بدورها.

علينا أن نختار، إما عودة “داعش” أو عودة سوريا.

رابط مختصر
2019-10-17
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر