قادتني الأقدار( والأسباب عائلية بالأساس )منذ فترة من شمال أفريقيا ومن — عروس المتوسّط تونس الخضراء – تحديدا إلى بعض دول أوروبّا ( فرنسا – ألمانيا والبرتغال ) وشاءت ذات الأقدار أن أزور عدّة مناطق ومقاطعات ومواقع … في الحقيقة ،كان ذلك من حسن حظّي ،إذ خوّلت لي هذه الجولات أن أسجّل بعض الملاحظات وأقارن بين هذه الدّول الأوروبّية فيما بينها ثم فيما بينها وبين تونس العزيزة وهذه المقارنات ليست بهدف إبراز أيّها الأفضل أو الأجمل بقدر ما كانت ملاحظات توثّق نقاط التّشابه والتّقارب ومجالات الاختلاف والتمايز بينها جميعا.
محطة ألمانيا


كانت أوّل سفرة إلى ألمانيا وهي دولة تتكوّن من عدّة مقاطعات كما تعلمون وقد تمكّنت من زيارة مقاطعتين الأولى كانت أقرب إلى هولندا والثّانية أقرب إلى التّشيك وأوّل ما شدّ انتباهي في ألمانيا أمران غاية في الأهمّية؛ أوّلهما مستوى النّظافة والعناية بالبيئة بما يدعو إلى الإعجاب الشّديد وطرح ألف سؤال فيما بعد عن حجم الاستهتار بالبيئة في البلدان المصنّعة او الدّول النّامية ، وثانيهما تقديس العمل عند المواطن الألماني و الأجانب الذين قُدّر لهم أن يقيموا فيها ويتطبّعوا بطباع أهل البلد.
فما رأيته هناك يعكس نتائج ذاك التّقدير المستحقّ لقيمة العمل على مستوى العيش عموما وعلى الجمال المعماري وحجم التّنظيم والعمل البلدي وجدواه … وهذا الأمر يبدو جليّا لمن يزور ألمانيا أمثالي ويشهد على مستوى العيش هناك وحفظ كرامة الإنسان.
لقد ساعدت سياسة الضّرائب والخطايا على توفير التّمويلات الكافية لإرساء هذا النّظام الصّارم فالمواطن الألماني اوالأجنبي على ّالسّواء يدرك أهمية المخالفات التي تمس جيوبهم لذلك تراهم حذرين محترمين للقوانين …
محطة فرنسا


زيارتي لفرنسا جاءت بعد ما أعجبت بألمانيا تنظيما ونظافة لأسجل انطباعا مخيبا لآمالي بمستوى النّظافة ( دون المتوسّط بكثير ) إذ بدا مستوى لا يليق بسمعة مدينة الأنوار حيث ترى الفضلات من ( قوارير مياه ومشروبات وبقايا أكل …) في كلّ مكان وفي قلب باريس حتّى برج ايفل تلك المنارة التي يسعى كل زائر إلى رؤيته تحيط به أشغال أغصان مقطوعة وفضلات تشعرك بالغثيان حتى (–هيبة معلم ال champs élyséen ضاعت وقد تحوّلت إلى شبه سوق يعرض فيه الباعة الأفارقة بالأساس بضاعتهم البسيطة ( حاملات مفاتيح أو بعض التّحف … ) …. يمكن لمن زار فرنسا أن يسجّل إعجابه بما فيها من معالم معمارية ومغازات كبرى ومساحات خضراء ومقاهٍ ومطاعم فاخرة ومحطّات استراحة لمستعملي الطّرقات السّريعة وما فيها من خدمات ولكن يبقى إعتقادي بأنّ الفرق شاسع بين البلدين على أكثر من مستوى.
محطة البرتغال



في ذات السّفرة أخذتني أقدامي إلى البرتغال، ذاك البلد الذي تحتضنك تضاريسه المتنوّعة من الوهلة الأولى تشعر كما لو كنت في تونس الحبيبة بطبيعتها السّاحرة وبدرجة أقلّ على مستوى المعيشة اليومية للمواطن البرتغالي البسيط …منذ أن تطأ قدماك الحدود ترحّب بك غابات مترامية الأطراف ، كثيفة جدّا تشتعل خضرة كما لو كنت في منطقة عين دراهم التّونسية الهادئة …
ّوكلّما توغّلت من شمالها إلى جنوب بضفتيها المتوسطة أو المطّلة على المحيط ترافقك ذات الخضرة والجبال والمناظر الفاتنة والسّواحل الصّخرية والرملية معا وحتى الأزقّة والممرّات الضّيقة والبيوتات المتلاصقة والتي هي خاصيّة معمارية إسلامية مازالت البرتغال محافظة على تفاصيلها …
تتربّع القرى هناك على سفوح الجبال او في السهول بطابعها المعماري الأوروبي وبقرميدها الاحمر أو البني كتلك التي تشدّ انتباهك على جبال طبرقة وعين دراهم وبني مطير في تونس .
البرتغاليون يعتمدون أساسا على الفلاحة مهما كانت مساحة الأراضي المملوكة ، هم فلاحون ممتازون يعشقون الأرض إلى حدّ مذهل يزرعون الحبوب والخضروات والذرة و… ويغرسون الكروم الخّاصة بالخمور والزياتين ثم الاشجار المثمرة كالتفاح والإجاص وعنب الطاولة والتين و…. يعتمدون في غذائهم على ما تنتجه أرض خصبة تعطيهم أضعاف ما يعطونها من عرق ….في هذه النقطة تحديدا يمكن أن تلاحظ تشابها عجيبا بين التضاريس والطقس والأعمال الفلاحية بين البرتغال وتونس حتى على مستوى الحرائق تشهد هذه البلاد حرائق لا تنتهي طيله فصل الصيف كتلك التي تندلع في الشمال التونسي قبل كل موسم حصاد وحتى على مستوى المائدة المائية تلاحظ تشابها يدعو إلى التعجب فعلا ..
.يأكل البرتغالي البسيط بوعي كبير .. غذاؤهم بيولوجي : خضروات أو فواكه ولحوم حمراء وبيضاء وخاصة البطاطا ،هي عندهم أكلة رئيسية يعدونها بأكثر من طريقة … في شمال البرتغال ينتجون الدواجن كثيرا ويستهلكونها يوميا مراوحة مع لحم الخنزير أما في الجنوب حيث صيد الأسماك هو النشاط الأساسي، فلا يمكنك أن لا تتناول أطباقا شهية من السمك وغلال البحر.
هذه أبرز ملاحظاتي التي علقت بالبال خلال زيارتي هذا البلد وقبل ختم المقالة أردت تسجيل نقطتين أراهما غاية في الأهمية وهما ؛ وجود خريطة فلسطين وعلمها في بعض مداخل المدن كتلك التي رايتها في مدخل ( بورتو – porto او في مدخل ( فيزييوViseu).
وهذا يعني ان صدى القضية العادلة قد بلغ مداها في قلوب شعب ينتصر للقضايا العادلة . أما النقطة الموالية فهي أن البرتغاليين على عكس ما وجدته في ألمانيا وفرنسا على السواء من طبع حاد وكِبر واحترام مسافة تفصلهم عن كل أجنبي فالبرتغاليون أكثر مرونة في معاملاتهم وأكثر بساطة ، تلمس ذلك على وجوه الناس جليا من خلال ظواهر عديدة كإلقاء التحية دون تمييز وتبادل المصافحة وحتى الحضن ومشاركتهم الأكل والحديث فيصلك منهم كرم يشعرك بالارتياح.
كانت هذه انطباعات سريعة لا ترقى إلى مستوى البحث أو التقصي بقدر ما هي وقوف عند فوائد السفر التي لا تحصى، وأن معرفة الذات تقتضي معرفة الاخر لنكتشف عيوبها ونقائصنا …فالنفس ميالة للمقارنه عسى أن ندرك ما أفسد.