سيناريوهات التقارب الإماراتي السوري

آخر تحديث : السبت 18 يوليو 2020 - 11:10 صباحًا
سيناريوهات التقارب الإماراتي السوري
فاطمة خليفة:

تسير دولة الإمارات العربية المتحدة في خطوات متسارعة لا يغفلها المتابعون للوضع العربي نحو عودة العلاقات مع النظام السوري بعد مقاطعة استمرت أكثر من سبعة أعوام.

بدء التحول في الموقف الإماراتي تجاه النظام السوري في عدة خطوات استهلتها بإعادة فتح السفارة الإماراتية بسوريا في أواخر العام قبل الماضي، وتكللت مع بداية العام الحالي بخطوة فاجئت الجميع. حيث كان الاتصال الهاتفي من ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد بالرئيس السوري بشار الأسد ابان أزمة كورونا العالمية.

عودة العلاقات الدبلومسية

كانت تصريحات القائم بالأعمال الإماراتي بدمشق عبد الحكيم النعيمي في حفل افتتاح السفارة ومديحه للاسد أولى الخطوات التمهيدية في عودة العلاقات وقال النعيمي إنه يأمل أن يسود الأمن والاستقرار ربوع سورية تحت قيادة الرئيس الأسد، وأضاف ان العلاقات السورية الإماراتية متينة ومميزة وقوية.

مواقف متناقضة

تبين التناقض في تصريحات الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله عن موقف بلده من قانون قيصر.

وأشار عبد الله إلى أن قانون “قيصر” هذا، قانون أمريكي وليس قانونا دوليا أي أنه غير ملزم للإمارات العربية المتحدة، موضحا أن أبو ظبي ستراعي علاقاتها مع واشنطن باعتبارها من أكبر شركائها في المنطقة، ولكن في الوقت نفسه ستمضي في علاقاتها مع دمشق ولن تترك بلدا عربيا مثل سوريا فريسة لإيران أو تركيا.

وهو الذي كان قد وجه في السابق انتقادا لدبلوماسي امتدح رئيس النظام السوري بشار الأسد في إشارة إلى (تصريحات النعيمي).

وقال عبد الله في تغريدة عبر “تويتر”: “وصف القائم بأعمال سفارة الإمارات في دمشق السفاح بشار الأسد بـ(القائد الحكيم) وصف غير موفق.

تصريحات قرقاش تمهد الطريق للعودة

كان تعليق وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش علي خطوة إعادة فتح السفارة هو أول تعليق رسمي من المسؤولين في الإمارات تجاه عودة العلاقات مع نظام الأسد ، وقال قرقاش في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) إن إعادة فتح سفارة بلاده لدى دمشق تهدف إلى “تفعيل الدور العربي” بسوريا في ظل ما وصفه بـ”التغول الإيراني التركي” فيها. وأضاف: إن قرار دولته بعودة العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق جاء بعد قراءة متأنية للتطورات وقناعة أن المرحلة القادمة تتطلب التواصل مع الملف السور.

الموقف الإماراتي ضد قيصر أمريكا

رغم تعرضها لتحذيرات أمريكية الا ان رغبة الإمارات في عودة العلاقات مع سوريا تعلو فوق اي صوت للتحذيرات. يذكر ان الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا، جيمس جيفري حذر في مؤتمر صحفي عن قانون قيصر قائلا: إن الإمارات تعرف أننا نرفض اتخاذ الدول مثل هذه الخطوات و أننا نعتبر ذلك فكرة سيئة” في إشارة منه الي عودة العلاقات الدبلومسية بين الإمارات وسوريا. وأكد جيفري ان كل من يمارس أنشطة اقتصادية في الإمارات أو أي دولة أخرى مع النظام السوري ستطبق عليه معايير القانون الخاص بالعقوبات.. في المقابل كان الرد القوي من الإمارات عبر الأكاديمي عبد الله عبد الخالق في تصريحات صحفية له قال فيها ان قانون قيصر قانون أمريكي غير ملزم لدولة الإمارات، وأن الإمارات ماضية في طريقها نحو عودة العلاقات مع النظام السوري.

مؤتمر بروكسل لدعم سوريا

استكملت الإمارات طريقها نحو سوريا بالدعم الإماراتي من خلال مشاركتها في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا وقالت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم بنت إبراهيم الهاشمي في بيان لها بالمؤتمر أن “الإمارات تشعر بالقلق حاليا بعد عشر سنوات من الصراع والمعاناة الطويلة في سوريا، وأضافت: إنه منذ بداية الأزمة السورية وطوال هذه السنوات كانت الإمارات بجوار الشعب السوري دائما وان الإمارات تؤمن بالحل السياسي للأزمة السورية الحالية.

مكالمة بن زايد لبشار الأسد

كانت المفاجأة الأكبر هي اعلان الشيخ محمد بن زايد في تغريدة له على صفحته الرسمية بتويتر عن مهاتفته للأسد، وقال بن زايد “بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.

السبب الحقيقي

يرجح البعض عدة سيناريوهات للوقوف خلف السبب الحقيقي وراء سعي الإمارات لاعادة العلاقات مع نظام الأسد خاصة وانه تحول مثير للدهشة بعد القطيعة مع النظام السوري في مقابل دعم الثورة السورية التي اندلعت في عام 2011. القرار المنفرد بالتقارب مع الأسد جاء بعيدا عن تحالفها مع النظام السعودي ضده ودون انتظار لقرار جامعة الدول العربية.

أولا الموقف الإنساني يرى بعض من يحسن الظن السياسي بالإمارات ان سبب التقارب مع نظام الأسد هو إنساني فقط لمساعدة الشعب السوري وهو ما ذكره الكاتب الصحفي عماد الدين أديب في حديثه لجريد الوطن بناء على معلومات لديه، وقال “أديب”: يمكنني شرح الموقف الإنساني وهو تحليل مبنى على معلوماتى الشخصية. وأوضح “أديب” ان المحرك للإقدام على كسر هذا الحاجز النفسى مع دمشق عقب الحرب الأهلية السورية وكل ما نتج عنها هو أن هناك مليون مواطن ومواطنة فى سوريا يعانون من نقص الاحتياجات الأساسية منذ أكثر من عام كامل، أى بعد تضرر إيران من المقاطعة الأمريكية وانخفاض دعمها لسوريا. ولكن البعض يشكك في هذا الطرح الإنساني ويستدل على ذلك بالدعم السعودي الإماراتي خلال السنوات الماضية من دون الحاجة إلى التعاون مع نظام الأسد المتهم بقضايا حرب ضد شعبه.

العداء مع تركيا والاسلامييين

بالمقابل يطرح الاخرون سيناريو مختلف يتبنى المحور التركي الإخواني، ويقولون بأن السبب الحقيقي وراء عودة العلاقات بين الإمارات والاسد هو فقط للتحالف ضد تركيا التي تدعم الشعب السوري وثورته ضد جرائم نظام الأسد، ويؤكدون ان هذا التقارب ليس بجديد بل سبقه تعاون خفي بين الإمارات ونظام الأسد ويستدل على ذلك بما كشفته جريدة “ميدل إيست أي” في إحدى تقاريرها ان دولة الإمارات عرضت على الأسد 3 مليارات دولار لكسر وقف إطلاق النار في إدلب المبرم بين تركيا وروسيا واستئناف هجومه لاستعادة المنطقة وطرد القوات التركية من سوريا إبان عملية (نبع السلام) التي قامت بها تركيا ضد النظام السوري. في المقابل فإن المدافعين عن دور الإمارات لا يرون ان هذا الطرح يعيب دولة الإمارات بل هو يأتي في جهود مكافحتها الإرهاب وداعش ضد الدور التركي و الإيراني في سوريا ورغبة القيادة الإماراتية عدم ترك سوريا للغرق في مزيد من الانشقاق والبعد عن الحض العربي.

السيناريو الثالث والأهداف الاقتصادية

وهي من خلال مشاركة الشركات الإماراتية في إعادة اعمار سوريا.. جاء هذا الطرح استنتاجا لما كشفه رئيس المكتب الإقليمي لاتحاد المصدرين والمستوردين العرب في سوريا حسن جواد في افتتاح ملتقى التبادل الاقتصادي العربي بعنوان “ بدمشق معاً والذي شارك فيه أكثر من ٥٠ رجل أعمال عربي عن حضور 3 شركات إماراتية مهتمة بعدة مشروعات سياحية وفي مجال إعادة الإعمار طلبوا كل التفاصيل المتعلقة بهذه المشروعات.

التقارب الروسي الاماراتي

أيضا التقارب مع روسيا له دور في موقف الإمارات، فلا يمكن التحدث عن العلاقات الدولية مع سوريا ونظامها دون ذكر الحلفيين الأساسيين للنظام السوري (روسيا وايران) بل هما اكثر من حليفين حيث يرى الكثير أنهما أصحابا القرار في سوريا وهنا نشير الي علاقة الإمارات بكل منهما.

اولا مع روسيا يوجد تقارب كبير في وجهات النظر بكثير من الأمور الاقليمية مثل القضية الليبية ودعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وايضا الموقف العدائي من التيار الإسلامي واخيرا الموقف تجاه النظام السوري في عام 2018 وصف وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الحرب الأهلية السورية بالصراع بين بشار الأسد والتطرف الإسلامي، وهو ما يتفق مع وجهة النظر الروسية.

وفي سياق اخر للتعاون بينهما اعلنت الإمارات في عام 2019 عن تنسيق سياسي أمني يشتمل علي خطط للتعاون لمكافحة الإرهاب في سوريا، وأيضا في ليبيا من خلال دعم خليفة حفتر قائد الجيش الليبي ضد حكومة الوفاق الليبية.

الموقف مع إيران يزداد هدوء

لا شك أن هذا التقارب مع روسيا وسوريا لا ينفصل عن حليفهما الإيراني، فموقف الإمارات من إيران يزداد تهادن وتقارب يوما بعد يوم. بدأت في خطوة هي الاقوى نحو التهدئة مع ايران وكان وزير الخارجية الإماراتي والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف قدم خلاله تعازيه و دعمه للشعب الإيراني في إبان أزمة انتشار كورونا في دولة إيران. كما اكد وزير الخارجية الإماراتي عن دعم بلاده للشعب الإيراني في تخطى أزمة انتشار الفيروس في دولة إيران.

كما ادهشت الامارت الجميع وأرسلت طائرتي مساعدات تحملان إمدادات طبية و معدات إغاثة إلى إيران لدعمها في مواجهة كورونا، وحملت الطائرتان أكثر من 32 طنا من الإمدادات والمساعدات الطبيةوالوقائية. لم تكن المرة الأولى التي ترسل فيها الإمارات إلى إيران مساعدات فقد ارسلت قبلها طائرة حملت 7.5 طن من الإمدادات الطبية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.

بجانب دعمها الإنساني لإيران قدمت الإمارات أيضا دعما سياسيا حيث رفضت الإمارات اتهام إيران بتنفيذ الهجمات على ناقلات نفط الفجيرة في عام 2019، باعتباره فرصة للتواصل والتعاون مع أبو ظبي بشأن أمن الخليج.

الموقف مع السعودية يزداد غموض

كل ما سبق يفتح الباب أمام التكهنات حول تطور علاقة الإمارات بايران خاصة وان الإمارات بدأت خطوات التهدئة في صراعها مع الجانب الإيراني منفردة بهذا القرار في ظل تصاعد حدة الصراع من الجانب السعودي والذي يمثل الشريك الأصيل في العداء الخليجي (الإمارات والسعودية) لنظام الإيراني.

في المقابل ظل الموقف السعودي على تصعيده ضد إيران، وأكدت السعودية في كلمتها التي ألقاها الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سوريا. ذكر فرحان أن إيران ما زالت تشكّل الخطر الاكبر على مستقبل سوريا، وانه إذا كان لبعض الأطراف الدولية مصالح، فإن لإيران مشروعاً إقليمياً خطيراً للهيمنة باستخدام المليشيات الطائفية واستثارة الحروب الأهلية المدمرة للشعوب والأوطان.

الموقف السعودي

رجح البعض التحاق السعودية بالإمارات واعادة فتح السفارة السعودية في سوريا استنادا الي تصريحات مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في حديث له لقناة “روسيا اليوم” ، إنه “من الممكن أن تعود العلاقات بين الرياض ودمشق ببساطة، وفي أي يوم وأي لحظة”. وأضاف ان شرطا عودة تلك العلاقات هو “نهاية الأزمة السورية”، و”التوافق بين مكونات الشعب السوري على التوجهات المستقبلية في البلاد، وأكد على أنه لابد من عودة سوريا يومًا ما إلى جامعة الدول العربية. ولكن تلاشي هذا الطرح أمام التصريحات الاخيرة لوزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير الذي قال: من المبكر الحديث عن فتح السفارة في سوريا، وإعادة فتحها مرتبطة بالحل السياسي وأضاف الجبير أن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية مرتبطة بالتقدم الذي يتم إحرازه في العملية السياسية، و”أعتقد أنه ما زال الموضوع مبكرًا، وأن هذه وجهة نظر الجامعة العربية بشكل عام.

في النهاية اذا كان قرار إعادة العلاقات مع النظام السوري هو بمثابة الاعتراف بانتصار الأسد ومحوره (الروسي الإيراني) على الثورة،والتسليم بالأمر الواقع. أم أن له حسابات أخرى استراتيجية واقتصادية وأمنية وآخرها إنسانية، فسوف تضح الرؤية أكثر خلال الأيام القادمة خاصة وأن المنطقة العربية تعيش منذ بدء سنوات الربيع العربي على صفيح ساخن وأحداث يومية متسارعة لا يمكن التكهن بها.

رابط مختصر
2020-07-18
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر