في حوار مع الصديق المستشار حسن عمر خبير القانون الدولي قال لي إن اسرائيل تحتاج لوقف الحرب إلى البجعة السوداء!
سألته وماهي البجعة السوداء ؟ قال إنها حدث ضخم يصيب اسرائيل على غرار ماحدث فى السابع من أكتوبر أو يزيد هذا الحوار جعلني ابحث في الفكر الذي يتحكم في عملية صنع القرار العسكري الاسرائيلي فوجدت أن هناك عاملين مهمين قد يساعدان في فهم منطق اسرائيل لطبيعة المعادله الخاصه باستمرار الحرب على غزة العامل الاول جغرافيا والعامل الآخر ديموغرافيا !
▪️ اما العامل الجغرافي فان مساحه غزه محدوده إذ يبلغ طول قطاع غزة 41 كيلومترًا، ويتراوح عرضه من 6 إلى 12 كيلومترًا، وتبلغ مساحته الإجمالية 365 كيلومترًا مربعًا فقط ويعيش عليها مليونان ونصف المليون فلسطيني.
▪️ومن هنا نصل الى العامل الديموجرافي الثاني الذي يتعلق بالكثافه السكانيه فتعتبر غزه الاولى في العالم من حيث الكثافه السكانيه بالقياس للمساحه الجغرافية المحدوده بعبارة أخرى إن عدد السكان الذين يعيشون في الكيلو متر المربع هو الاعلى عددا في العالم !
ولهذا عندما جاء العدوان على غزه طلبت قوات الاحتلال من سكان الشمال النزوح نحو الجنوب لاختزال المساحة الجغرافية من ناحية ورفع معدل الكثافة السكانية الذي هو في الأصل مرتفعا من ناحية اخرى وهذا يمثل ضغطا شديدا لا يحتمله البشر في ظل وجود مخاطر المجاعة لشح الطعام و المياه وعدم وجود الدواء ونقص الوقود وزاد من الطين بلة دخول فصل الشتاء ما يتطلب ملابس ثقيلة وأغطية !
إذن قوات الاحتلال قامت بتدمير الشمال بنسبة 60 إلى 70 بالمئة في الفصل الاول من الحرب ليبدأ مع الفصل الثاني تدمير الجنوب بنفس الوتيرة ما يجعلنا نرى أن حكومة الحرب التي يرأسها نتنياهو تستخدم ضغوط العوامل الانسانية لتحاول تحقيق أحد هدفين أو كلاهما معا : ▪️الاول جعل قادة حماس يستسلمون مع زيادة حدة القصف على خانيونس ورفح وارتفاع عدد الضحايا !
▪️الثاني إجبار الفلسطنيين على قبول التهجير القسري في اتجاه الحدود مع مصر عبر معبر رفح !
وفي اعتقادي أن كلا الهدفين من الصعب تحقيقهما لأن هذا معناه قتل جميع الرهائن الذين بايدي حماس وهو أمر يخشى نتنياهو حدوثه لانه سيتحمل أمام الاسرائيليين مسئولية موتهم واظن أن فكرة الاستسلام مستبعدة من قبل عناصر كتائب القسام وحركة حماس عموما حيث أن قدرة حماس العسكرية مازالت قوية بعد أن دخلت الحرب شهرها الثالث ولم تتمكن اسرائيل من تحقيق اي انجاز عسكري يذكر طوال الستين يوما التالية لعملية طوفان الاقصى في السابع من أكتوبر الماضي وفكرة الرضوخ أو الاستسلام بسبب الضحايا أو التدمير المستمر لم تؤثر في إصرار حماس على مواصلة الحرب وإحراج الفكر والأداء العسكري الاسرائيلي نظرا لترسيخ عقيدة الاستشهاد لدى الفلسطنيين عموما !
وأعلنت مصر منذ بدايه الحرب أن التهجير القسري إلى مصر أو غيرها يعني تصفية الكيان الفلسطيني وانتهاء قضية ناضل من اجلها العرب وبصفة خاصة الفلسطينيون لمدة تتجاوز 75 عاما وبالتالي تم رفض هذا السرد شكلا وموضوعا ليس فقط من قبل مصر إنما من قبل الفلسطنيين أنفسهم والسلطة والمقاومة بكل فصائلها وتراجعت بعض الأطراف المؤيدة لاسرائيل عن تأييد الفكرة التي تدمر اي جسور للسلام والتطبيع بين العرب ودولة الاحتلال !
وعليه أعتقد أن اسرائيل بذلك تحرث في البحر باستمرارها في رفض قبول أي قرار بوقف اطلاق النار وتقامر بحياة الرهائن بل تقامر بمستقبل الدولة العبرية وهو أول خطر حقيقي تتعرض له اسرائيل منذ انشائها ينذر بأن القادم مثير وربما غير متوقع لحكام تل ابيب وقد يكون ( البجعة السوداء ) !
ومن هنا يصبح الحل في أيدي الشعب الاسرائيلي لتجنبها باقصاء الحكومة اليمينية الحالية ووقف العدوان وفتح صفحة للتهدئة مع الجانب الفلسطيني أو ستتفجر مشكلات لا حصر لها في اسرائيل و المنطقة والعالم بفعل البجعة السوداء ماذا وكيف ؟ ننتظر ولكل حدث حديث !
*كاتب المقال: رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالهيئة الوطنية للإعلام.