تحل في الرابع والعشرين من أبريل من كل عام الذكرى السنوية لارتكاب الإبادة الجماعية ضد الأرمن على يد الأتراك، وهذا العام تأتي الذكرى الـ”110″ على وقوع تلك الجريمة الأكبر في تاريخ الإنسانية.
والإبادة الجماعية ضد الأرمن، أو ما يُعرف بـ”المجزرة الأرمنية”، هي واحدة من أفظع الجرائم التي ارتُكبت في القرن العشرين، ووقعت خلال الحرب العالمية الأولى، ما بين عامي 1915 و1917 على يد الدولة العثمانية. في 24 أبريل 1915، بدأت السلطات العثمانية باعتقال وإعدام عدد كبير من المثقفين وزعماء المجتمع الأرمني في إسطنبول، ويُعتبر هذا التاريخ بداية الإبادة.
تلت ذلك عمليات ترحيل قسري للأرمن من مناطقهم، خصوصًا في شرق الأناضول، إلى الصحارى في سوريا والعراق.
خلال هذه الترحيلات، تعرّض الأرمن إلى القتل الجماعي، والاغتصاب، والتجويع، والمذابح، ومات ما يُقدّر بـ 1.5 مليون أرمني.
وتمثلت أسباب وقوع هذه الجريمة في خوف العثمانيين من تعاون الأرمن مع روسيا، عدوة الدولة العثمانية في الحرب، كذلك، وجود عداء قومي وديني ضد الأرمن الذين كانوا مسيحيين في دولة ذات طابع إسلامي عثماني.
تعترف دول كثيرة اليوم، منها فرنسا وألمانيا وكندا، بأن ما حدث هو “إبادة جماعية”.
أما تركيا، وريثة الدولة العثمانية، ترفض الاعتراف بذلك وتقول إن الضحايا سقطوا ضمن أحداث حرب أهلية وفوضى الحرب العالمية الأولى، وليس إبادة ممنهجة.

المذابح الأرمينية أول واقعة تستخدم مصطلح “الجرائم ضد الإنسانية”
وبحسب خبير القانون الدولي المصري محمد حربي عن الذكرى الـ110 للإبادة الجماعية الأرمنية، وفي هذا السياق تناول أيضاً أهمية القضية الأرمنية من منظور القانون الدولي وأشار إلى أن القضية الأرمنية والجرائم البشعة المرتكبة ضد الأرمن هي حالة فريدة من نوعها من الجرائم ضد الإنسانية، تجمع بين أشكال مختلفة من الظلم والقمع، من التهجير القسري إلى القتل المتعمد وظروف المعيشة المهينة؛ ولذلك، كانت المسألة الأرمنية أول حدث استخدم فيه مصطلح “الجرائم ضد الإنسانية”، مما أحدث صدمة قوية للنظام العالمي وكرامة البشرية جمعاء. ويمكن القول إن المسألة الأرمنية تعتبر، في المقام الأول، قضية إنسانية، إذ كانت سبباً في إنشاء نظام المحكمة الدولية، الذي ظهر خلاله مصطلح “الجريمة ضد الإنسانية” وتم إقرار القوانين الدولية لمعاقبة هذه الجرائم. ونظراً لدورها المهم في تطوير العدالة والقانون الدوليين، فإن القضية الأرمنية تستحق دراسة قانونية فريدة، مستقلة عن المواقف السياسية”.
الأزهر يصدر فتوى تاريخية لتحريم قتل المسيحيين الأرمن في إقليم أضنة
>> مصر شهدت صدور أول كتاب عن إبادة الأرمن للمحامي السوري فايز الغصين.. والصحافة المصرية وثقت المذابح منذ عام 1915
>> “السيسي” أول رئيس عربي ندد بمذابح الأرمن أمام مؤتمر ميونخ للأمن في 2019
أصدر الأزهر الشريف وثيقة تاريخية عمرها يتجاوز 116 عاما تحمل فتوى أصدرها شيخ الأزهر سليم البشري عام 1909، بتحريم قتل الأرمن على يد الأتراك، لتؤكد أن تلك الممارسات “تلحق العار بالإسلام”، وتشهد بأن مصر كانت سبّاقة في إدانة تلك المذابح. ويعود إصدار هذه الفتوى إلى ما شهدته منطقة “أضنة” التركية من اعتداءات من قِبل بعض العثمانيين على الأرمن المسيحيين، حين كان الأرمن يسيطرون على الحياة الاقتصادية للمنطقة وقتها، ما تسبب في مقتل الآلاف.
وقال شيخ الأزهر في الوثيقة “طالعتنا الصحف المحلية بأخبار محزنة وشائعات سيئة عن مسلمي بعض ولايات الأناضول من المماليك العثمانية، وهى أن بعضهم يعتدون على المسيحيين فيقتلونهم بغيا وعدوانا، فكدنا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الشائعات ورجونا أن تكون باطلة، لأن الإسلام ينهى عن كل عدوان ويحرم البغي وسفك الدماء والإضرار بالناس كافة، المسلم والمسيحي واليهودي في ذلك سواء، فيا أيها المسلمون في تلكم البقاع وغيرها احذروا ما نهى الله عنه في شريعته الغراء، واحقنوا الدماء التي حرم الله إهراقها ولا تعتدوا على أحد من الناس فإن الله لا يحب المعتدين”.

الأزهر يحذر
وحذر شيخ الأزهر المسلمين في تلك المنطقة من مخالفة الشرع، قائلا: “يا أيها المسلمون الله الله في دينكم وإياكم وما حظر عليكم ربكم في كتابه وسنة رسوله، والفسوق عن أمره والنزول على ما فيه غضبه وسخطه، إن الذين عاهدوكم والمستأمنين لكم والذين جاوروكم من أهل الذمة بينكم حقا من الله تعالى في رقابكم أن تستقيموا لهم ما استقاموا لكم، وأن تمنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأن تجعلوا لهم من بأسكم قوة لهم، ومن قوتكم عزة ورخاء، وأن تكفوا عن أديرتهم وكنائسهم وبيعهم ما تكفون عن مساجدكم ومعابدكم”.
وأكمل الشيخ سليم البشري: “لا والله ما داس امرؤ حريمهم ووضع السيف فيهم وبنى عليهم، إلا كان ناقضا لما أخذ الله على المسلمين من عهد وأوجب عليهم من أمر، فيا أيها المسلمون لا تجعلوا للعصبيات الجنسية سلطانًا عليكم”.
كما استشهد الشيخ البشرى فى نهاية فتواه بالحديث الشريف: “من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة 40 عاماً”.
تحريض الأكراد والأتراك
وبحسب تقرير نشره موقع “سكاي نيوز عربية”، يؤكد الباحث التاريخي المتخصص في الدراسات الأرمنية، علي ثابت إن مصر كانت في طليعة الدول التي نددت بالجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن، والتي جرى تنفيذها عبر برنامج مُمنهج لإبادتهم عبر ثلاث مراحل دموية، الأولى جاءت في عصر السلطان عبد الحميد الثاني وراح ضحيتها حوالي 100 ألف أرمني، والثانية في أضنة عام 1909 والتي تعرّض فيها الأرمن لهجمات مسلحة على يد العوام الذين تم تحريضهم وإثارتهم، وكذلك القوات النظامية.
وبحسب ثابت، فإن ما لفت الانتباه في هذه المرحلة من الإبادة للأرمن هو إثارة الأكراد والأتراك باسم الإسلام ضد المسيحية استغلالا لجهل الناس بأحكام دينهم الصحيح، وعند هذا الحد وقف الأزهر لنفي هذه التهمة الشنعاء، وصدرت فتوى الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر في 26 أبريل 1909، والتي حرّم بمقتضاها إراقة دماء المسيحيين في إقليم أضنة.
وأوضح “ثابت” أنه تم ترجمة الفتوى إلى اللغة التركية، وطبع منها المحامي المصري حسن باشا صبري 25 ألف نسخة، وأرسلها لبر الأناضول بالتلغراف على نفقته الخاصة غيرة منه على الإسلام.
وشدد على أن فتوى الأزهر تعد أول وأكبر اعترافً من أكبر مؤسسة دينية في العالم، والتي سبقت إدانة الكنيسة المصرية لهذه الجرائم.

توثيق الأحداث
وأكد أن الصحافة المصرية وثقت بدقة منذ عام 1915، ما قامت به السلطات العثمانية بتنفيذ خطة التخلص من الأرمن نهائياً مستغلين انشغال العالم بالحرب العالمية الأولى، ويحمل الأرشيف المصري جرائم القتل والاغتصاب مما تسبب في إخضاع الجماعة الأرمنية لظروف قسرية أودت لإبادتها، وجعلها الجريمة النموذج، والتي على أساسها تم صياغة قانون منع إبادة الجنس البشري عام 1948.
وقال “ثابت”، إن مصر استقبلت اللاجئين الأرمن وأحسن ضيافتهم واعتبرتهم من أهل البلد وليست ضيوفًا، كما استقبل سعد باشا زغلول الأطفال اللاجئين من الأرمن بحوالي ألف لاجئ.
ولفت إلى أن مصر شهدت طباعة أول كتاب يصدر عن الإبادة الأرمينية باللغة العربية لمحامٍ سوري اسمه فايز الغصين تحت عنوان المذابح في أرمينيا، ونشر على حلقات في جريدة المقطم القاهرية، ثم تجميعه في كتاب.
وحديثا، قال ثابت إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان أول رئيس عربي يندد بما حدث للأرمن، خلال مشاركته بالجلسة الرئيسية لمؤتمر ميونيخ للأمن عام 2019.

وحينها قال الرئيس السيسي إن مصر استضافت قبل 100 سنة الأرمن، بعد المذابح التي تعرضوا لها، “ووجدوا الأمن والسلام والاستقرار لدينا”.
المكتبة العربية أهم المصادر التي وثقت جرائم الإبادة ضد الأرمن
>> مصر والشام والعراق والحجاز أهم البلاد العربية التي وثقت المذابح
وبحسب دكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة دمنهور، تعد المكتبة العربية من أهم المصادر التي وثقت قضية المجازر أو الإبادة الجماعية ضد الأرمن على يد الأتراك؛ حيث عكست المصادر العربية بامتياز القضية الأرمنية بكل أبعادها وملابستها وتداعياتها منذ تدويل المسألة الأرمنية بموجب المادة “61” من معاهدة برلين (1878) وحتى إجهاضها دولياً فى مؤتمر لوزان (1923).
ويُقصد هنا بالمصادر العربية – أو بالأحرى الكتابات العربية – تلك الأدبيات التى كتبها عرب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، بلغة الضاد وتعاطت القضية الأرمنية خلال الفترة قيد الدراسة أو بعدها بقليل. ومن ثم، تخرج الدراسات والكتابات العربية الحديثة عن هيكل هذه الدراسة. ويقع المدى الجغرافى للمصادر العربية فى الأقطار ذوات الصلة بالأرمن عموماً والقضية الأرمنية خصوصاً. وهنا تتجلى الأدبيات الصادرة من مصر وبلاد الشام والعراق والحجاز.

وفى هذا الصدد، ثمة ألوان متباينة من المصادر: الدراسات والمؤلفات، الكتابات الصحفية، الأدب، الشعر….إلخ
في الذكرى السنوية لمذبحة الأرمن.. “ترامب” يتراجع عن اعتراف سلفه “بايدن” بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك
> “بايدن” أول رئيس أمريكي يعترف بوقوع مذبحة الأرمن قبل 106 عاما
>> المدير التنفيذي للجنة الوطنية للأرمن بأمريكا: تراجع “ترامب” يمثل استسلاما مخزيا للتهديدات التركية
>> أرمينيا مستمرة في مساعيها للحصول على الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية للأرمن
امتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وصف المجازر التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى بأنها “إبادة جماعية” خلافا لموقف سلفه الديمقراطي جو بايدن.
وتنفي تركيا التي أقام رئيسها رجب طيب إردوغان علاقات وثيقة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ وقت طويل وجود إبادة جماعية، وسعت إلى منع أي استخدام دولي للمصطلح.
وفي رسالة سنوية يصدرها رؤساء الولايات المتحدة في مناسبة هذه الذكرى، تحدث ترامب عن “ذكرى تلك الأرواح الثمينة التي أزهقت في واحدة من أسوأ الكوارث في القرن العشرين”.
لكن في العام 2021، أصبح بايدن أول رئيس يعترف بالإبادة الجماعية، وقدّم في رسالته وقتها تحية لـ”جميع الأرمن الذين لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية التي وقعت قبل 106 أعوام”.

وقال آرام هامباريان، المدير التنفيذي للجنة الوطنية الأرمنية في أمريكا في بيان “إن تراجع الرئيس ترامب عن الاعتراف الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن يمثل استسلاما مخزيا للتهديدات التركية”.
وبحسب يريفان، لقي ما يصل إلى 1,5 مليون شخص بين عامَي 1915 و1916 حتفهم عندما شنّت السلطات العثمانية حملة على الأقلية المسيحية الأرمنية التي اعتبرتها خونة موالية لروسيا.
ولا تعترف تركيا بتلك الأحداث، وتقدر عدد القتلى الأرمن بما يتراوح بين 300 ألف و500 ألف، وتؤكّد أن عددا مماثلا من الأتراك لقوا حتفهم في الاضطرابات بعدما اختار العديد من الأرمن الوقوف بجانب القوات الروسية.
وتسعى أرمينيا للحصول على اعتراف دولي بالإبادة الجماعية، وحتى الآن اعترفت 34 دولة، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرازيل وروسيا، رسميا بالإبادة الجماعية.




