وهكذا … وبفضلِ مَنْ توالى على لبنان مِنْ أشباهِ رجالٍ وحكّامٍ أقزام ، أصبح هناك من يحذّرنا من ضـمّ لبنان إلى بلاد الشام ، وهناك من يعتبر أنّ لبنان شاطيءٌ سوري ، وهناك من يطالبنا بضمّ طرابلس إلى سوريا .
وماذا عن الجنوب والبقاع والأقضية الأربعة ، وكأنّما لبنان صبيٌّ يتيمٌ يحاول كلُّ عابرِ سبيلٍ أنْ يسجّلَهُ على إسمه ، وكأنما أرضُ لبنان رزقٌ سائبٌ يعلّم الناس الحرام . ولكن ، أين كانت بلاد الشام يوم كان لبنان يقرعُ أبواب العالمية …؟
يوم كانت بلاد الشام أرضاً مُنخفِضَة كان لبنان جبلاً ، وقبل أن ترتفع المطالبة بضم طرابلس إلى الشام ، كان سلطان فخر الدين يمتدّ من حلب إلى فلسطين .
وحين كان حكمٌ في الشام قبل مئة عام ، كان فارس الخوري اللبناني من بلدة الكفير رئيساً للوزراء في سوريا ، “وكان مدير الأمن العام فيها اللبناني جبرائيل حداد من طرابلس ، وكان وزير الداخلية اللبناني “رضا الصلح” ، ووزير العدلية اسكندر عمّون من دير القمر ، ووزير المالية سعيد شقير من الشويفات ، ووزير الصحة سليم موصلّي من بلدة “عبيـه” ، وكان في محكمة الإستئناف العليا فايز الخوري من الكفير ونجيب الأفيوني من حاصبيا(1) .
وحين عُـيّن فارس الخوري أيضاً وزيراً للأوقاف الإسلامية في سوريا ، راح نائب الكتلة الإسلامية في المجلس السوري عبد الحميد طبّاع ، يتصدَّى للمعترضين بالقول : “إننا نؤمِّن فارس الخوري المسيحي على أوقافنا أكثر مـمّا نؤمّن أنفَسنا.”
أمّا على الصعيد الداخلي فقد مررْنا بلحظةِ تخلٍّ تاريخي تـمَّ استدراكُها بلحظة وعـيٍ وطني ، وداوينا الداءَ بالداء ، والساحلَ بالساحل .
في مؤتمر الساحل الأول 1936 كان هناك إتجاهٌ لبناني يجنح نحو الإنضمام إلى سوريا ، وجاء مؤتمر الساحل الثاني يصوّبُ الإتجاه حين طرح فيهِ كاظم الصلح وتقي الدين الصلح بإيحاء من رياض الصلح معادلةً بعنوان : “الإنفصال والإتّصال” أي الإنفصال عن الضمّ والإتصال الأخوي بالعالم العربي .
ولقد تكلَّلت هذه المعادلة بالبيان الوزاري الأول للرئيس رياض الصلح : لا للشرق ولا للغرب .
وماذا بعد ، هل كلّما هبَّتْ علينا ريـحٌ من شرق ومن غرب ـ تتعرض أركان الكيان للإختلال ، ويتعرض الإستقلال للإحتلال …؟
الإستقلال بالمعنى القانوني والميثاق الأممي يعني سيادة الدولة المطلقة على أرضها والولاء المطلق لها والإنتماء المطلق إليها .
فليس هناك إستقلالان وسيادتان في دولة واحدة ، أن تكون سيادتان في دولة واحدة فهذا يعني أن الدولة دولتان ، وأن تكون دولتان في دولة واحدة فهذا يعني التقسيم . السيادة في القاموس معناها : الشرف والمجد والرفعة ، فَمَنْ يفقُـد سيادته يفقد مجـدَهْ وشرفَـهُ ورفعتَهُ .
وكلمة سيادة بما تعني من سموّ ترتقي إلى مستوى النبوّة ، من هنا كانت كلمة السيد لقباً للمسيح ، والسيد عند المسلمين مَـنْ كان مِـنْ سلالة النبوّة .
بعد خمسة عشر عاماً من استقلال 1943 ، لأننا لم نفهم معنى السيادة إنقسمنا على أنفسنا في ثورة 1958 ، وقبل انقضاء خمسة عشر عاماً كانت الإنتهاكات الفلسطينية 1963 ـ 1969 فكان اتفاق القاهرة ، وبعد أقل من عشر سينين 1975 سيطرت المنظمات الفلسطينية على أجزاء واسعة من لبنان فكانت الحرب وكان اتفاق الطائف .
وبعد دخول الثورة الإيرانية على خط المواجهة كان طوفان الأقصى بما خّلف من تدمير واغتيال واحتلال ، فصحّ فينا ما قاله الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة” للرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967 : “ذهب عبد الناصر لتحرير فلسطين فأخذوا منه سيناء .”
ومع انتظار مفاعيل القرار 1701 ، ماذا ننتظر بعد ، لنفتح صفحةً من القاموس كي نعرف ماذا تعني كلمة سيادة ، حتى لا نظلّ كلّ بضعِ سنين نضبط ساعاتنا على توقيت حروب الآخرين وتوقيت غروب الشمس وظهور القمر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ صقر أبو فخر : جريدة الشرق / 10/11/2022 .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.