شيطانُ الشعر ومملكةُ الشياطين

adminhatem27 مارس 2023آخر تحديث :
شيطانُ الشعر ومملكةُ الشياطين
بقلم: جوزف الهاشم

كتبْنـا بلغة النثـر كثيراً فلم يكـنْ للنثر صـدىً ، وتوافقّا مع يـوم الشعر العالمي الذي أحيَتْـهُ منظمة الأمـم المتحدة في 21 آذار الجاري ، إرتأَينا أنْ نجـرّب بعضاً من لغـة الشعر ، لأنّ الشعر يوحي بـه الشيطان كما يقولون ، ونحن لا نـزال في حضرة جهنّـم.

وما يبـرّرُ المحاولة ، أنّ في النغَـمِ الشعري رنيناً قد يُطبِّـعُ الذين يستهويهم رنيـنُ الذهب ، كمثل ما يتـمُّ تطبيعُ القافلة على رنيـنِ النواقيس.

والواقع الرهيب الذي نعانيه اليوم يستوجب قـرعَ كـلِّ نواقيس الشعر ، واستحضار كـلِّ شياطينه ، حتى لا تقودنا القافلةُ إلى الكثير من المحاذير ، ولا تدفعنا غباوةُ الأحلام إلى اختيار الحكام بالخفّـةِ وسـوء التقدير.

وفي استذكار بعض الشواهد من أحكام الملوك في الماضي من الأيام نقول :

ملكٌ على عرشِ البلادِ تبدَّلتْ في عهـدهِ أفراحُنا أتْـراحا

مترنّـحٌ ، فكأنّـما جنيّـةٌ حملَتْ إليـهِ الخمرَ والأقداحا

أوْ ، حيَّـهُ الفردوسِ سـرُّ دهائها أغـواهُ حتَّى يأكلَ التفّاحا

فطغَتْ جهنّـمُ باللَّهيبِ وباللَّظىَ تُدمـي القلوبَ وتحصدُ الأرواحا

القيّمون جنَـوا عليهِ بمكْرهمْ وبغَـوْا ، فكان الكبشَ والسفّاحا

نهبوا المخازنَ والخزائن والجنَى لصُّ الحكومةِ يملكُ المفتاحا

هـوَتِ السفينةُ والعواصفُ عربدَتْ ما أيقظتْ مـن نومـهِ الملاّحـا

وعَـدَ الرعيةَ بالعُلى ، فهوَى العُلى وبـهِ نعَـى التغيـيرَ والإصلاحا .

***

بين الشعر والشيطان والصحافة والحكّام ، علاقة متلازمة على مـدى حقبات التاريخ ، والشعر كان قديماً سلطان بلاطات الملوك ، كمثل ما كان في الدواوين العربية منذ صدر الإسلام والعصر الأموي والعباسي والأندلسي ، وما قبل عصرَ النهضة وما بعدها ، فكان الشيطان الشعري والقلم الصحافي ثنائيةً ثائـرةً تفضح مجازر التيجان المرصّعة ، ومظالم العباءات المـذهّبة.

يقول الملك الفرنسي شارل التاسع في تكريم أحد الشعراء ، “كلانا يلبس تاجاً ، أنا في قدرتي أن أعطي الموت ، أما أنت فإنك تعطي الخلود …”.

والشاعر الإنكليزي الشهير : “جـون ملتون” إختار شيطان التمرّد في قصيدته “الفردوس المفقود” والتي كان لها علاقة أساسية في ثورة إنكلترا.

قد يستغرب بعضهم هذا التماذج الصحافي بين الشعر والسياسة.

ولكن ، من المفيد أحياناً أن نتخطّى النمط السياسي الكلاسيكي ، ورتابـة الكتابة الصحافية حتى لا نأسر أقلامنا في قوالب التقليد ، بـدل أن ننفتح على سائر المعارف والمقارنات الأدبية والعلمية ، بما فيها من تغذية للموضوعات السياسية الهادفة ، ومن عبـرة للسلطة البشرية الحاكمة.

وحسبي من هذه الدلالات إنها تشكلّ مقاربةً صارخة للإنحطاط التاريخي الذي أوقعنا فيه شياطين السياسة ، لعلنا نستلهم الخلاص مع شياطين الشعر.

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

الاخبار العاجلة