هل قـوّةُ لبنان بسلاحِه …؟

آخر تحديث : السبت 26 يوليو 2025 - 4:27 مساءً
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

لم يكنْ من الضروري أن نقدّمَ الحلوى ضيافةً للموفد الأميركي :”توم بارّاك”، لعلّ العينَ تستحي وتغضُّ النظرَ عن السلاح ، لأن لبنان ليست قوّتُـه بسلاح المسيّرات بل بسلاح الحضارات .

ثمَّ ، لو أنّ السلاح هو الذي يحمي الدول من الخطر الوجودي ، لكان وجود ما يزيد على مئتي دولة في العالم مهدّداً بالخطر ، ولكان في مقدور بعض الدول الكبرى أنْ تحتلّ سائر دول الأرض وتزيلها من الوجود .

يقولون : “هناك ثلاثة أخطار حقيقية على لبنان : الخطر الإسرائيلي ، والطغيان الأميركي ، والأدوات الداعشية …”

ولكن ، من أجل إزالة الخطر الإسرائيلي الوجودي يقتضي إزالة إسرائيل من الوجود ، ولا بـدّ كذلك من مواجهة الطغيان الأميركي بالطغيان اللبناني ، ولو أنّـنا نملك هذه القوة النارية الطاغية ، لما وافقنا على وقف النار ، لوقف طغيان التدمير والتهجير والإغتيالات فوق الأرض وتحت الأرض .

أمّـا خطر “الأدوات الداعشية” فإنّـه أكثر ما يستهدف المسيحيين كمثل تفجير كنيسة مار الياس في دمشق … وهل هذا يعني أنّ على المسيحيين أنْ يمتلكوا السلاح من أجل الدفاع عن وجودهم من الداعشية …؟

هذا مع العلم ، أنّ أيَّ خطرٍ وجودي على طائفة في لبنان هو خطرٌ على كلّ لبنان وعلى كيانه الوجودي .

إذا كان من شأن كلّ طائفة أنْ تدافع عن نفسها بسلاحها ، فيحلّ سلاحُها محلّ السلاح الشرعي للدولة ، فقد تتحوّل الدولة إلى مجموعات عشائرية متضاربة، وعلى المجلس النيابي إذْ ذاك أن يعدّل الدستور ، وعلى رئيس الجمهورية أنْ يعدّل خطاب القسم ، وعلى الحكومة أن تتخلّى عن بيانها الوزاري ، ليصبح الخطر الوجودي لكلّ طائفة يترنّح بين الوجود والعدم .

في كتابـهِ : “الوجود والعدم “يرى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر” : “أن الوجود هو وجود إنساني قبل كل شيء ، يتحّرك فيه الإنسان عبر إمكاناتٍ تجعل الأفعال ممكنةً ، فلا جبْـرَ ولا إكراه ولا وجود لإرادتين بل لمشيئةٍ واحدة …”

القول : إنَّ قـوةَ لبنان في ضعفـهِ لا يعني الإستسلام والتخلّي عن سلاحه المقاوم ، بل هو يمتلك السلاح الأمضى لمبارزة إسرائيل بتفوّق ، إنّـه السلاح الحضاري والسياسي والسياحي والتجاري والخدماتي والثقافي والإعلامي والديمقراطي والإنفتاح على العالم بصيغة مثالية تسفّهُ العنصرية الصهيونية . إنـه سلاح اللّوبي اللبناني في المغتربات الذي بات يحتلّ مركزاً مرموقاً مؤثِّـراً في قرارات الأمم بما ينافس اللّوبي الصهيوني ويخلع الستائر التي تغطّي به إسرائيل جرائمها الوحشية ضـد إنسانية الإنسان .

أليس أنّ المغترب اللبناني “توم بارّاك” : هو الذي يتولّى المفاوضات في سوريا ولبنان باسم أميركا …؟

والمغترب اللبناني مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا ، مكلفٌ معالجةَ الأوضاع القائمة فيها ، ومن أمثالهما هناك في المغتربات ألوف من اللبنانيين البارزين .

في الملمَّات الكبائر لا بـدّ من إيقاظِ العقل عندما يكون راقداً على فراش الموت السريري .

وفي ملمّات حرب 1975 وجّـه الإمام موسى الصدر نـداءً إلى العقل “وشنَّ حملةً على السلاح الذي يستعمله المواطن بصورة وحشية ضـدّ مواطنيه ، والذي يعرّض الأمـة والوطن للإنفجار …” مجلة الحوادث : 11/7/1975 .

وعن الشرعية قال الإمام : لا حـلّ في لبنان إلاّ بإقامة الشرعية ، ولا شرعية إلا بتذويب الدويلات أياً كانت صيغتُها …” 30/7/1978 .

ثم راح الإمام الصدر يـؤنّب اللبنانيين الذين يتخلّون عن الوطن ويعرِّضونه للخطر فقال : “تركتم الوطن الفريد من نوعه والذي لا نملك غيره … هذه الأرض التي تعكس السماء ، وهذه الجغرافيا التي تمثلّ التاريخ وامتدّت إلى العالم كلّه فتبَلْورَ العالم منها …” 7/1/1976 .

لعلّ أبـرز المحن التي حلّتْ بلبنان ، هو هذا الهبوط في مستوى كبار الرجال أمثال الإمام موسى الصدر ، الذي كان إماماً لكل اللبنانيين ، وإماماً للبنان الوطن … أولئك الرجال الذين أنقذوا لبنان من خطر الفتوحات ، وحقّقوا وجوداً لبنانياً ضارباً في العالم ، ووجوداً حضارياً في التاريخ .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2025-07-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر