»» لماذا لم تغلقه إيران رغم عقود من التهديدات؟
يترقب العالم حقيقة التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز الحيوي بعد الإعلان عن موافقة البرلمان الإيراني على إغلاق المضيق في ظل التصعيد الإيراني الذي جاء ردا على الهجمات الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية صباح الأحد، فهل تفعلها إيران هذه المرة وتغلق المضيق أم أنها فقط ورقة تهديد لتخفيف الضغط عليها؟
يُعتبر مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث يربط بين الخليج العربي والمحيط الهندي، ويُعد الشريان الحيوي الذي يمر من خلاله حوالي 20% من النفط العالمي. يقع المضيق بين إيران من الشمال وسلطنة عُمان من الجنوب، وتبلغ نقطة عرضه الأضيق حوالي 34 كيلومتراً، مما يجعله نقطة اختناق استراتيجية بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي.
السلاح النفطي الذي لم يُستخدم.. لماذا تتردد إيران في إغلاق مضيق هرمز؟
عقود من التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز شهدتها الصراعات والحروب الإيرانية في المنطقة فلماذا تترد إيران في كل مرة عن إغلاق السلاح النفطي الذي تمتلكه وترعب به أسواق النفط العالمية؟
فعليا أغلق مضيق هرمز عام 1972، على إثر خلافات حدودية بين إيران وعمان حيث أصبح المضيق مُغلقاً قانونياً بالكامل عندما وسّعت كل من إيران وعُمان مياههما الإقليمية مما جعل المضيق بأكمله داخل المياه الإقليمية للدولتين. لكن هذا الإغلاق القانوني لم يؤثر على حرية الملاحة، حيث استمر مرور السفن التجارية والحربية دون عوائق خلال السبعينيات.
بدأت التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق مع نشوب حرب الناقلات النفطية بين العراق وإيران المنبثقة عن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من 1980 حتى 1988.
استمرت التهديدات حول إغلاق المعبر طيلة سنوات الحرب حيث استخدمت إيران المضيق كوسيلة للضغط على العراق، في تلك الفترة، لمنع تصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمي عبر الهجوم على الناقلات العراقية بالمضيق.
وبالرغم من تأثير الهجمات المتبادلة على المضيق من كلا البلدين إلا أن المضيق لم يُغلق بشكل كامل، ولكن أثر الإغلاق على الاقتصاد العالمي كان كبيراً حيث ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير بسبب مخاوف من نقص الإمدادات.
وانتهت الأزمة بتدخل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية لحماية المضيق بدعوى الحفاظ على ناقلات النفط الخليجية من الهجمات الإيرانية.
التهديدات الإيرانية المتكررة
توالت التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق مع كل أزمة أو صراع تواجهه إيران في المنطقة حيث تجددت التهديدات الإيرانية مرة أخرى مع أزمة العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد إيران عام 2012. فعليا لم تنفذ إيران تهديدها بإغلاق المضيق ولكن سياسيا واقتصاديا أدت التهديدات إلى تصعيد التوتر السياسي بينها وبين أمريكا بالإضافة إلى حدوث تقلبات في أسواق النفط العالمية.
تكررت التهديدات ذاتها عام 2019، عندما اتهمت إيران بالوقوف وراء الهجمات الحوثية على بعض السفن بالقرب من المضيق، مما دفع إيران بالتهديد مرة أخرى بإغلاق المضيق وأدى التهديد دوره السياسي والاقتصادي في زيادة التوتر الإقليمي والدولي.
مضيق هرمز مقابل المنشآت النووية، هل تغلق إيران المعبر هذه المرة ردا على ضرب برنامجها النووي؟
يبدو أن إيران تريد هذه المرة أن تثبت للجميع جدية تهديداتها فخرجت التهديدات بشكل شرعي عبر البرلمان الإيراني الذي وافق على إغلاق المضيق، ولكن بشكل جزئي فقد أحال البرلمان القرار إلى المجلس الأعلى للأمن القومي للتصديق على القرار.
تعيدنا تلك الخطوة المؤجلة من قرار الإغلاق إلى تساؤل رئيس هل تدرك إيران جيدا عواقب إغلاق المضيق الذي يمر عبره حوالي 20% من النفط العالمي بالإضافة إلى نسبة كبيرة من صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات.
وبالتالي تعي إيران ما يترتب على إغلاقه من تصعيد عسكري يمكن أن تواجهه هي في غنى عنه خاصة في ظل استنزافها في الحرب الإسرائيلية وبالتالي تتراجع في كل مرة عن إغلاق المضيق.
التهديد الإيراني بإغلاق المعبر في كل أزمة إيرانية سابقة كان يحقق هدفه من الردع، إذ كانت تستخدمه إيران كسلاح ردع ولكن هل تنجح هذه الحيلة هذه المرة؟
قدرة إيران وليس رغبتها هي وحدها من تستطيع ان تجيب عن هذا، فهل تمتلك إيران القدرة الحقيقية لإغلاق المعبر، إذ يتطلب إغلاق المضيق بالكامل موارد عسكرية ضخمة، بالإضافة إلى صعوبة السيطرة على المساحة المائية الواسعة لفترة طويلة لا يمكن تحديدها في ظل استمرار الحرب، كما أنه لا يمكن إغفال إمكانية التدخل الدولي السريع.
صحيح أن إغلاق المضيق هو سلاح إيراني في وجه خصومها ولكنه سلاح ذو حدين، فإن إيران هي الأخرى تعتمد على المضيق لتصدير نفطها أيضاً وبالتالي الإغلاق سيضر بالاقتصاد الإيراني بشدة، كما انه يمكن ان يتسبب في توتر علاقاتها مع حلفائه خاصة الصين.
في المقابل يأتي دور البرلمان الإيراني في الإعلان عن إغلاق المضيق ليضفي صبغة جدية على التهديد الإيراني خاصة وأن الأمر يتعلق بالبرنامج النووي الذي يمثل مشروع إيران الأول الذي تحملت من أجله كافة الصراعات والمواجهات والعقوبات لتحقيقه.
فهل يعني أن هدم المشروع النووي هو بمثابة هدم المعبد على رؤوس الجميع والذي يتمثل في إغلاق المضيق ذاك الممر الحيوي للتجارة بين آسيا وأوروبا، وكونه الطريق الوحيد للبضائع القادمة من الخليج العربي لعدم وجود بديل حقيقي للشحن التجاري من الخليج.
بعض الخبراء الاستراتيجيون يشيرون إلى وجود حل وسط يمكن أن تلجأ إليه إيران وهو إغلاق المضيق بشكل جزئي ويتمثل في مضايقة السفن التجارية وتفتيشها، استهداف ناقلات نفط محددة، إجبار السفن على طرق بديلة أطول.
الإغلاق الجزئي يمكنه أن ينقذ إيران من أزمات الإغلاق الكامل للمضيق إذ يترتب عليه ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10-20%، زيادة تكاليف الشحن والتأمين، تأثيرات محدودة على الإمدادات العالمية.
السيناريوهات البديلة لإغلاق المعبر بالكامل لم تقتصر فقط على الإغلاق الجزئي ولكن من المحتمل أيضاً أن تلجأ إيران إلى سيناريو التهديد المستمر من خلال تهديدات متكررة دون تنفيذ، عمل حوادث متفرقة لإثارة القلق، وإحداث قلق مستمر باستخدام التهديد كورقة ضغط دبلوماسية.
سيناريو التهديد المستمر يمكنه أن يساعد إيران في تحقيق عدة أهداف سياسية واقتصادية تتمثل في الآتي:
إحداث تقلبات في أسواق النفط.
زيادة علاوة المخاطر الجيوسياسية.
تأثيرات نفسية على الأسواق المالية.
ارتفاع تكاليف الوقود بشكل كبير في عدة قطاعات.
تعطيل سلاسل التوريد العالمية.
نقص في المواد الخام البتروكيماوية.
تضرر اقتصادي شديد رغم الاحتياطيات الكبيرة لدول الخليج.
على الجانب الآخر يبقى التدخل العسكري أكبر المخاوف التي تخشاها إيران حيال إغلاق المضيق والذي يمكن أن يتم تحت قيادة أمريكية بمشاركة أوروبية عبر البحرية البريطانية والفرنسية ودعم من دول الخليج العربي، ومساندة شرعية متمثلة في قرارات مجلس الأمن الدولي والعقوبات الدولية.
يتضح مما سبق أن إغلاق مضيق هرمز ليس بالقرار السهل وأمراً غير واقعياً كون التأثيرات الاقتصادية له ستكون كارثية في حال الإغلاق الفعلي، ولذلك ظلت إيران طوال عقود تبقيه في إطار التهديد ولكنه في ظل احتضار إيران وموته إكلينيكيا يبقى أمر غير مستبعد خاصة إذا استخدمته إيران بشكل جزئي كنوع من التهديدات والمضايقات الجزئية لانعاشها وإنقاذها من الموت.
إن فهم تاريخ مضيق هرمز وأهميته الاستراتيجية يُظهر أن أي تهديد جدي بإغلاقه يتطلب استجابة عالمية منسقة، وأن التكلفة الاقتصادية والجيوسياسية للإغلاق ستكون مدمرة لجميع الأطراف، بما في ذلك إيران نفسها.