هل الصراع بين القلب والعقل حقيقي؟ هل هو فعلاً موجود؟
يقولون لنا كثيرًا: «فكّر بعقلك، وأشعر بقلبك»، وكأن بداخلنا ساحةً فيها طرفان يتنازعان القرار. لكن الحقيقة أبسط وأعمق: ما نظنه صراعًا بين القلب والعقل ما هو إلا اندماج وتشابك وتعاونٌ دائمٌ لا نراه لأننا لم نحسن تفسيره بعد.
اليوم يهمس لنا العلم بسرٍ كان يسكن الصدور: التفكير ليس حكرًا على الدماغ وحده، ففي القلب شبكة عصبية حقيقية يسمّيها العلماء «العقل القلبي» (Heart Brain)، فيها أكثر من أربعين ألف خلية عصبية، تتصل بالدماغ عبر العصب الحائر، فتشارك همسًا في صنع القرار وتنظيم المشاعر وضبط توازن الجسد كله بخيوط خفية من نبضٍ وحكمة.
هنا يأتي القرآن ليقول لنا إن هذا السر لم يكن خفيًا:
قال الله: «لهم قلوب لا يفقهون بها»، وكأنه يهمس بأن الفقه لا يسكن الدماغ وحده، بل يحتاج تلك المضغة النابضة.
وقال: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»، ليكشف أن البصيرة تعيش في موضع لا تدركه العين، لكنها ترى به ما لا يُرى.
ويؤكد النبي ﷺ هذا المعنى بقوله: «ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». في قلبك إذن بصيرةٌ حيّة، شبكةٌ خفية تهمس للعقل ليفهم بها.
وهكذا ترى أن الحياة أجمل حين نفهم هذا التشابك ونتركه يتدفق دون قيد. فما نحسبه صراعًا ليس إلا حوارًا خفيًّا «بين نبضٍ وفكرة» يكفي أن نصغي له، لتجتمع الفكرة والخفقة في غرفة واحدة اسمها «العقل القلبي» – Heart Brain. والنتيجة: خفقة حكمة.