3- عنقود العنب..الشيخ محمود خليل الحصريّ
لم يكن الشيخ..محمود خليل الحصرى قارئ شهير قد ذاع صيته.لكنه كان صاحب مدرسة فى دولة التلاوة.
أهمّ مايميز تلك المدرسة هو الإتقان الشديد والانضباط الكامل..لذلك كان يعارض بشدة الأداء الطربى للقرآن الذى يقترب من الغناء والطرب. وطوال خمسة وخمسين عاما قضاها فى خدمة القرآن الكريم.أصدر أحد عشر كتابا فى علوم القرآن الكريم وأحكام وتجويد..
وكان له الفضل فى تسجيل المصحف المعلم والمصحف المرتل بأكثر من رواية.فمن هو الشيخ..محمود خليل الحصرى.
*عنقود العنب*
رأى والده رؤيا عجيبة.رأى عنقودا من العنب يتدلى من آخر فقرة من عموده الفِقَرىّ..والنّاس تأتى من كلّ صوب وحدب يأكلون من هذا العنقود المتراكب الحبات وهم يقولون..الله…الله…الله.فسأل أبوه مفسرى الأحلامِ ومؤلى الرؤى عمّا رأى. فقيل له..يُولد لك طفلٌ له شأن عظيم.فكان الشيخ..محمود خليل الحصرى.رحمه الله رحمة واسعة.انتقل أبوه من محافظة الفيوم إلى محافظة الغربية واتخذ من قرية شبرا النمل..مركز طنطا..مستقرا له..وفيها وُلِد الشيخ.محمود خليل الحصرىّ فى أول ذى الحجة عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة الشريفة.١٣٣٥هجرية.الموافق..للسابعَ عشر من سبتمبر عام سبعةَ عشرَ وتسعمائة وألف ميلادية.١٩١٧م..
*سبب تسميته بالحصرىّ*
سُمّىَ الشيخ بالحصرى لما اُشْتُهِر به والده من كثرة التصدق بحصير المصليات والمساجد. التحق بكتاب القرية وهو ابن أربع سنوات..وأتمّ حفظ القرآن وهو فى سنّ الثامنة من عمره.ثمّ التحق بالمعهد الدينى بطنطا..وهو المعهد الأحمدى وكان عمره اثنى عشرَ عاما. طلب علم القراءات على أكابر وشيوخ الأزهر حتى نال شهادة علوم القراءات العشر.عام-١٩٥٨-عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف ميلادية. تقدم للإذاعة المصرية عام-١٩٤٤-عام أربعةٍ وأربعين وتسعمائة وألف مبلادية.وحصل على المرتبة الأولى من بين المتقدمين. عين قارئًا للمسجد الأحمدي بطنطا عام-١٩٥٠-عام خمسين وتسعمائة وألف.ثمّ قارئًا لمسجد سيدنا الحسين..رضى الله عنه.عام-١٩٥٥-عام خمسة وخمسين وتسعمائة وألف ميلادية.
*تمكنه من فنّ القراءة*
تمتع الشيخ الحصرى بجودة الحفظِ وإحكام الأحكامِ وروعة الصوتِ والأداء وتمكنه من القراءات. وللشيخ الحصرى بصمةٌ صوتيةٌ قرآنيةٌ خاصة لم يشابهه فيها أحد. فلاعجب أن يكون شيخ عموم القارئ المصرية.فهو بصوته الهادئ العميق الذى يجذب ملايين المستمعين فى جميع أنحاء العالم..فهو أشهر من قرأ القرآن من حيث الأحكام ومخارج الحروف..نبرة فريدة وطبقة مستقرة بمقامات محكمة..فكان يعلم من يسمعه كيف يقرأ القرآن!؟ حتى أن المسئولين عن الحرم المكىّ أرسلوا له طائرة خاصة لضبط أجهزة الحرم المكىّ على خامة صوته.
وكان الشيخ..رحمه الله..يتميز بالوفاء ليس مع البشر فحسب..ولكن مع الشجر أيضا..فكان ينزل من السيارة كلما مرّ على الشجرة التى أتمّ تحتها حفظَ القرآن الكريم.بل إنّه اشترى قطعة الأرض التى نبتت فيها هذه الشجرة وأقام عليها معهدا أزهريًا لتدريس القرآن وعلومه..وبنى عليها مسجدًا تُقام عليه الصلوات..
وبعد أن صدح صوته فى الإذاعة المصرية نادى الشيخ الحصرى بإنشاء كتاتيب وتخصيص أماكن لتحفيظ كتاب الله..عزّ وجلّ..فى جميع مدن وقرى مصر.كما طالب بإنشاء نقابة لقرّاء القرآن الكريم فى مصر لرعاية شئونهم ومصالحهم..وقد شاركه فى ذلك الشيخ..محمود على البنا. عُين الشيخ الحصرى وكيلا لعموم مشيخة المقارئ المصرية.سنة-١٩٥٨-من الميلاد.سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وألف.ثمّ شيخًا لها عام-١٩٦١-ثمّ عين خبيرًا بمجمع البحوث الإسلامية لشئون القرآن الكريم بالأزهر الشريف..ثمّ عين رئيسًا لإتحاد قرّاء العالم سنة-١٩٦٧-
*تراث الشيخ*
ترك الشيخ..رحمة الله.. تراثا ضخما. =المصحف المُرَتَل برواية حفص عن عاصم.سنة-١٩٦١- =المصحف المُرَتَل برواية ورش عن نافع-١٩٤٦- =المصحف المُرَتَل برواية قالون عن الدُّورى عن أبى عمرو بن العلاء.-١٩٦٨- =المصحف المُعَلِم-١٩٦٩- =المصحف المُفَسَّر-١٩٧٣-
*كتبه*
للشيخ الحصرى..رحمه الله تعالى..أحد عشر كتابا تهتم بالقرآن الكريم وعلومه. =كتاب..أحكام قراءة القرآن الكريم. =كتاب..القراءات العشر من الشاطبية والدّرة. =كتاب مع القرآن الكريم. =كتاب معالم الإهتداء فى معرفة الوقوف والابتداء. =كتاب نور القلوب فى قراءة الإمام يعقوب. =كتاب السبيل المُيَسَّر فى قراءة الإمام جعفر. =كتاب رواية قالون عن نافع المدنىّ. =كتاب رواية الدورى عن أبى عمرو البصرىّ. =كتاب أحسن الأثر فى تاريخ القرّاء الأربعةَ عشر. =كتاب فتح الكبير فى الاستعاذة والتكبير. =كتاب..رحلاتى فى الإسلام.
*زهده*
كان الشيخ..رحمه الله تعالى..يرفض أن يتقاضى مقابلا ماديا على تسجيلاته الصوتية لكتاب الله تعالى..فقد كتب فى معروف الإذاعة المُخَصَصّ لكتابة الأجر.(لا أتقاضى أجرا على تسجيل كتاب الله تعالى.)وفى آخر حياته أوصى بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفّاظه..وإنفاقه فى وجوه الخير.وفى مسقط رأسه بنى لله مسجدا.ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم. جاب..رحمه الله… البلاد العربية.فقد زار أكثر من -٢٧-سبع وعشرين دولة عربية…وبعضا من الدول الأوربية.وقد قرأ القرآن الكريم فى البيت الأبيض.وأقام الأذان فى مقرّ الأمم المتحدة.وظلّ قارئا لكتاب الله ومعلما له على مادار نصف قرن.وقد أسلم عل يديه كثيرون.ففى زيارته لأمريكا أسلم على يديه ثمانية عشر فردا مابين رجال ونساء.
*تكربمه*
وقد حصل الشيخ محمود خليل الحصرىّ على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عيد العلم.سنة-١٩٦٧-وقد سلّمه إياه الرئيس الأسبق..جمال عبد الناصر..رحمه الله..
*وفاته*
بعد رحلة طويلة من العطاء والبذل والتفانى فى خدمة كتاب الله..تعالى..انتقل الشيخ إلى جوار ربه بعد أن علّم الأجيال كيف تقرأ القرآن الكريم.وقد نال خيرية الحديث الشريف..(خيرُكم من تعلّم القرآنَ وعلّمه. حيث وافته المنيةُبعد صلاة العشاء فى يوم الإثنين السادس عشر من شهر الله المحرم.عام واحد وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة.الموافق.الرابع والعشرين من نوفمبر. سنة ثمانين وتسعمائة وألف.
وأخيرا.. قال تعالى: “إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم. وكل شئ أحصيناه في إمام مبين.”
* كاتب المقال: موجه اللغة العربية بالأزهر الشريف سابقا.