شهدت مصر في الأيام الأخيرة عدة حرائق طالت مراكز تجارية ومنتجعات سياحية ومصانع في أكثر من منطقة وعمارات سكنية، وكانت الفاجعة الكبرى هي الحريق الهائل الذي شب في سنترال رمسيس في قلب العاصمة “القاهرة”!!
ولا يزال المشهد آخذا في الاستمرارية الغامضة، فلا معلومات كافية عن أسباب الحرائق، ولا اتهامات موجهة أو حتى مجرد التفكير في البحث عن “متهم”، باستثناء المتهم الدائم “ماس كهربائي” الذي يضحي بنفسه في معظم كوارث الحرائق في بر مصر، متحملا الجريمة بمفرده، وإن كان هو المتهم في بعض الأحيان.
المواطن، لا حول له ولا قوة، يبحث عن المعلومات في وسائل المعلومات، ولا يجدها زاخرة بالمعلومات!!
الحكومة (كان الله في عونها) غائبة عن المشهد، فلا أعضائها على مستوى الحدث من حيث موقع المسؤولية، والحس السياسي، وكذلك الأمني!!
فها هو وزير الاتصالات.. ملأت تصريحاته الأرض والفضاء بأن الاتصالات وسرعة “الإنترنت” قد زادت بعد حادث سنترال رمسيس!
فهل تكون الحرائق سببا فنيا وعلميا لزيادة سرعة وكفاءة الاتصالات؟!!
وها هو رئيس مجلس الوزراء يخرج علينا بعد عودته من الخارج ليبلغنا أن الحريق ليس من تدبير الحكومة حتى تكون حجة لبيع السنترال لأحد المستثمرين الأجانب، موضحا “لو كنت أريد بيع السنترال لقمت ببيعه دون حرقه”، وكأنه يثبت صحة ما تبثه الأطراف المعادية للدولة ونظامها من شائعات وأخبار مغلوطة؛ بهدف إحداث البلبلة والفوضى التي يتمنونها ويرسمونها منذ نجاح ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة “الإخوان المسلمون”!.. وغيرها من تصريحات لا تغني و لا تسمن من جوع من أعضاء الحكومة الفاقدين للحد الأدنى من الحس السياسي والأمني.
لقد سبقت مجموعة الحرائق مجموعة من حوادث السير لمركبات نقل ثقيلة وسيارات لنقل الركاب الذاهبين إلى مواطن عملهم، وكان أشهرها على الطريق الإقليمي الذي حصد عشرات الأرواح خلال هذا الشهر في مشاهد مأساوية أدمت قلوب المصريين جميعهم، وحسرت وأحرقت قلوب ذويهم، وكل ما فعلته الحكومة تعويضات، بعدة مئات من الجنيهات، عن الأرواح التي أزهقت على طرق غابت عنها وسائل الأمان والمراقبة وحلت بدلا منهما عناصر الإهمال الجسيم والخطر المميت.
وعودة إلى الحريق “الكارثة” الذي شب في سنترال رمسيس، ذاك السنترال الذي يعد عقل مصر الإلكتروني، حيث به الجزء الأكبر من شبكات الاتصالات الدولية، والمحلية، وشبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، ما تسبب في شلل كبير في معظم المرافق الحيوية للدولة مثل قطاع الاتصالات، والبنوك، والبورصة، والبريد، وماكينات الصراف الآلي للبنوك، ومصلحة الضرائب (التي أصدرت تعليماتها بتحصيل الموارد المالية “نقدا” من الممولين بالوسائل اليدوية التقليدية القديمة لحين عودة عمل شبكة الإنترنت المرتبطة بسنترال رمسيس أو تحويلها على سنترال آخر، كما احتبست أموال المودعين داخل صناديق ماكينات الصراف الآلي التي تأثرت بعطل سنترال رمسيس.
إن سنترال رمسيس ليس مجرد سنترالا للاتصالات الهاتفية فحسب، ولكنه سنترالا استراتيجيا لوظائفه المتعددة التي تخدم قطاعات الدولة الحيوية، وبالتالي فدوره استراتيجيا، ويعد واحدا من أدوات الأمن القومي للدولة.. نعم، فالاتصالات وكافة وسائل التكنولوجيا والمعلومات وتأمين المعلومات هي وسائل وجدار حماية للأمن القومي لأي دولة؛ نظرا للمعلومات والبيانات المحملة على الشبكات الموجودة في تلك السنترالات أو المؤسسات المعنية بتلك البيانات والحفاظ عليها؛ ولعل هذا ما دفع المستشار محمود فوزي وزير شؤون المجالس النيابية أن يدافع عن الحكومة تحت قبة مجلس النواب، مطمئنا المواطنين بأن الحكومة تحتفظ بنسخة بديلة ومؤمنة من المعلومات التي احترقت في سنترال رمسيس.
إن الأجواء التي يعيشها المصريون حاليا أجواء مضطربة وملبدة بالغيوم، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تتزايد فيها أسعار الأغذية، والأدوية، والمحروقات، والكهرباء، والغاز وكافة مؤن الحياة، وبالرغم من ذلك.. فالوعي لدى المواطن، يجعله يختار التحمل والصبر، في مقابل استقرار وطنه سياسيا وأمنيا، والوقوف إلى جانب قيادته التي صارحته منذ البداية وكشفت له حقائق الأمور بأن التركة ثقيلة وأن الوضع صعبا.
ولكن يعود السؤال المنطقي، إلى متى نتحمل؟.. وهنا يلتقف المخططون والأعداء خيط المؤامرة الذي سيتم نسجه في ليل يخرج من رحمه نهار الفوضى التي يحلم بها أعداء النظام الذين يتصورون أن لهم ثأرا لديه، وآن الأوان لقطفه. غياب المعلومات والشفافية سيجعل الباب مفتوحا للتحليلات والتكهنات طبقا للمؤشرات والمعطيات المتوفرة، بدلا من الإفصاح الواضح والمباشر لتفويت أي فرصة على الأعداء والمخربين الذين ينتظرون الفرصة.. والخوف هنا، من جعل الفرصة سانحة.
لا ينبغي أن تكون الكوارث التي تشهدها البلاد مسرحا يتجاذب أطرافه الاتهامات المتبادلة، أو يلقي كل طرف بما يشتهي سواء كان هدفا مؤصلا ساعيا إليه، أو لدفع شبهات ارتكاب الحدث عن نفسه. الحكومة تتعامل بنفس الطرق القديمة التي سئمت منها الناس؛ بابتعادها عن المواجهة وتقديم الفاعل الحقيقي، وإظهار الحقائق أمام الشعب.. أيضا، هناك المكايدون والمتآمرون الذين يزجون بالحكومة في قفص الاتهام لاصطيادها في أقرب فرصة بالذريعة التي تقترفها أيدي الحكومة، ووقتها يكون الأمر “بيدي لا بيدي عمرو”.. فهل تستدرك الحكومة وتعود إلى رشدها قبل فوات الآوان؟