دبلوماسية الكوارث

آخر تحديث : الأحد 26 فبراير 2023 - 1:24 صباحًا
  بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

استيقظ العالم في يوم السادس من فبراير 2023 على نبأ الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسوريا والذي سجلت قوته 7.8 بمقياس ريختر، مخلفا ورائه ما يميز على 46 ألف ضحية في البلدين وأكثر من 36 ألف مصاب، وما زالت توابع الزلزال من زلازل وهزات ومستمرة حتى الآن موقعة ضحايا ومصابين جدد.

ولا شك في أن الحالة الإنسانية استعطفت وأدمت قلوب العالم بعد مشاهدة الآثار الناجمة عن الكارثة العظمى في هذا البرد القارس لموسم الشتاء، واعتبر خبراء الزلازل والجيولوجيا أن هذا الزلزال هو الأكبر والأقوى في قوته وخسائره خلال المائة عام الأخيرة، ويلقب إعلاميا ب “الزلزال الكبير” وأحيانا بـ”الزلزال المدمر” وهناك من أطلق عليه “زلزال القرن”.

وتزامنا مع اهتمام مختلف أجهزة الإعلام بتغطية ومتابعة الحدث الأبرز “عالميا” وآخر تطوراته، والذي يحتل المرتبة الأولى في نشرات الأخبار التليفزيونية والتقارير الإخبارية للصحف ومواقعها الإخبارية، إلا أن هناك في الجهة المقابلة متابعة أخرى للآثار السياسية للحدث والجيوسياسية التي يعكسها الزلزال على وضع الدولتين المتضررتين.

فقد فتح الزلزال بابا مهم في عالم السياسة تعكف على إدارته حاليا دوائر صنع القرار بشكل خاص في المحيط العربي والإقليمي لكل من سوريا وتركيا وقد يمتد إلى محيط العلاقات العالمية، ويعرف هذا الباب بـ”دبلوماسية الكوارث”.

فقد فتحت كارثة الزلزال باب “دبلوماسية الكوارث” أمام الدول التي لها علاقات متوترة مع كل من سوريا وتركيا، ونفس الحال بين سوريا وتركيا نفسهما.

فعلى الصعيد السوري، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالا هاتفيا بشقيقه السوري بشار الأسد مقدما له التعازي في ضحايا الزلزال، كما أمر بإرسال مساعدات طبية وغذائية للأشقاء في سوريا، وزار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي العاصمة السورية دمشق، ولأول مرة تهبط طائرة سعودية مطار دمشق منذ عام 2011 محملة بالمساعدات الإغاثية، وقامت تونس برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لدى دمشق. وبعد الزلزال بعدة أيام، قام الرئيس بشار الأسد بزيارة رسمية إلى سلطنة عُمان، التقى خلالها بالسلطان هيثم بن طارق، في لقاء قمة مفعم بروح الأخوة والتقدير للرئيس الأسد.

هذا الحراك العربي مع الشقيقة سوريا، في شكله الإنساني، قد يكون تمهيدا لتعبيد الطريق أمام عودة علاقات كاملة مع سوريا بعد أكثر من 12 عاما من القطيعة على خلفية أحداث فبراير التي كانت تخطط لعزل نظام الأسد ضمن طوفان ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي” التي اندلعت في بدايات عام 2011، وعلي إثرها تم تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية حتى الآن.

وجدير بالذكر أن الرئيس الأسد قد زار دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر مارس العام الماضي، وتعد الإمارات هي أول دولة عربية قامت بإعادة فتح سفارتها في دمشق وإعادة العلاقات مع سوريا بشكل كامل.

وعلى المستوى الدولي، فقد علقت الولايات المتحدة الأمريكية العمل بقانون قيصر الذي يفرض عقوبات ضخمة على سوريا وعدد من رموز نظامها الحاكم؛ حتى يتم السماح لوصول المساعدات الإغاثية للشعب السوري، كما قدمت أمريكا 85 مليون دولار مساعدات إنسانية لكل من سوريا وتركيا.

أما على المستوى التركي، فإن المشهد أكثر تعقيدا بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه الحاكم “العدالة والتنمية”، وشاءت الأقدار أن يكون الزلزال هو كلمة السر في وصول هذا الحزب إلى سدة الحكم في عام ٢٠٠٢ برئاسة عبد الله جول، وربما يكون يكون كلمة السر في رحيله هذا العام إذا استمرت حالة الغضب الشعبي بسبب بطء تعامل الحكومة مع الكارثة التي ستؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية تؤثر على المشهد السياسي برمته، وتعمل المعارضة من الآن على كسب هذه الورقة ضد “إردوغان” في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في يونيو المقبل.

ورغم التوتر القائم في العلاقات المصرية التركية، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد غلب الظرف الإنساني على أي مواقف سياسية وقام بالاتصال الهاتفي مع الرئيس التركي إردوغان، مقدما له التعازي والمواساة في ضحايا الزلزال، كما أمر الرئيس السيسي بإرسال مساعدات إنسانية للشعب التركي في محنته. ولا شك أن اتصالا من هذا النوع قد يؤخذ في الاعتبار لإحداث تحسن في العلاقات المعلقة بين مصر وتركيا.

أيضا، وعلى الرغم من الخلاف التاريخي بين تركيا واليونان حول الجزر المتنازع عليها في البحر المتوسط، إلا أن رئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسوتاكيس بادر بالاتصال بالرئيس التركي إردوغان، مقدم مساعدات بلاده، وكذلك السويد التي عرقلت تركيا انضمامها لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن الحكومة السويدية قدمت دعما ماليا إلى تركيا مساندة لها في أزمتها. وكانت المفاجأة من أرمينيا الجارة التي بينها وبين تركيا عداء تاريخيا بسبب حرب الإبادة الشهيرة بحق الأرمن على يد الأتراك منذ ما يربو على مائة عام، إلا أنها فتحت حدودها المغلقة مع تركيا منذ أكثر من 30 عاما لوصول مساعدات الإغاثة الإنسانية للشعب التركي.

لقد جاء الزلزال بأوراق سياسية عديدة، ولا نغفل هنا ورقة اللاجئين السوريين التي كانت تمثل تؤرق إردوغان في حملته الانتخابية المقبلة، وبعد التقارب مع النظام السوري الذي كان قد قطع شوط نسبيا، وكان مخططا أن يعيد إردوغان اللاجئين السوريين من خلال اتفاق مع “الأسد”، إلا أن اللاجئين السوريين بدءوا في العودة إلى بلادهم بعد الزلزال الأخير خاصة بعد التعامل العنصري من الشعب التركي وتفضيل تقديم الخدمات الإغاثية للشعب التركي من قبل السلطات التركية.

وفي الوقت الذي يحاول في إردوغان استثمار الكارثة بالعمل على إنجاز الحلول اللازمة في أقرب وقت، والوعود التي قدمها بإعادة إعمار المناطق المنكوبة خلال عام على الأكثر لاستقطاب أصوات المواطنين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن الأحزاب المعارضة بدأت في الحشد لرسم سيناريوهات تحميل إردوغان وحكومته مسؤولية الكارثة وعدم الجاهزية للتعامل معها، أيضا توجيه اتهامات بالفساد للجنة الخاصة بالأزمات والكوارث التي جمعت أموالا من الشعب التركي طيلة تلك السنوات من منذ تأسيسه وحتى وقوع الزلزال.

إن دبلوماسية الكوارث حركت المياه الراكدة وفتحت الأبواب الموصدة لكل من سوريا وتركيا مع الدول التي توترت علاقاتها بكلتا الدولتين، ولكن ليس من المؤكد أن تنجح سياسة “دبلوماسية الكوارث” لإعادة تلك العلاقات كما كانت من قبل، لكنها خطوة مهمة قد تستغلها دوائر صنع القرار باعتبارها تمثل فرصة كبيرة في توفير الوقت اللازم لإعادة كامل العلاقات.

رابط مختصر
2023-02-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر