شهدت فنزويلا في 25 مايو 2025 استحقاقًا انتخابيًا مهمًا شمل الانتخابات التشريعية والإقليمية، حيث توجه الناخبون لاختيار ممثليهم في البرلمان وحكام الولايات والمجالس المحلية. وأسفرت النتائج عن تعزيز موقع الائتلاف الحاكم “تحالف القطب الوطني العظيم” بقيادة الحزب الاشتراكي الموحد، في وقت اختارت فيه بعض أطراف المعارضة عدم المشاركة في العملية الانتخابية. وقد جرت الانتخابات وسط أجواء اتسمت بالتنظيم الهادئ، وشهدت تنافسًا بين عدد كبير من المرشحين من مختلف التيارات.
أولا- نتائج الانتخابات .. فوز ساحق وعملية متطورة
حقق تحالف “القطب الوطني العظيم” فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية بنسبة 83.42% من أصوات الناخبين، حيث حصل “القطب الوطني العظيم” على خمسة ملايين و24 ألفاً و475 صوتًا. مما مكنهم من الاحتفاظ بأغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية المكونة من 285 عضواً، وبفارق كبير، جاء التحالف الديمقراطي المعارض في المركز الثاني بـ 361,769 صوتًا بنسبة 6.01%، يليه تحالف “UNTC-Única” بـ 304,425 صوتًا بنسبة 5.05%، وتحالف “قوة الجوار” بـ 141,588 صوتًا بنسبة 2.35%. أما بقية التنظيمات السياسية فقد حصلت مجتمعة على 181,926 صوتًا (3.02%).
كما فاز الحزب بـ23 من أصل 24 منصباً لحكام الولايات باستثناء ولاية كوخيديس (وسط غرب)، مع الحفاظ على النفوذ في المؤسسات الرئيسية، مستعيدين مناطق كانت سابقًا في يد المعارضة، مثل ولاية باريناس السهلية، وولاية نويبا إسبارتا السياحية، وولاية سوليا الحدودية الاستراتيجية، التي تُعد الأكثر كثافة سكانية في البلاد وإحدى المناطق النفطية الرئيسية في فنزويلا، مما يعزز تحالف الائتلاف الحاكم، فيما فازت المعارضة بمنصب حاكم ولاية واحد فقط، في انخفاض عن الانتخابات السابقة، كما أن الأحزاب المستقلة والفصائل الصغيرة الأخرى لم تحقق نجاحات تُذكر في الانتخابات الحالية.
وشهدت الانتخابات الأخيرة عدة ملامح تشير إلى اتباع نهج متقدم في العملية الانتخابية، حيث شارك في هذه الانتخابات 54 منظمة سياسية، وتنافس أكثر من 6,000 مرشح على المناصب المختلفة. وقد شهدت العملية الانتخابية إشراف ما يقارب 400 مراقب دولي، تمت دعوتهم من قبل أحزاب من مختلف الأطياف، حيث جابوا مراكز الاقتراع لمتابعة سير الانتخابات، بدعوة من المجلس الوطني للانتخابات (CNE)، الجهة المسؤولة عن ضمان شفافية العمليات الانتخابية. ومن بين هؤلاء المراقبين برز أعضاء من البرلمان الإفريقي، وبرلمان مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية (SADC)، بالإضافة إلى ممثلين عن هيئات انتخابية من 17 دولة إفريقية، من بينهم 4 رؤساء و2 نواب رؤساء.
شملت زيارة المراقبين الاطلاع على آلات التصويت والتجهيزات اللوجستية وظروف مراكز الاقتراع. جاء المراقبون من منظمات متعددة الأطراف وبرلمانات وحركات سياسية متحالفة، ما يعكس شرعية وتنوع المرافقة، كما شهدت الانتخابات ظاهرة نادرة وهي غياب الطوابير المعتادة أمام مراكز الاقتراع، ما يشير إلى كفاءة العملية الانتخابية، بالرغم من التدفق الكبير للناخبين.
ثانيا-الانتخابات الفنزويلية ..تطلعات داخلية وإشادات دولية
حازت الانتخابات الفنزويلية على ردود أفعال داخلية ودولية عديدة، حيث رحب الرئيس نيكولاس مادورو بنتائج الانتخابات واعتبرها انتصارًا للشعب الفنزويلي ودليلًا على قوة الديمقراطية الفنزويلية. وأكد في خطاب أمام المجلس الوطني للانتخابات أن هذا الفوز يعكس شرعية الحكومة ويعزز الاستقرار السياسي. وأوضح أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة، وأثبتت أن فنزويلا قادرة على تنظيم عمليات انتخابية شفافة رغم الضغوط الخارجي، فضلًا عن أن هذا الفوز يعبر عن بناء سلطة جديدة ومشروع مشترك لتنمية بلد جديد، يسعى لإيجاد حلول ملموسة لمشاكل الشعب وبناء قوة ديمقراطية جديدة على أساس الحكم الذاتي الشعبي، ومن جانبه، أكد نائب الرئيس ديوسدادو كابيلو أن النتائج تعكس إرادة الشعب وتؤكد دعمه للثورة البوليفارية، معتبرًا الانتخابات رسالة قوية للمجتمع الدولي على تمسك فنزويلا بسيادتها.
في السياق ذاته، اعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد ديوسدادو كابيلو أن نتائج الانتخابات تمثل انتصارًا شعبيًا كبيرًا، مؤكدًا أن “السلام انتصر”، وأن القوى الثورية حققت أغلبية في البرلمان وحكام الولايات، مما يضمن الاستقرار والسلام في البلاد. وأشاد كابيلو بالقيادة النسائية في الحزب التي حققت فوزًا ملحوظًا عبر خمس حكومات يديرها نساء.
كما نوه بأداء القوات المسلحة الوطنية البوليفارية في تأمين العملية الانتخابية، وذكر أن عدد الجرائم الانتخابية كان محدودًا للغاية، مما يعكس نجاحًا تنظيميًا كبيرًا.
وتشير هذه التصريحات إلى مواصلة الحزب الاشتراكي مساعيه لترسيخ طموحاته الداخلية، من خلال تعزيز مشروع “الدولة الاجتماعية الديمقراطية” الذي يركّز على العدالة الاجتماعية، وتوسيع نطاق الدعم الحكومي للفئات الضعيفة، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي من خلال تعزيز الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد. كما يطمح الحزب إلى تعزيز السيادة الوطنية في مواجهة الضغوط الدولية، وتطوير بنية تحتية قوية تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، مع إعطاء أولوية قصوى للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان، فضلاً عن دعم المجالس المجتمعية وتفعيل دور “الديمقراطية التشاركية”، حيث يُمنح المواطنون دورًا مباشرًا في اتخاذ القرارات على المستوى المحلي. كما تهدف هذه القوى إلى مواصلة الإصلاحات في القطاع العام، وتوسيع برامج مكافحة الفقر والبطالة، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات لإشراك الشباب والنساء في العمل السياسي والمؤسساتي، بما يعكس التزامًا ببناء قوة شعبية جديدة قائمة على المشاركة والتمكين السياسي والاجتماعي.
كما لاقت الانتخابات ترحيبًا إقليميًا ودوليًا، حيث قدم الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل تهنئته إلى نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، وإلى أعضاء تحالف القطب الوطني العظيم، على الفوز الانتخابي الكبير في الانتخابات التشريعية والإقليمية الأخيرة، كما قدمت حركة هوتوسيانو للاستقلال الوطني (MINH) في بورتوريكو تهنئتها للقطب الوطني العظيم على فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية والإقليمية التي جرت، وأكد أنخيل رودريغيز ليون، الرئيس المشارك للحركة، والذي شارك كمراقب ومرافق خلال الانتخابات، أن العملية سارت بشكل منظم وسلمي في مراكز الاقتراع التي زارها. وأشاد بحماس الناخبين وبالاحتفال الشعبي الذي شهدته ساحة بوليفار في كاراكاس مساء يوم الانتخابات، مع الإشارة إلى الهدوء التام الذي ساد العاصمة في اليوم التالي، كما احتفلت نيكاراجوا بفوز الشعب البوليفاري في الانتخابات الإقليمية والتشريعية في فنزويلا، حيث أكد الحزب الاشتراكي الموحد مجددًا مكانته كقوة سياسية رائدة في البلاد.
وجاء في البيان الموجه إلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أنهم يعيشون حقبة جديدة وأيامًا كثيرة من التقدم في العمل والأمن والسلام ورفاهية الشعب الفنزويلي البطل والمقاتل. وأضاف البيان أن “الروح اللانهائية للقائد هوغو رافائيل تشافيز فرياس تلهم وتنشط وتنير وتعزز هذه المسارات من الأمل والإيمان والانتصارات المستحقة”، في إشارة إلى تأثير إرث تشافيز المستمر.
وعلى الصعيد الدولي، أشادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بنتائج الانتخابات، معتبرة إياها تعبيرًا عن الإرادة الشعبية، ووصفت العملية بأنها جرت بشكل منظم، وعلى مستوى عال، ودون انتهاكات حسب شهادة المراقبين الدوليين، بمن فيهم الوفد الروسي. وأكدت زاخاروفا أن نظام الحماية ضد التصويت غير المصرح به، الذي يشمل مسح بصمات الأصابع والتحقق من الهوية، أدى عمليًا إلى القضاء على أي احتمال للتزوير.
تأتي هذه التصريحات في إطار سلسلة من ردود الفعل الدولية والإقليمية الداعمة للحكومة الفنزويلية، والتي تؤكد على نجاح العملية الديمقراطية ومتانة الروابط السياسية والتاريخية بين فنزويلا وحلفائها في المنطقة والعالم. كما تعكس هذه المواقف التقدير المتزايد لدور فنزويلا في الدفاع عن مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما يلقى صدى إيجابيًا لدى عدد من الدول التي تشترك معها في التوجهات السياسية والاقتصادية المناهضة للهيمنة الخارجية. ويُنظر إلى نتائج الانتخابات كعلامة فارقة في مسار تعزيز النظام السياسي القائم، وكسلاح دبلوماسي يعيد لفنزويلا حضورها الإقليمي والدولي في ظل استمرار التحديات الجيوسياسية.
ختاماً يجدر القول إنه وفي ظل المراقبة الدولية والإقليمية التي رافقت سير العملية، تُعد الانتخابات التشريعية والإقليمية خطوة مهمة نحو ترسيخ الاستقرار السياسي وتعزيز المؤسسات الديمقراطية في البلاد. فرغم التحديات الداخلية، مثل مقاطعة بعض أطياف المعارضة والضغوط الاقتصادية المفروضة على البلاد، أظهرت فنزويلا قدرة تنظيمية واضحة في إدارة عملية انتخابية واسعة النطاق شملت انتخاب ممثلي البرلمان المحلي وحكام الولايات والمجالس البلدية، ويؤكد هذا الحدث رغبة قطاع واسع من الفنزويليين في الحفاظ على المسار الديمقراطي وإعادة بناء الدولة على أسس السيادة والاستقلال والمشاركة الشعبية، في ظل آمال متجددة بتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية تلبي تطلعات المواطنين، وإرادة شعبية واضحة في مواصلة المسار الديمقراطي والتطلع إلى حلول سياسية قائمة على الحوار والمشاركة الشعبية.
*الكاتبة: باحثة في العلوم السياسية.