مسرحية “المثلث المضحك .. المبكي”

آخر تحديث : الأربعاء 25 يونيو 2025 - 1:09 صباحًا
بقلم: د. وجدي صادق
بقلم: د. وجدي صادق

ما نشهده منذ عقود ليس صراعاً جاداً ولا نزاعاً وجودياً، بل مسرحية رديئة الإخراج، مكشوفة الحبكة، ممجوجة التكرار، يؤديها ثلاثي ساخر: (الأمريكي، الإسرائيلي، والإيراني). مثلث قائم على إستهبال جماعي، يتقن تمثيل العداء العلني بينما يتقاسم الكواليس تحت الطاولة.

مسرحية تستخف بعقول الشعوب، وتستغفل التاريخ، وتسخر من حاضرنا على مرأى ومسمع الجميع… للأسف الأنظمة العربية والإسلامية واقفة على الأطراف، تؤدي دور “شاهد الزور” بإحتراف مريب… أمريكا، كالعادة، تدخل بكل وقاحة في دور “المنقذ”، تحمل شعارات “الحرية والديمقراطية” في يد، وفي اليد الأخرى عقود السلاح، وصفقات النفط، وخطط تقسيم وتفكيك.

لا تكاد تُكمل جملة عن حقوق الإنسان، حتى تُشعل حرباً في دولة ما، ثم تخرج منها بأعذار مختلقة وإبتسامة صفراء. تقول لإيران “أنتِ محور الشر”، ثم ترفع عنها العقوبات حيناً، وتعقد معها صفقات تحت الطاولة حيناً آخر، كل شيء قابل للبيع والشراء، حتى الكرامة….. أما الكيان الإسرائيلي، فهو أكثر المتفرجين وقاحة، يدّعي أنه تحت التهديد الوجودي كل صباح، ثم يُمارس الإبادة كل مساء، بدعم كامل من أمريكا، وصمت مطبق من “عدوه المفترض” إيران. تهديدات متبادلة؟ نعم. قصف حقيقي؟ لا. كل شيء محسوب بدقة.

طائرات تقصف في سوريا، وضربات “مجهولة” هنا وهناك، وبيانات نارية تملأ الإعلام… ولا شيء يتغيّر. فقط المزيد من التدمير للمنطقة، والمزيد من الأرباح لهذا الكيان…. وإيران؟ ما أدراك ما إيران! بطلة الشعارات، وسيدة الميكروفونات، صراخها اليومي ضد “الشيطان الأكبر” و”العدو الصهيوني” لا ينقطع، ومع ذلك تقصف تل أبيب بِحبكة مدروسة متفق عليها هذا المثلث الكاذب والمنافق، بل تستثمر في وكلاء هنا وهناك، وتجعل من القضية الفلسطينية مادة دعائية، ومن الشيعة في المنطقة أدوات تنفيذية في لعبة المصالح، لا أكثر.

تقول إنها ضد أمريكا، ثم تتفاوض معها تحت الطاولة في فيينا. تقول إنها تدعم المقاومة، ثم تسكت عند الحاجة، وتتحرك فقط بما لا يُزعج التنسيق الأكبر…. أما المأساة الحقيقية، فهي في مشهد الأنظمة العربية والإسلامية، تلك التي أختارت أن تكون إما كومبارساً صامتاً، أو طبّالاً يُمجّد هذا الطرف أو ذاك. لا موقف واضح، ولا كرامة محفوظة، ولا حتى وهم السيادة.

أنظمة تصطف للتطبيع العلني مع القاتل، أو التوسل للقاتل الآخر علّه يرضى. تدين الهجمات، وتستنكر القصف، ثم توقّع صفقات دفاعية مع من يقصف. تتحدث عن السيادة، وتسلم قواعدها للأجنبي. تتحدث عن الدين، وتترك شعوبها تُذبح في فلسطين وسوريا واليمن والعراق ولبنان… لذا. ما يجري ليس صراع قوىٰ، بل إتفاق قذر على إستنزاف هذه المنطقة، وقتل ما تبقّىٰ من وعي فيها. ثلاثي يلهو ويتلاعب بنا، كلٌ يلبس القناع الذي يناسب لحظته، والأنظمة شهود زور، لا بل شركاء جريمة، يبرّرون الكذب، ويموّلون الخراب، ويُسكتون شعوبهم بكل أدوات القمع. المأساة أن كثيرين ما زالوا يصدقون هذه المسرحية… يصفقون لعداءٍ زائف، ويهتفون لحربٍ وهمية، بينما اللصوص يتقاسمون الغنائم خلف الستار…. وفي النهاية، لا يبدو أن أحداً من هذا الثلاثي يضحك علينا… بل هم يضحكون علينا جميعاً، لأننا لا زلنا نتابع المسرحية، ونتجادل حول من يمثل بصدق!

*كاتب المقال: إعلامي لبناني.

رابط مختصر
2025-06-25 2025-06-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر