العملة المحلية وتفكك الهيمنة

آخر تحديث : السبت 26 يوليو 2025 - 4:18 مساءً
بقلم: غازي السميري
بقلم: غازي السميري

في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات اقتصادية وجيوسياسية، يتزايد الحديث حول مستقبل النظام المالي العالمي، ومدى قدرة الدول على كسر احتكار الدولار، من خلال استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية. هذا التوجه لم يعد مجرد خيار تقني، بل تحوّل إلى أداة سيادية تعكس رغبة الدول في تعزيز استقلالها المالي وتحرير قراراتها من الهيمنة الخارجية.

العقوبات الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية، والتقلبات الحادة في أسعار العملات الأجنبية، كلها دفعت كثيرًا من الدول نحو البحث عن بدائل أكثر استقرارًا. وهنا يبرز استخدام العملة المحلية كوسيلة لتقليل الاعتماد على الدولار أو اليورو، خاصة في ظل صعود قوى اقتصادية مثل الصين والهند وروسيا، وسعيها لتوسيع نفوذها عبر اتفاقيات تجارية ثنائية تعتمد على عملاتها الوطنية.

الأمر لا يتوقف عند التبادلات، بل يتقاطع مع طموح بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، لا تحتكر فيه قوة واحدة مفاتيح السياسة والاقتصاد. واللافت أن هذا التوجه بدأ يتشكل فعليًا على الأرض من خلال تكتلات مثل “بريكس”، التي تسعى إلى تعزيز استخدام العملات المحلية وتأسيس نظام مالي بديل أكثر توازنًا. كذلك فإن بعض دول الخليج بدأت تخطو خطوات ملموسة نحو تنويع سلة عملاتها في التعاملات النفطية، وهي خطوة ذات دلالة سياسية واقتصادية عميقة.

وفي المقابل، فإن التلويح المستمر بفرض رسوم جمركية بين بعض الدول الأعضاء في التكتلات الاقتصادية، يفضح هشاشة هذه التحالفات ويؤكد أن المصالح الوطنية ما زالت تتقدّم على الشعارات الجماعية. وهنا تحديدًا تبرز أهمية العملة المحلية كأداة حماية، تُمكّن الدول من المناورة في لحظات التوتر دون الحاجة للرضوخ لشروط أو ضغوط مالية خارجية.

كل هذه التحركات مجتمعة لا تعني بالضرورة نهاية النظام الحالي، لكنها بالتأكيد تشكّل بداية لتحوّل تدريجي نحو واقع دولي جديد، أكثر تنوعًا وتعددًا في مراكز القوة، وأكثر تحررًا من المركزية التقليدية.

*كاتب المقال: إعلامي سعودي وباحث اقتصادي.

رابط مختصر
2025-07-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر