غزّة بين “دايان” و”نتنياهو”

آخر تحديث : السبت 26 يوليو 2025 - 5:53 مساءً
بقلم:  توفيق شومان
بقلم: توفيق شومان

حين طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروعه الخاص بتهجير أهالي قطاع غزّة ونقلهم إلى حيث “العيش الرغيد” في دول عربية أو أعجمية، تجمّدت الدماء في عروق المتابعين من شدّة ما بدا هذا المشروع آتياً من عالم يجاور الخرافة ويتجاوز الخيال، وظهر ترامب في مشروعه ذاك يحاكي في السياسة فِكَراً غرائبية وعجائبية، مثلما كان يفعل الفنّان الإسباني سلفادور دالي في لوحاته، حيث عالم اللامعقول (واللامألوف) يسكن اللوحات المرسومة بفوضى الألوان والنرجسية الفائضة. غير أن مراجعةً لمشروع ترامب تفضي إلى خلاصة مضمونها أن تهجير الغزّيين ليس منتوجاً ذاتياً استحدثه أو أنتجته منظومة أفكاره، بقدر ما هو إعادة إحياءٍ لمشروع كان أطلقه وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشيه دايان، في صيف 1971، أي بعد أربع سنوات من احتلال قطاع غزّة، في 5 يونيو/ حزيران 1967.

وبالعودة إلى تلك الفترة، واستناداً إلى ذاكرة الصحافة العربية، أوردت صحيفة الحياة اللبنانية (20/8/1971) تقريراً موسّعاً جاء فيه “زار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان مدينتَي رفح وخانيونس في قطاع غزّة المحتلّ، وبحث قضية تهجير اللاجئين، وممّا يُذكَر أن 60 عائلة قد نُقلتْ من مخيّم رفح يوم أمس إلى بلدة العريش في شمال صحراء سيناء”، وفي اليوم التالي ذكرت “الحياة” أن الأمين العام للأمم المتحدة، يو ثانت، طالب إسرائيل بوقف حملات التهجير في القطاع.

وتحدّثت صحيفة الأنوار البيروتية (25/8/1971) عن إبعاد آلاف الغزّيين من القطاع، وكتبت: “قامت السلطات الإسرائيلية بإخراج 13 ألف نسمة من سكّان قطاع غزّة، ووضعتهم في معسكرات شبه نازية في عدة أماكن بصحراء سيناء، وذلك ضمن مخطط إجرامي لتهجير سكّان القطاع”، وذكرت (28/81971) أن وزير الخارجية المصرية محمود رياض وجّه مذكّرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “احتجّ فيها بشدّة على الإجراءات الإسرائيلية، وطالب بحماية الشعب الفلسطيني من التشريد ومنع إسرائيل من تفريغ القطاع من السكّان العرب”، ووفقا لما جاء في الصحيفة، في التاريخ نفسه، شنّت الصحافة الإسرائيلية هجمات عنيفة على يو ثانت، واتهمته بأنه من دعاة العودة إلى حُكم “الإرهاب” في قطاع غزّة، بحسب توصيف صحيفة معاريف، فيما ذكرت وكالة يونايتد برس أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت على تهجير 10% من اللاجئين في قطاع غزّة خلال أسابيع فقط.

وفي 26/8/1971، كتبت “الأهرام” المصرية في صفحتها الأولى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي نسفت 1750 منزلاً في مخيَّمَي جباليا والشاطئ، ونقلت عن الحاكم العسكري لقطاع غزّة قوله إن الأهالي الذين نُسفت منازلهم سيُنقلون “إلى أماكن أخرى في شمالي سيناء والضفة الغربية المحتلة”. وتحدّثت صحيفة هآرتس، طبقاً لما جاء في “الأهرام”، عن تهجير 15 ألف لاجئ فلسطيني من مخيّم رفح من أصل 40 ألفاً يقطنونه. وفي اليوم التالي، وفي سياق تسليط الضوء على إدانة الأمين العام للأمم المتحدة مشروع التهجير الإسرائيلي، أعادت “الأهرام” التذكير بأبعاد المشروع، فكتبت: “كانت اسرائيل بدأت منذ فترة، بتنفيذ برنامج مرحلي بهدف تفريغ القطاع من سكّانه، توطئة لتهويده، وخطوة نحو تصفية أهم ركائز القضية الفلسطينية”.

مراجعةً لمشروع ترامب تفضي إلى خلاصة مضمونها أن تهجير الغزّيين ليس منتوجاً ذاتياً استحدثه أو أنتجته منظومة أفكاره

ومن أصداء هذا المشروع في الصحف الأردنية، ما تطرّقت إليه صحيفة الأردن (20/8/1971)، عن زيارة “وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان ورئيس الأركان حاييم بارليف مدينتَي رفح وخانيونس للاطلاع على عملية ترحيل السكّان من هناك، في الوقت الذي بدأت فيه الجرّافات الإسرائيلية هدم عدد كبير من المنازل في مخيّم رفح بحجّة شقّ الطرق لدواعي الأمن”. وفي صحيفة الدستور (23/8/1971): “تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني تنفيذ مخطّطاتها الإجرامية الهادفة إلى تهجير السكّان العرب من قطاع غزّة المحتلّ إلى أماكن أخرى”. وأدرجت صحيفة الرأي (25/8/1971) تحليلاً موسّعاً، تقاطع مع صحيفة لوموند الفرنسية، تضمّن تفنيد المشروع الإسرائيلي القائم على الضمّ والتهجير، وممّا ورد: “ما تقوم به إسرائيل من أعمال في ثلاثة مخيّمات كبيرة في غزّة، أدّى إلى نقل خُمس السكّان الأصليين من هناك، فهل ترى تحاول السير قدماً في مخطّطها الرامي إلى القضاء على الأغلبية العربية في المخيمات؟”.

وفي الصحف العربية الصادرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، عنونت صحيفة الاتحاد اليسارية (20/8/1971) في صدارة صفحتها الأولى “بعد تقويض مخيّمات غزّة، جاء دور تهجير لاجئي رفح”. وفي التفاصيل “ذكرت المصادر الإسرائيلية أن وزير الدفاع موشيه دايان والقائد العام الجنرال بارليف وقائد منطقة الجنوب الكولونيل أرييل شارون، قد زاروا أمس الأول، خانيونس ومخيم اللاجئين في رفح، فأشرفوا عن قرب على بدء عملية هدم بيوت المخيّم لشقّ الطرق الآمنة وترحيل سكّان المخيمات”. وفي 24/8/1971، أبرزت “الاتحاد” حالة الغضب والاستنكار التي أبدتها مدينة الناصرة، وسائر قرى الجليل، تجاه “هدم مئات البيوت وتشريد آلاف المواطنين من غزّة ورفح وخانيونس”.

استحضار هذه الشهادات ومقارنتها مع الأفعال الإسرائيلية بإسقاط وساطات وقف حرب الإبادة على قطاع غزّة، تجعل من اليقين عدم قابلية حكومة بنيامين نتنياهو لكبح جماح الحرب، ففي أحيان تبرز خرائط الانسحاب سبباً لإجهاض الوساطات، وفي حين يعلو الخلاف حول عدد الأسرى المفترض إطلاق سراحهم، وفي كل مرّة تتقدّم مهلة الهدنة حجّةً تتوارى معها جهود الوسطاء، وفي كلّ مرة لا تعطي إسرائيل التزاماً بوقف مستدام للحرب. وعلى ذلك، هل يبقى أمل ورجاء؟

*كاتب المقال: كاتب وصحفي لبناني.

رابط مختصر
2025-07-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر