إستنكروا ، ونستنكر الهجوم الإسرائيلي على إيران ، إنطلاقاً من المثل القائل: الباديءُ أظلم .
ولكن ، لـوْ أن الذين أوعزوا بطوفان الأقصى وأوعزوا بإسناد الطوفان من لبنان وسوريا والعراق واليمن …
لو أنهم ساندوا أيضاً هذا الإسناد بطوفان رشقات الصواريخ التي انهمرت على إسرائيل في أعقاب الهجوم على إيران ، لكانت تغيّرت المعادلة ، ولكان يصحّ القولُ على الأقل : مَـنْ ساواك لنفسه ما ظلمك .
لم يكن هذا السيل الصاروخي عندما راح العدوان الإسرائيلي يطيح الأرض والشعوب …
ولم يكن هذا السيل الصاروخي العنيف بعد اغتيال شهيد المقاومة الأكبر السيد حسن نصرالله ، بل لرُبّما لم يكُنْ حصل اغتيالُـه . أمّا إنْ تقتصر المواجهة على الأذرع المفخّخـة ، فهذا يعني أنَّ عليك أنت أن تخوض الحرب دفاعاً عن القضية القومية والعربية الكبرى بالنيابة عني وعنك ، وأن تموت دفاعاً عنّـي وعنك ، تماماً كما هي حال إسرائيل بالنسبة إلى أميركا .
هذا النوع من الحرب بالوكالة يذكِّرنا بالخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي : 24تموز 2024 حين قال للأميركيين : “نحن نحارب عنا وعنكم في مواجهة الإرهاب الإيراني ، نحمي أنفسنا ونحميكم ، معركتنا معركتكم، وانتصارنا إنتصاركم” .
منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران كان في صُلْبِ عقيدتها تحريرُ فلسطين من الإغتصاب الصهيوني ، ولم تتورع عن إطلاق الوعيد والتهديد بإزالة إسرائيل من الوجود ، وقد خلقتْ وكـلاءَ لها في عدد من الدول العربية مدجّجة بثقافة الثورة وترسانات الأسلحة من أجل تحقيق هذا الهدف الموعود .
وليس من عربي ومسلم ومؤمن بالحق ، إلاّ ويتمنّى أنْ يصدُقَ هذا الوعد الإيراني ، وأن يجعل “بلفور” يترحّم في قبـره على ذلك الوعد الذي أطلقه لقيام الدولة الصهيونية في فلسطين .
ولكن ، كان من المفروض أن ندرك أنَّ إزالة إسرائيل من الوجود يحتّم أيضاً إزالة أميركا من الوجود ، وأوروبا من الوجود ، وعدم تهديد صمود العالم العربي في الدفاع عن وجوده .
وبين الوجود واللاّوجود ماذا كانت النتيجة :
بدل إلغاء وجود إسرائيل في فلسطين ، كان في فلسطين إلغـاءُ وجود قطاع غـزة … وبدل تحرير مزارع شبعا في لبنان ، كان احتلال مزارع أخرى وتحويل بعض لبنان إلى مزارع .
وبدل أن تحقّق الأذرع المسلحة أهدافها ، إنكفأَتْ على ذاتها، وانشطرت معها دولٌ على ذاتها ، وغرقت الشعوب البريئة في لجَُـجٍ من الدم .
على سبيل التذكير ، إنَّ العراق أطلـقَ بعضَ الصواريخ على إسرائيل سنة 1991 فنصَحَ وزير الخارجية الأميركي جيمس بايكر ، أن يعتصم رئيسُ الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير بضبط النفس ، وكان من تمادي صدام حسين بعنجهية التفّوق ، أنْ قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق وإطاحة نظام صدام حسين .
لا نريد أن نستبق نتائج يوميات الحرب بما يحقّقـه كل فريقٍ على الآخر في مجال المبارزة ، لعلّ ما يعنينا أن يشكّل هذا الواقع المضطرب والملتهب في المنطقة عبرةً تاريخية جديدة ، بأنّ تحقيق الأهداف الإستراتيجية ليس محكوماً دائماً بلغة الحديد والنار … إن الأمبراطورية العثمانية حكمت العالم العربي على مدى 400 سنة بالقتل والدم ، وانتهت أخيراً إلى الإرتماء في فراش “الرجل المريض” .
وإنّ ما يعنينا على الصعيد اللبناني هو ما تتمَّيـزُ بـهِ قيادة حزب الله من حكمة الموقف ، وأنَّ قرار السلم والحرب الذي كان منذ 1969 على الأقلّ رهينةً بيد المنظمات الفلسطينية حيناً ، وباليد الإيرانية حيناً آخـر ، ومن ثمَّ بيد الوصاية السورية ، يقتضي أخيراً أن يستقرّ باليد اللبنانية الشرعية .
يبقى : أنْ نشـدَّ على يـدِ الشرعية اللبنانية حتى تتمكن في هذه الظروف العصيبة من إتخاذ القرارات المصيرية دفاعاً عن سيادة لبنان وإعادة إعماره وازدهاره، حتى لا نقع مـرة بعد مـرة ضحيةَ قرارات الأخرين .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.