مقدمة:
شهدت الساعات الأولى من يوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025 هجومًا إسرائيليًا استهدف إيران وأسفر ذلك عن تداعيات اقتصادية سريعة وواسعة النطاق. فقد قفزت أسعار النفط بشكل ملحوظ، واتجه المستثمرون إلى التحوّط بالاستثمار في أصول الملاذ الآمن، مثل السندات الحكومية والذهب، على حساب أسواق الأسهم. وسجلت العقود الآجلة للنفط الخام ارتفاعًا بنسبة بلغت نحو 13%، في ظل تقديرات بأن الهجوم الإسرائيلي لن يكون حدثًا منفردًا. كما ارتفع سعر خام برنت، المؤشر العالمي لأسعار النفط، بأكثر من 10% ليبلغ 75.15 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ ما يقرب من خمسة أشهر.
وقد زادت التصريحات التصعيدية المتبادلة بين الطرفين من مخاوف اندلاع صراع طويل الأمد؛ إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العمليات العسكرية «ستستمر لأيام عديدة لإزالة هذا التهديد»، في إشارة إلى البرنامج النووي الإيراني. في المقابل، تراجعت مؤشرات الأسهم الآسيوية والأوروبية مع بدء التداولات، وكان مؤشر داكس الألماني الأكثر تأثرًا بالانخفاض. كما افتتح مؤشرا S&P 500 وناسداك الأمريكيان على تراجع بنحو نقطة مئوية واحدة، في ظل إقبال المستثمرين على الأصول الأقل مخاطرة.
ومن المتوقع أن يترك أي صراع مباشر أو تصعيد كبير بين إيران وإسرائيل آثارًا غير مباشرة لكنها ملموسة على اقتصادات الدول الإفريقية عبر عدة مسارات اقتصادية وأمنية متشابكة. فمنذ اندلاع هذه المواجهة المفتوحة، تزايد المخاوف من احتمالية تطورها إلى صراع إقليمي أوسع أو حتى نزاع دولي شامل.
وفي هذا السياق، يسعى هذا التقييم الأولي إلى استعراض أبرز الانعكاسات الاقتصادية للحرب على الدول الإفريقية، واستشراف التدابير الممكنة للتخفيف من حدّة آثارها.
أولا – الانعكاسات الاقتصادية المباشرة للصراع الإيرانى الإسرائيلى:
أسعار النفط والذهب :
قد تؤدّي حربٌ شاملة بين إسرائيل وإيران إلى تعطيل أسواق الطاقة وطرق التجارة في المنطقة، مما ستكون له آثارٌ عالمية واسعة النطاق. ويُعدّ الشرق الأوسط منطقةً محوريةً في إنتاج النفط العالمي، إذ يضمّ بعضًا من أكبر الاحتياطيات النفطية وأبرز المنتجين في العالم. وتُعدّ إيران ثالث أكبر منتجٍ للنفط في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية والعراق. ورغم العقوبات الدولية المفروضة على صادراتها النفطية، ما تزال تُصدّر كمياتٍ كبيرةً من النفط الخام إلى الصين والهند .ومن هنا سجّلت أسعار النفط الخام ارتفاعًا حادًّا عقب الضربات الإسرائيلية على إيران، إذ ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من أربعة دولارات للبرميل، بزيادة قدرها 5.8%، لتصل إلى 73.38 دولارًا للبرميل ، واستمرت فى التزايد لتصل الى أكثر من 7 دولارا للبرميل . ويحذّر المحللون من أنّ استمرار التصعيد — ولا سيّما إذا تعطّلت البُنى التحتية النفطية أو ممرّات الشحن — قد يدفع أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع بنسبة تتراوح بين 7% و11%، متجاوزةً 80 دولارًا للبرميل[1] .
كما قد تتجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل، ووفقًا لتقديرات بنك “جي بي مورغان”. الأمر الذي قد يخلّف عواقب وخيمة على الاقتصادات الإفريقية التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات الطاقة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA) ونشرة الإحصاءات السنوية لمنظمة أوبك إلى أنّ إفريقيا تستورد ما بين 2.2 و2.8 مليون برميل يوميًّا من النفط الخام والمشتقات النفطية.[2]
شكل رقم (1) تطور أسعار النفط عالميا خلال الفترة (11-22يونيو 2025)
دولارا للبرميل

Source : Reuters , Oil prices settle lower as US sanctions ease fears of escalation in Iran , June 20, 2025, available at: https://www.reuters.com/world/middle-east/oil-set-rise-third-week-escalating-israel-iran-conflict-2025-06-20/?utm_source=chatgpt.com
– Reuters , What’s not happening to Middle East crude supply matters more , June 16, 2025 , available at:
https://www.reuters.com/markets/commodities/whats-not-happening-middle-east-crude-supply-matters-more-2025-06-16/
وتتجه الأنظار في هذا السياق إلى مضيق هرمز، وهو ممرٌّ مائيٌّ ضيّق يربط إيران بالإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، ويُعدّ معبرًا أساسيًّا لتجارة النفط العالمية. وفي حال إغلاقه — كما لوحت ايران عدة مرات — ستُضطر ناقلات النفط إلى تجنّب المرور عبره، الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات أعلى. ويُقدَّر أنّ ما يقارب خُمس إجمالي الاستهلاك النفطي العالمي — أي نحو 18 إلى 19 مليون برميل يوميًّا — يمر عبر المضيق، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA).
وانطلاقًا من ذلك، يُمكن القول إنه إذا احتدم الصراع، فإنّ تقلبات أسعار النفط ستنعكس مباشرةً على اقتصادات الدول الأفريقية، التي يعتمد العديد منها اعتمادًا كبيرًا على واردات الطاقة ومشتقاتها مثل جنوب إفريقيا وكينيا، واثيوبيا ، وغانا .
في المقابل، قد تجد الدول القادرة على الاستفادة من الوضع – مثل تلك العاملة في إنتاج النفط أو مصادر الطاقة البديلة – فرصًا لتعزيز مواقعها الاقتصادية ، مثل نيجيريا، أنغولا، ليبيا، الجزائر ــ تحقّق مكاسب مالية من بيع النفط بأسعار أعلى، مما يزيد عائدات الصادرات ويعزز الإيرادات الحكومية ، لكن أيضا الدول المصدرة قد تواجه زيادة في تكلفة الواردات الأخرى مثل الغذاء والسلع المصنعة، لأن أسعار النقل والشحن والتأمين سترتفع أيضًا[3].
– أسعار الذهب : مع تصاعد التوترات العسكرية وشنّ إسرائيل ضربات على منشآت إيرانية حساسة، لجأ المستثمرون إلى الذهب بوصفه «ملاذًا آمنًا» تقليديًا في أوقات عدم اليقين. وفور الإعلان عن هذه الضربات في 13 يونيو 2025، ارتفع سعر أونصة الذهب في الأسواق العالمية بأكثر من 2% خلال ساعات، متجاوزًا مستوى 2375 دولارًا للأونصة، وهو أعلى مستوى له منذ عدة أشهر[4].
ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار الذهب قد يُعزّز إيرادات الدول الإفريقية المصدّرة له مثل غانا، إلا أنه ينبغي توخّي الحذر عند تقدير هذا الأثر الإيجابي؛ إذ إن القدرات المحدودة لإفريقيا في إضافة القيمة وضعف قاعدتها الصناعية يعنيان أن المكاسب المحتملة من ارتفاع أسعار السلع العالمية تبقى غالبًا محدودة، وقد يقابلها في كثير من الأحيان ارتفاع معدلات التضخم، وضعف العملات المحلية، وارتفاع تكاليف الواردات[5].
– توترات أسواق المال الإفريقية: مع تصاعد التوتر في 13 يونيو 2025، شهدت معظم الأسواق الناشئة — ومن بينها بعض البورصات الإفريقية — موجة محدودة من التراجع نتيجة ارتفاع مستوى القلق العالمي، خاصةً في البورصات الأكثر انفتاحًا على الاستثمارات الأجنبية، مثل بورصة جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا بحكم ارتباطها الوثيق بأسواق المال العالمية مع ضعف عملتها وارتفاع عوائد سنداتها السيادية طويلة الأجل (ولا سيما سندات عام 2035) بنحو 16.5 نقطة أساس، مما يشير إلى تزايد المخاطر السوقية[6].
كذلك سجّل المؤشر العام لبورصة نيجيريا (NGX All Share Index) انخفاضًا طفيفًا في أول جلسة تداول عقب انتشار الأخبار، بنسبة تراوحت بين 0.9% و1.2%، مدفوعًا بخروج بعض رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل، والتي تميل عادةً إلى البحث عن أصول أكثر أمانًا في ظل التوترات الجيوسياسية الكبرى. ورغم هذا التراجع، فقد استفادت هذه البورصات جزئيًا من توقعات زيادة الإيرادات النفطية. ويظل الأثر الفعلي مرهونًا بمدى استمرار الحرب وتداعياتها على أسواق الطاقة.
ثانيا- التداعيات الاقتصادية غير المباشرة:
– التضخم فى إفريقيا : أثرت الحرب بشكل غير مباشر على ارتفاع معدلات التضخم في معظم دول إفريقيا، ولا سيما في الدول المستوردة للنفط والوقود، نتيجة الزيادة في أسعار الطاقة وتكاليف النقل وبالتلى انعكاسات كبيرة على أسعار السلع الغذائية المستوردة. ومن المتوقع أن يؤدي استمرار الصراع بين إسرائيل وإيران إلى تفاقم هذه الضغوط، إذ تُظهر تحليلات شركة FXStreet أن كل زيادة بنسبة 10% في سعر النفط تساهم في رفع معدل أسعار المستهلك بنحو 0.4% خلال العام التالي[7]. ويأتى ذلك فى الوقت الذى تشهد فيه إفريقيا معدلات تضخم مرتفعة نسبيا تصل الى 2.18% لعام 2024 كما هو موضح فى الشكل رقم (2).
شكل رقم (2) : تطور معدلات التضخم فى إفريقيا خلال الفترة (1980 ، 2024)

Source :IMf , Inflation rate, average consumer prices, 2025 , available at: https://www.imf.org/external/datamapper/PCPIPCH@WEO/SSA/AFQ
وبحسب تقديرات مؤسسات بحثية مثل البنك الإفريقي للتنمية وصندوق النقد الدولي، قد يرتفع معدل التضخم في بعض الدول الإفريقية بما يتراوح بين 0.5 و1.5 نقطة مئوية خلال النصف الثاني من عام 2025 إذا ظلت أسعار النفط مرتفعة. ولا شك أن مدى هذا التأثير سيعتمد على تطورات الصراع واحتمالية تعطُّل إمدادات الطاقة أو خطوط الشحن الحيوية. وتشير تقديرات «كابيتال إيكونوميكس» إلى أنه في حال ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة معدل التضخم بنسبة 1% في الاقتصادات المتقدمة، مما يزيد من صعوبة جهود البنوك المركزية الرامية إلى خفض أسعار الفائدة. وهو ما تنعكس أثاره على اقتصادات إفريقيا أيضا[8] .
ويمثل ارتفاع أسعار النفط، خاصة إذا تعطلت حركة الملاحة في مضيق هرمز أو طرق التجارة في البحر الأحمر، تهديدًا كبيرًا للاقتصادات الهشة مثل: السودان وإثيوبيا والصومال، التي قد تواجه صدمات تضخمية حادة في واردات الغذاء والطاقة. ووفقًا لصحيفة «The Punch» النيجيرية، ارتفعت أسعار البنزين المحلية إلى أكثر من 900 نيرة نيجيرية (حوالي 0.58 دولار أمريكي) للتر، وسط مخاوف من انقطاع إمدادات النفط العالمية بعد ساعات من اندلاع الصرا بين ايران واسرائيل[9].
أما في غانا التى تعتمد على استيراد معظم احتياجاتها من المنتجات النفطية المكررة من الأسواق الدولية، ولا سيّما من أوروبا وبعض دول الخليج، لتلبية الطلب المحلي على الوقود والنقل وتوليد الكهرباء. ومن المتوقع أن يؤدي أي ارتفاع جديد في أسعار النفط إلى زيادة تكاليف الاستيراد، ما يفاقم الضغوط على العملة الغانية مقابل الدولار. وحتى مع بقاء سعر صرف السيدي مستقرًا نسبيًا، يُرجّح أن ترتفع أسعار الوقود محليًا بنسبة تتراوح بين 5% و7% خلال أسبوعين[10] .
– اضطرابات التجارة: أسهمت سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي تمثّلت في فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات إلى الولايات المتحدة، في إحداث اضطرابات واسعة في حركة التجارة العالمية وإثارة حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين. وقد أدت هذه الرسوم إلى زيادة كبيرة في التكاليف التي يتحمّلها المستهلكون والشركات، ما ساهم في تباطؤ النشاط الاقتصادي على مستوى العالم.
ومع اندلاع المواجهات بين إيران وإسرائيل، تزايدت المخاوف بشأن تأثير هذه التطورات على طرق التجارة الدولية، وما يصاحب ذلك من ارتفاع تكاليف النقل والشحن والتأمين. وقد أعلنت إيران، يوم الأحد 22 يونيو 2024، إغلاق مضيق هرمز الذي يمرّ عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، أي ما يعادل قرابة 18 إلى 19 مليون برميل يوميًا، وفقًا لتقديرات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA). .
ومن المرجّح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط الناتج عن ذلك إلى زيادة الأعباء على الدول الإفريقية المستوردة للغذاء والوقود، خاصةً تلك التي تعتمد على طرق الشحن المارة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وذلك بعد أن شهد البحر الأحمر في الآونة الأخيرة هجمات متكررة من قبل الحوثيين على السفن التجارية.[11]
وتُعد بعض الدول الإفريقية من بين الأكثر تضررًا من هذه الاضطرابات، مثل جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، السودان والصومال، إذ تجد هذه الدول نفسها في وضع حرج نتيجة اعتمادها على الموانئ المطلة على البحر الأحمر (مثل ميناء بورتسودان وميناء جيبوتي)، التي ترتبط تجاريًا بالطرق البحرية القادمة من الخليج وآسيا.
فعلى سبيل المثال، تُعد إثيوبيا دولة غير ساحلية وتعتمد اعتمادًا شبه كامل على ميناء جيبوتي كمنفذ رئيسي للصادرات والواردات، ما يجعلها أكثر عرضة للتأثر في حال تعطل حركة السفن في البحر الأحمر والخليج. قد تواجه الموانئ مثل ميناء مومباسا أو ميناء دار السلام تأخيرات أو زيادة في تكاليف التأمين والشحن. بسبب ارتفاع أسعار الشحن والطاقة[12].
وفقًا لقاعدة بيانات حول التجارة الدولية، قُدّرت صادرات كينيا إلى إيران بنحو 46.03 مليون دولار أمريكي خلال عام 2023، بينما قُدّرت قيمة الواردات منها بنحو 28.45 مليون دولار أمريكي، مما يُشير إلى مكانة إيران البارزة في التجارة الدولية. ومع ذلك، واجه المزارعون الكينيون في الماضي صعوبات في سداد مستحقاتهم في الوقت المحدد، نظرًا لاستبعاد إيران من نظام الدفع الدولي الذي تُسيطر عليه الولايات المتحدة. وسيُضعف الصراع سلسلة التوريد في السوق الدولية ويؤثر على أرباح المزارعين”. وخفضت مصانع الشاي الصغيرة مدفوعاتها للمزارعين بسبب انخفاض الأسعار في مزاد مومباسا، حيث يُقدّر أن هناك 119 مليون كيلوغرام من الشاي غير مُباع بسبب وفرة السوق، على الرغم من زيادة الإنتاج. وهناك مخاوف من أن تظل الأسعار العالمية للسلعة منخفضة، حيث تُهدد الحرب الإسرائيلية الإيرانية بزيادة تعقيد وضع السوق.[13]
أما جنوب إفريقيا، فتُعد من أكبر مستوردي النفط ومشتقاته رغم امتلاكها إنتاجًا محليًا محدودًا، لذا فإن ارتفاع أسعار الطاقة سيزيد من تكاليف النقل ويؤثر على قطاعاتها الصناعية، وخاصة صادرات السيارات. وفيما يخص نيجيريا، ورغم كونها من أبرز المنتجين للنفط في إفريقيا، إلا أن أي اضطراب في مسارات الشحن العالمية قد يربك خطط تصدير الخام ويُحدث تحديات في تأمين واردات بعض المنتجات النفطية المكررة التي لا يغطيها إنتاجها المحلي بشكل كافٍ[14].
الأمن الغذائى: وفقًا لتحليلات بنك التنمية الإفريقي (AfDB)، فإن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء في إفريقيا بمعدل يتراوح بين 0.3% و0.5% خلال فترة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر، وذلك بسبب زيادة تكاليف النقل والطاقة المستخدمة في الزراعة[15]. وتُعدّ معظم الدول الإفريقية مستوردة صافية للحبوب والزيوت الغذائية؛ إذ تستورد القارة أكثر من 85% من احتياجاتها من القمح، بينما تمرّ معظم هذه الشحنات عبر البحر الأحمر وقناة السويس. وتعتمد منطقة شرق إفريقيا وحدها (الصومال، إثيوبيا، كينيا، جيبوتي) على الموانئ القريبة من مناطق التوتر (باب المندب والبحر الأحمر) لتلبية أكثر من 70% من وارداتها الغذائية. وتشير التقديرات إلى أن معدل التضخم الغذائي في دول شرق إفريقيا قد يرتفع بنسبة تتراوح بين 1% و1.8% إذا استمرت أزمة الشحن وارتفاع أسعار النفط حتى نهاية الربع الثالث من عام 2025. وتُعدّ غانا ونيجيريا وكينيا من بين أكثر الدول الإفريقية عرضة لتأثيرات ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة.[16]
ثالثا– العلاقات الاقتصادية بين إيران وإفريقيا:
تُوظَّف العلاقات الاقتصادية أحيانًا كأداة سياسية من قِبل طهران لتعزيز نفوذها الدبلوماسي في إفريقيا. فعلى الصعيدين الاقتصادي والتجاري تحديدًا، لا يُعد حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الإفريقية كبيرًا مقارنةً بتجارة إفريقيا مع أوروبا أو الصين أو الولايات المتحدة؛ إذ بلغ إجمالي صادرات إيران إلى إفريقيا ما بين 1 و1.5 مليار دولار سنويًا خلال الفترة من 2021 إلى 2023، وارتفع ليصل إلى نحو 3 مليارات دولار حتى مارس 2025. أمّا واردات إيران من إفريقيا فهي محدودة للغاية، وتتركّز في المواد الخام وبعض المنتجات الزراعية مثل الشاي المستورد من كينيا.
وبسبب محدودية حجم هذه العلاقات التجارية، فإن التأثير المباشر للحرب على اقتصادات الدول الإفريقية يُتوقع أن يكون محدودًا نسبيًا مقارنةً بتأثيرات ارتفاع أسعار النفط العالمية أو اضطرابات الشحن البحري. وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات دقيقة حتى الآن حول مدى تأثر هذه العلاقات بالحرب، فإن الشواهد التقديرية تُشير إلى أن إغلاق مضيق هرمز قد يُعيق النمو المتوقع للتبادل التجاري، لا سيّما في القطاعات التي تعتمد على السلع البترولية وخدمات التأمين والشحن البحري.[17]
وقد سعت إيران إلى توسيع حضورها الاستثماري في بعض الدول الإفريقية، خاصةً في مجالات الطاقة (كمشروعات صغيرة للتكرير أو إنشاء خطوط توزيع الغاز) والبنية التحتية (الكهرباء والمياه). إلا أن أي تصعيد عسكري واسع النطاق من شأنه أن يزيد من عزلة طهران دبلوماسيًا، ويقلل من قدرة شركاتها على إبرام عقود جديدة في إفريقيا، وقد يؤدي إلى تعطيل أو تأجيل بعض المشروعات القائمة؛ وبالتالي، يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية بين إيران وإفريقيا تظل محدودة الحجم لكنها ذات بُعد سياسي واستراتيجي، وقد تتأثر سلبًا إذا استمرت التوترات العسكرية[18].
رابعا – كيف يمكن لإفريقيا الحد من تداعيات الصدمات الاقتصادية؟
– التحوّط من تقلبات أسعار النفط والطاقة: وذلك من خلال تنويع مصادر واردات الطاقة، وتوقيع عقود طويلة الأجل بأسعار ثابتة قدر الإمكان، إضافة إلى زيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة والمتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد، وتعزيز مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي من النفط والغاز.
– حماية الأمن الغذائي: عن طريق تحسين قدرات التخزين المحلي للسلع الغذائية الأساسية، ودعم الإنتاج الزراعي المحلي من خلال تقديم الحوافز والتمويل والإعفاءات الضريبية، إلى جانب تشجيع التعاون الإقليمي في تجارة الأغذية لتخفيف أزمات الإمدادات.
– تعزيز الاستقرار المالي والنقدي: وذلك من خلال تبني سياسات مالية مرنة تستوعب الصدمات المفاجئة في أسعار السلع الأساسية، ومراقبة أسعار الصرف، وتوفير احتياطيات كافية من العملات الأجنبية لتغطية واردات الطاقة والغذاء، إضافة إلى التنسيق مع البنوك المركزية لضبط معدلات التضخم وأسعار الفائدة عند الضرورة.
– تأمين طرق التجارة والموانئ: من خلال تعزيز التعاون الأمني مع دول الجوار لضمان أمن الموانئ وخطوط الشحن، خاصة في البحر الأحمر وباب المندب، فضلًا عن تطوير البنية التحتية للنقل البري وخطوط السكك الحديدية لتقليل الاعتماد على الممرات المائية المعرضة للمخاطر.
– تفعيل الأطر الدبلوماسية والتعاون الدولي: عن طريق العمل ضمن إطار الاتحاد الإفريقي والتكتلات الاقتصادية الإقليمية للضغط من أجل التوصل إلى حلول سلمية للصراع في الشرق الأوسط، والانخراط مع الشركاء الدوليين لتأمين مساعدات عاجلة في حال ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بشكل حاد، إضافة إلى تنويع الشركاء التجاريين لتقليل تأثير الأزمات الإقليمية على التجارة الإفريقية.
– إعداد خطط طوارئ لمواجهة الأزمات: وذلك من خلال وضع سيناريوهات استجابة فعّالة تتضمن توجيه الدعم للفئات الأكثر تضررًا، وتطوير نظم إنذار مبكر لرصد أسعار الطاقة والغذاء واتخاذ إجراءات احترازية سريعة، فضلًا عن تحفيز القطاعات الإنتاجية البديلة التي قد تستفيد من التغيرات الجيوسياسية، مثل قطاع التصدير الزراعي والصناعات الاستخراجية.
خاتمة:
لا شك أن اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل ألقى بظلاله الثقيلة على النظام الاقتصادي والأمني العالمي، ولم تكن إفريقيا بمنأى عن هذه التداعيات. إذ أسهم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط في رفع أسعار الطاقة والشحن والتأمين، ما زاد الأعباء المالية على معظم الدول الإفريقية المستوردة للنفط والسلع الأساسية. كما تسببت اضطرابات طرق التجارة، خاصة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، في تعقيد حركة السلع ورفع تكاليف النقل.
ورغم أن التأثير المباشر للعلاقات الاقتصادية مع إيران يظل محدودًا مقارنةً بتأثير أسعار الطاقة وحركة التجارة، فإن التداعيات غير المباشرة للحرب تفرض تحديات إضافية أمام جهود التنمية ومكافحة التضخم وحماية الأمن القومي في دول القارة. لذا يتطلب الموقف مزيدًا من اليقظة والتنسيق الإقليمي والدولي لتقليل الأضرار ودعم اقتصادات إفريقيا في مواجهة هذه الصدمات الخارجية المتجددة. خاصة أنه في حال استمرار الحرب أو تصاعدها ستتفاقم نقاط الضعف الاقتصادية في إفريقيا – وخاصة في مجالي الطاقة والتجارة. وقد يتغير التوازن الدبلوماسي بين الدول المؤيدة لإيران وتلك المؤيدة لإسرائيل.وقد يزداد النشاط المسلح بالوكالة في المناطق الإفريقية غير المستقرة.من المرجح أن تُكثّف كلٌّ من إسرائيل وإيران جهودهما لكسب حلفاء في جميع أنحاء القارة، مما يُمهّد الطريق لمرحلة جديدة من التنافس الجيوسياسي في إفريقيا.
وللتخفيف من التداعيات الاقتصادية للصراع الإيراني الإسرائيلي، يجب على الدول الإفريقية اغتنام الفرصة لتعزيز التعاون الإقليمي وتنويع اقتصاداتها. كما ينبغي على إفريقيا مواصلة الاستثمار في التجارة البينية الإفريقية من خلال منصات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، حتى تتمكن القارة من تقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية “العرضة” للصراعات العالمية. إن تعزيز قطاعات مثل الزراعة والتصنيع والطاقة المتجددة لن يعزز الاعتماد على الذات فحسب، بل سيوفر أيضًا حاجزًا ضد ارتفاع أسعار السلع العالمية وانقطاعات سلاسل التوريد. من خلال الشراكات الاستراتيجية، يمكن لأفريقيا بناء مرونة اقتصادية، مما يضمن الحد من تأثير الصراعات الخارجية على استقرارها الاقتصادي الداخلي.
وختاما ، يمكن القول بأن مع تصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، تجد إفريقيا نفسها عالقة في رياح حرب بعيدة أخرى ذات عواقب وخيمة. ورغم أنها ليست طرفًا مباشرًا، إلا أن القارة تعاني بالفعل من صدمات اقتصادية وسياسية وأمنية – من ارتفاع أسعار النفط وضعف العملات إلى تزايد الضغوط الدبلوماسية وعدم الاستقرار الوشيك في الدول الهشة.
………………………………………….
[1]) Zaelnoon Suliman , “Israeli-Iranian Escalation Disrupts Africa: Spike In Energy Prices And Erosion Of Iranian Influence ” , Progress Center For Policies. , Jun 17, 2025, available at: https://www.arabprogress.org/en/israeli-iranian-escalation-disrupts-africa-spike-in-energy-prices-and-erosion-of-iranian-influence/
[2]) Sheriff Bojang Jnr , “As Israel bombs Iran, Africa feels the blowback ” , The Africa Report , June 13, 2025 , available at : https://www.theafricareport.com/386095/as-israel-bombs-iran-africa-feels-the-blowback/
[3]) Hammed J. Sulaiman , “Iran-Israel conflict: What are the implications for Africa?” , AAfrica Qiraat , October 9, 2024, available at: https://qiraatafrican.com/en/13697/iran-israel-conflict-what-are-the-implications-for-africa/
[4]) Ashitha Shivaprasad and Sarah Qureshi , “Gold advances as Israel-Iran escalation fuels safe-haven bids” , Rueters , June 13, 2025, available at: https://www.reuters.com/world/china/gold-tops-1-month-high-middle-east-tensions-spur-safe-haven-demand-2025-06-13/
[5]) Africa Briefing Magazine , “Africa pays price for Iran–Israel war ” , JUNE 18, 2025, available at: https://africabriefing.com/africa-iran-israel-war-impact/
[6]) Sheriff Bojang Jnr , Op.cit.
[7] ) Nik Martin , “Oil prices soar as Iran-Israel tensions shake global economy”, Deutsche Welle , 06/13/2025, available at: https://www.dw.com/en/iran-israel-attacks-oil-global-economy-financial-markets-trade/a-72892747
[8] ) Lucy Hooker , ” How the Israel-Iran conflict could affect energy prices”, BBC News , 21 June 2025 , available at: https://www.bbc.com/news/articles/cg5vr2rvzg4o
[9]) The New Arab , “Explainer: How did Africa respond to the Iran-Israel conflict? 18 June, 2025, available at: https://www.newarab.com/news/explainer-how-did-africa-respond-iran-israel-conflict
[10]) Africa Briefing Magazine, Op.cit.
Sheriff Bojang Jnr ,Op.cit. “–
[11]) Ron Bousso , Op.cit.
[12]) The Guardian , “Trump claims EU is not offering a fair trade deal; Reeves pitches UK as ‘oasis of stability’; oil climbs as shares fall – as it happened” , Tue 17 Jun 2025, available at: https://www.theguardian.com/business/live/2025/jun/17/fuel-oil-tanker-rates-surge-middle-east-crisis-worries-markets-israel-iran-business-live
[13]) BARNABAS BII,” Israel-Iran war: Kenya tea exporters caught in the crosscurrents “June 19, 2025, available at: https://www.zawya.com/en/economy/africa/israel-iran-war-kenya-tea-exporters-caught-in-the-crosscurrents-ipyhiqb2
[14] ) Sheriff Bojang Jnr,Op.cit.
[15]) African Development Bank Group , AFRICAN ECONOMIC OUTLOOK 2024 , (Abidjan : AFDB , 2025) , PP.3-6.
[16]) The World Bank , “Enhancing Food and Nutrition Security in the Sahel and Horn of Africa” , JANUARY 4, 2024, available at: https://www.worldbank.org/en/results/2024/01/04/enhancing-food-and-nutrition-security-in-the-sahel-and-horn-of-afe-africa
[17]) Mehr News Agency , Iran, Africa trade exchange value to hit $5bn by 2025: TPOI , Jun. 11.2025, available at: https://en.mehrnews.com/news/187808/Iran-Africa-trade-exchange-value-to-hit-5bn-by-2025-TPOI And : – Iran Chamber of Commerce , “Iran’s trade with Africa set to hit $3 billion by fiscal 2024-25: Official” , 16 July 2023 , available at: https://en.otaghiranonline.ir/news/44856
[18]) Mehr News Agency , Op.cit.
*الكاتبة: أستاذ الاقتصاد المساعد في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة.