عودة “بلبن”.. الأسئلة المشروعة عن الصحون الموجوعة

آخر تحديث : الخميس 1 مايو 2025 - 12:41 مساءً
عودة “بلبن”.. الأسئلة المشروعة عن الصحون الموجوعة
حاتم عبد القادر:

>> تدخل الرئيس منحها الفرصة لتوفيق أوضاعها بالإلتزام بالمعايير الصحية والسلامة

>> التوسع المذهل والدعاية المفرطة يطرح سؤال “من أنتم ومن أين لكم هذا”؟

>> كيف وفر أصحاب “بلبن” هذه السيولة المالية الضخمة وتجنبوا مخاطر الاستثمار في هذه الفترة القصيرة

>> الرأي العام ينتظر الفصل الأخير من مسرحية “بلبن”

عند وقوع أزمة غلق محلات “بلبن” الشهيرة المتخصصة في صناعة حلوى الألبان، وشقيقاتها “كرم الشام” و”وهمي” و”عم شلتت” و”كنافة وبسبوسة” و”بهيج للأسماك” في منتصف أبريل الجاري، وسرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام حتى وصل الأمر إلى تدخل رئيس الجمهورية ليعطي تعليماته بحل الأزمة؛ حفاظا على العاملين وضمان توفير احتياجاتهم المعيشية، شريطة الإلتزام بالاشتراطات الصحية والسلامة لتلك السلاسل الغذائية، ولضمان تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

هكذا كانت رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي لحل الأزمة، وهو اتجاه حكيم وحيادي، ويراعي كافة الجوانب الاقتصادية لعمل مجموعات السلاسل المتخصصة في صناعة الحلويات والأغذية السريعة من ناحية، والجوانب الإنسانية من ناحية أخرى حفاظا على حقوق العاملين وتأمين مكتسباتهم المعيشية. وفي ضوء تعليمات وتوجيهات الرئيس السيسي لحل الأزمة عاودت السلاسل لممارسة نشاطها بعد تعهدها للالتزام بمعايير السلامة والاشتراطات الصحية، كذلك استكمال التراخيص الإدارية الخاصة من وزارة التنمية المحلية في مختلف المحافظات التي تنتشر فيها تلك السلاسل، حيث ككشفت الأزمة وجود 122 منشأة من تلك السلاسل غير مرخصة.

                                                                        أمر طبيعي

إلى هنا تبدو الأزمة واقعة في نطاقها الفني والإداري، وهذا أمر طبيعي يحدث مع أي أنشطة في مجال الأغذية تتعرض لتحرير محاضر بالمخالفات التي يتم ضبطها أثناء حملات التفتيش، الأمر الذي تعللت به هيئة سلامة الغذاء ووزارة الصحة في أزمة محلات “بلبن”، حيث أفادت التقارير وقوع حالات تسمم غذائي نتيجة تناول منتجات تلك المحلات، واحتواء المنتجات على أنواع من البكتيريا الممرضة، وهو ما يستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال تلك المحلات، وأفادت هيئة سلامة الغذاء بأنه قد تم منح السلاسل مهلة لتصحيح أوضاعهم دون جدوى، ما دفع الأجهزة المعنية بإصدار قرارات الغلق وتشميع محلات “بلبن” وشقيقاتها ذات الأنشطة الغذائية المتنوعة.

                                                                     دعاية مفرطة

ولكن، وبعد النظر بعمق إلى أبعاد الأزمة، وتتبع نشاط تلك السلاسل التي ظهرت فجأة في نشاط الحياة الاقتصادية في مصر، والبحث عن أصحاب تلك العلامات التجارية التي ملأت الدنيا ضجيجا وصخبا في جميع محافظات مصر وأحياء المدن الكبرى، والتوسع الكبير والتمدد خارج مصر في الدول العربية، حتى تجاوزت فروع تلك العلامات التجارية 150 فرعا داخل وخارج مصر، علاوة على الدعاية المفرطة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام ما يعرفوا بـ”الفود بلوجر” وممثلين مشهورين للدعاية عن تلك السلاسل وبالأخص “بلبن”.. كل هذه التأملات دفعت المواطنين لإطلاق عدد من الأسئلة المشروعة حول هوية تلك السلاسل، وأصحابها، ومصادر التمويل الهائلة التي تم ضخها في تلك الفترة الوجيزة من عمر هذه الأنشطة الاقتصادية التي بدأت في العام 2021، وما الشكل القانوني لهذه الشركات، وهل تعلن القوائم المالية لها في نهاية كل سنة مالية، وهل تسدد ما عليها من مستحقات ضريبية؟

أسئلة كثيرة تصدرت حديث الرأي العام عن أزمة “بلبن” الأخيرة وشقيقاتها من محلات الأغذية الأخرى.

الأسئلة لم تقف عند تأمل وحديث الرأي العام، فحسب، بل دفعت عددا من الصحف والمواقع المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية لتتبع نشاط تلك العلامات التجارية للإجابة على الأسئلة السابقة، وهي أسئلة مشروعة، تحتاج إلى شفافية مطلقة من أصحاب تلك العلامات التجارية الشهيرة.

                                                                       توسع مذهل

فقد وصلت بعض التقارير الصحفية إلى معلومات تفيد بأن أصحاب تلك العلامات قد بدأوا نشاطهم بمحل صغير في الإسكندرية عام 2021 لبيع منتجات “الأرز بلبن” و”أم علي” و”الكسكسي” وهي من الحلوى الشعبية التي يعتاد تناولها المصريون، وبنهاية عام 2021 زادت الفروع إلى 22 فرعا في القاهرة والإسكندرية. وفي عام 2023 توسعت المجموعة لتفتتح علامات جديدة تابعة لها وهي محلات “كرم الشيخ” لإنتاج ساندويتشات الشاورمة والمشويات، “كنافة وبسبوسة” للحلويات الشرقية، و”وهمي” لساندويتشات البرجر و”عم شلتت” لإنتاج الفطائر، كذلك محلات “بهيج” للأسماك.

وتستمر المجموعة في التوسع بسرعة مذهلة (أدهشت الجميع)، لتفتتح 91 فرعا إضافيا داخل مصر، و30 فرعا في المملكة العربية السعودية، و14 فرعا في دولة الإمارات العربية المتحدة، و3 فروع في سلطنة عُمان، وعدة فروع في كل من قطر وليبيا والمغرب والكويت، علاوة على الاستعداد لافتتاح فروع أخرى في مملكة البحرين والعراق وأمريكا وأوروبا خلال العام الجاري بحسب ما أعلنه صاحب السلاسل الطبيب البيطري مؤمن عادل.

وبحسب بعض التقارير فقد تم التوصل إلى أن أصحاب العلامات الشهيرة في الخارج غير معروفين، خاصة في إحدى دول البحر الكاريبي وهي من الدول ذات الملاذات الآمنة للأنشطة غير المشروعة والمتهربة من الضرائب والتي لا يتم سؤال أصحاب الشركات في تلك الدول عن مصدر أموالهم.. إلا أن المتصدرين لإدارة تلك السلاسل ويظهرون في الصورة هم: مؤمن عادل (طبيب بيطري) وشقيقه كريم عادل ومعهم إسلام سلامة، ولهم أكثر من شركة مسجلة في أكثر من دولة خارج مصر.

                                                                     دموع التوبة

بمجرد تشميع محلات العلامات التجارية الشهرية في مختلف محافظات مصر، ومن قبلها بثلاث أسابيع في المملكة العربية السعودية، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات التليفزيونية حول مؤيد ومعارض ومتعاطف، وبدأت نغمات معتادة من أن أسلوب الغلق يؤثر على مناخ الاستثمار وسيكون أحد العوامل الطاردة للمستثمرين المحليين والأجانب، وهناك من رأى أن خطوات الحكومة تأتي في دورها الرقابي وحماية المواطنين ولضبط سوق العاملين في مجال الأغذية.

وتأتي المداخلة التليفزيونية الشهيرة لصاحب ومالك العلامات التجارية الشهيرة مؤمن عادل مع الإعلامي عمرو أديب من خلال برنامجه “الحكاية” المذاع على قناة (MBC)، وحين سأله “أديب” عن مصدر التمويل، أجاب مؤمن عادل بأن عدد الفروع الهائلة وإقبال المواطنين يعتبر مصدر التمويل، وهي ليست إجابة منطقية اقتصاديا!

ليواصل “مؤمن عادل” وصوته مليئ بالدموع بأنه مستعد للامتثال لكل الاشتراطات ومطالبات الجهات الرقابية والمعنية بنشاطه حفاظا على بيوت 25 ألف عامل، وباعتبار أن محلاته الشهيرة تعد واحدة من روافد الاقتصاد الذي تحتاجه مصر، وناشد المسؤولين والرئيس بألا تقتل أحلام الشباب.

                                                                      أسئلة حائرة

وتبقى الأسئلة، سائرة حائرة، حول أنشطة مؤمن عادل وشركائه الحاضرين والغائبين.

هناك أصحاب استثمارات ظلوا سنوات طويلة حتى وصلوا لدرجة توصيفهم برجال أعمال أو رجال صناعة، أما قصة “بلبن” الحاضرة أمامنا، اليوم، فهي قصة تحتاج إلى البحث والتحري والدراسة.

فكيف لهؤلاء أن يبدأوا أن يبدأوا بمحل صغير في الإسكندرية في عام 2021 ليصلوا في 4 سنوات فقط لأكثر من 150 فرعا داخل وخارج مصر؟ وأين العقلية الاقتصادية التي جنبتهم مخاطر الاستثمار ليضخوا سيولة مالية بهذا الحجم، دون أن يقترضوا جنيها واحدا من أي بنك من البنوك؟ ومن أين مئات الملايين من الجنيهات التي تم ضخها في هذه السنوات القليلة لاستثمارها حلوى الألبان وساندويتشات الشاورما والكنافة والبسبوسة والفطائر؟

ومع تأكيد أصحاب السلاسل بأن لديهم 25 ألف عامل.. هل يتقاضون الحد الأدنى للأجور؟ هل مؤمن عليهم لدى التأمينات الاجتماعية، وماذا عن تأهيلهم للعمل في مجال الأغذية؟

القصة لم تنتهي، والأسئلة مستمرة، والإجابة غائبة، والجمهور ينتظر إسدال الستار بانتهاء الفصل الأخير من مسرحية “بلبن” التي أبهرت الجميع بعرض منتجاتها ذائعة الصيت، والتي يقدمونها في صحون أصابها الوجع جراء غلق وتشميع أبوابها.

رابط مختصر
2025-05-01
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر