خريطة القوة الخفية لإمبراطوريات الغاز في العالم

adminhatem3 أغسطس 2025آخر تحديث :
خريطة القوة الخفية لإمبراطوريات الغاز في العالم
فاطمة خليفة:

يشهد العالم اليوم تسابق كبير حول صفقات الطاقة ومن أحدثها صفقة الغاز السورية برعاية قطرية، للحصول على الغاز من دولة أذربيجان لتوليد الكهرباء إلى سوريا عبر الأراضي التركية، فلماذا يعيش البعض في النور والبعض الآخر يشتريه بالمال.

من يمتلك الغاز يمتلك الضوء، ومن يفتقده يخيم عليه الظلام، هكذا يشكل الغاز الطبيعي اليوم أحد أهم مصادر الطاقة في العالم، حيث يلعب دوراً محورياً في تلبية احتياجات توليد الكهرباء حول العالم. ومع التحولات الجيوسياسية المستمرة والحاجة المتزايدة للطاقة النظيفة، تكتسب خريطة الغاز العالمية أهمية استراتيجية متزايدة، خاصة مع بروز الشرق الأوسط كمنطقة محورية في هذه الصناعة الحيوية.

تشير أحدث الإحصائيات إلى أن الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في العالم تبلغ حوالي 208 تريليون متر مكعب، مما يعني وجود كميات كافية لأكثر من مائة عاماً بمعدل الاستهلاك الحالي. هذه الأرقام تعكس الأهمية الاستراتيجية للغاز الطبيعي كمصدر طاقة طويل المدى، وتبرز الحاجة لفهم خريطة إنتاجه وتوزيعه على مستوى العالم.

خريطة الغاز في الشرق الأوسط

تتركز أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم في ثلاث دول رئيسة تهيمن على الخريطة العالمية للطاقة، تصدرتها روسيا القائمة بـ 46.83 تريليون متر مكعب، مما يمثل حوالي 20% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، تليها إيران بـ 33.99 تريليون متر مكعب من الاحتياطيات العالمية، وقطر في المرتبة الثالثة بـ 23.83 تريليون متر مكعب من الاحتياطيات العالمية.

هذا التوزيع الجغرافي للاحتياطيات يضع منطقة الشرق الأوسط في موقع استراتيجي فريد، حيث تمتلك دول المنطقة مجتمعة الحصة الأكبر من الاحتياطيات العالمية. إيران وقطر وحدهما تمتلكان حوالي 30% من احتياطيات العالم، بالإضافة إلى احتياطيات السعودية والإمارات والعراق الكبيرة من الغاز، مما يجعل المنطقة لاعباً محورياً في أسواق الغاز.

شهدت روسيا النسبة الأكبر بنسبة نمو 7% في الإنتاج خلال العام الماضي، مدفوعة بزيادة الاستهلاك المحلي للغاز، بما في ذلك من القطاع البتروكيماوي، وأسواق التصدير الجديدة. والصين نمت بنسبة 6%، مما يعكس الطلب المتزايد على الطاقة في ثاني أكبر اقتصادات العالم.

وتمثل شبكات أنابيب الغاز التي تمتد عبر القارات دوراً محورياً في خريطة الغاز من خلال دورها في ربط الدول المنتجة بالدول المستهلكة، وتقدر قيمة سوق البنية التحتية لأنابيب الغاز في الشرق الأوسط بحوالي 5.5 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 6.73 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع في المنطقة،

خريطة توليد الكهرباء بين الدول المنتجة والدول المستهلكة

يلعب الغاز الطبيعي دوراً محورياً في توليد الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتمد معظم دول المنطقة بشكل كبير على هذا المصدر لتلبية احتياجاتها من الطاقة الكهربائية. هذا الاعتماد يعكس عدة عوامل، بما في ذلك وفرة الموارد المحلية، والكفاءة النسبية للغاز في توليد الكهرباء، والبنية التحتية المتطورة للصناعة في المنطقة.

مصر ..

تتأرجح مصر بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للغاز حيث تعتبر مصر من أكثر دول المنطقة التي تعتمد على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، بمعدل إنتاج يصل إلى حوالي 4.35 مليار قدم مكعب يومياً، واستهلاك يومي يصل إلى نحو 6.2 مليار قدم مكعب، ولتعويض هذا الفارق تحولت مصر من دولة مصدرة للغاز الطبيعي إلى دولة مستوردة للغاز المسال، فبالرغم من امتلاكها العديد من حقول الغاز الطبيعي ودورها الرائد في تصدير الغاز إلا أنها شهدت أزمة كهرباء كبيرة خلال العام الماضي أدت إلى اتباع خطة لتخفيف الأحمال تمثلت في انقطاع الكهرباء يوميا لمد تتراوح ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات.

لبنان ..

بالرغم من صغر حجمها ونسبة استهلاكها مقارنة بمصر إلا أن لبنان تعاني من أزمة انقطاع مستمرة للكهرباء منذ عدة سنوات، ولذلك تسعى لبنان للحصول على الغاز الطبيعي عبر خط الغاز العربي من مصر، بالإضافة إلى اعتمادها على حقول الغاز التي تمتلكها في شرق المتوسط مثل حقل قانا الذي تخطط لاستخراج الغاز منه، وكذلك حقل كاريش الذي استحوذت عليه إسرائيل من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحري مع لبنان.

من هنا يمكن القول بأن إسرائيل من اللاعبين المتحكمين في توليد الكهرباء كمورد أساسي للغاز في المنطقة، إذ تنتج الغاز الطبيعي من ثلاثة حقول رئيسية (ليفياثان وتمار وكاريش)، حيث تقوم بتصدير كميات كبيرة عبر الأنابيب إلى مصر والأردن. وتسعى لزيادة الصادرات إلى مصر والأردن كجزء من استراتيجيتها لترسيخ موقعها في المنطقة.

سوريا ..

تعتمد سوريا في توليد الكهرباء على الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي، وتشير بعض التقرير إلى أن احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي تصل إلى 15 تريليون قدم مكعبة، توجد في الحقول البرية، لكنها رهينة العقوبات الدولية والتوترات الداخلية، بالإضافة إلى انهيار البنية التحتية في القطاع الكهربائي نتيجة الحروب، مما أدى لحدوث فجوة كبيرة بين معدل إنتاج الكهرباء ومعدل الاستهلاك البالغ حوالي 23 مليون متر مكعب يومياً، بعجز يصل إلى أكثر من 70%.

واليوم استطاعت سوريا تحقيق خطوة في طريق إعادة بناء البنية التحتية الكهربائية من خلال عقد اتفاق يقضي باستيراد الغاز من أذربيجان بنسبة 1.2 مليار متر مكعب سنويًا، من حقل شاه دنيز للغاز في بحر قزوين.

الإمارات والسعودية ..

على النقيض تحتفظ دول الخليج العربي برصيد كبير من مصادر الطاقة المتنوعة، مما يوفر لها استقرار في مجال توليد الكهرباء، إذ تعتمد دول مثل السعودية والإمارات في توليد الكهرباء على الوقود الأحفوري بشكل كبير نتيجة الوفرة الكبيرة في موارد النفط والغاز.

ولكن استطاعت الإمارات توليد الكهرباء من مصادر متنوعة مثل الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي الذي يصل إنتاجه السنوي إلى حوالي 61.4 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى ارتفاع صادراتها من الغاز المسال إلى 2.90 مليون طن خلال النصف الأول من 2025.

أما المملكة العربية السعودية فتعد من أكبر منتجي الغاز حول العالم بنسبة إنتاج تصل إلى 9.73 تريليون متر مكعب سنوياً، وبالرغم من ذلك تصنف على أنها دولة مستهلكة وليست مصدرة للغاز، وتتنوع مصادر توليد الكهرباء في المملكة بين الغاز والنفط، حيث يمثل الغاز نسبة 62.7% من توليد الكهرباء، ولكن تسعى المملكة لتغيير هذا الوضع من خلال رؤية 2030، التي تهدف إلى تحويل مزيج الطاقة ليشمل 50% من الغاز والطاقة المتجددة.

يعكس حجم مشاريع خطوط الغاز بالشرق الأوسط حجم الدور الاستراتيجي للمنطقة كمنتج أساسي، والتي من أبرزها خط الغاز العربي الذي يمتد من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان ومن وإلى إسرائيل، بإجمالي طول حوالي 1200 كيلومتر، وأحدثها خط الغاز من أذربيجان إلى سوريا عبر تركيا.

إمبراطوريات الغاز في الشرق الأوسط

تتمركز السيطرة على تجارة الغاز العالمية في أيدي عدد محدود من الدول والشركات العملاقة التي تشكل ما يمكن تسميته بـ”إمبراطوريات الطاقة”. هذه الكيانات لا تتحكم فقط في استخراج وإنتاج الغاز، بل تمتد هيمنتها لتشمل شبكات النقل والتوزيع، مما يمنحها قوة استثنائية في تحديد مصير إمدادات الطاقة للعديد من الدول حول العالم.

في المقدمة تأتي شركة “غازبروم” الروسية كواحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم. بحجم إنتاج وصل إلى حوالي 515.6 مليار متر مكعب، وبرغم التحديات التي تواجهها بسبب الحرب والعقوبات الدولية، استخرجت “غازبروم” حوالي 416 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2023. وهذا النمو في ظل الحرب يعكس قدرة الشركة على التكيف مع الظروف المتغيرة وإيجاد أسواق جديدة، خاصة في آسيا.

شركة “قطر إنرجي” تعد هي أيضاً أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث كانت أكبر منتج للغاز الطبيعي في عام 2023 بنمو 3% مقارنة بعام 2022. والشركة تدير شراكات استراتيجية مع عمالقة الطاقة العالمية، حيث تتعاون مع إكسون موبيل وشل وكونوكو فيليبس وتوتال إنرجي وإيني في معظم أعمال بناء المشاريع، مما يعكس الطبيعة العالمية المعقدة لصناعة الغاز الحديثة.

من ناحية الصادرات، تبرز قطر كقوة مهيمنة في سوق الغاز المسال، حيث وقعت قطر إنرجي اتفاقية توريد مع بيترونيت LNG لتوريد 7.5 مليون طن سنوياً من الغاز المسال من 2028 إلى 2048. هذه العقود طويلة المدى تعكس الاستراتيجية القطرية لضمان أسواق مستقرة لعقود قادمة، مما يعزز من موقعها كلاعب أساسي في تحديد مستقبل إمدادات الطاقة العالمية.

قطر تسيطر على تجارة الغاز المسال عبر هرمز

خمس التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال تمر عبر مضيق هرمز، مما يبرز أهميته الاستراتيجية الحيوية كممر مائي لأمن الطاقة العالمي، كما أنه يمثل الجزء الأكبر من تدفقات الغاز المسال من الخليج.

وهذا التركز الجغرافي يجعل استقرار المنطقة أمراً بالغ الأهمية لأسواق الطاقة العالمية، ويفسر جزئياً الاهتمام الدولي الكبير بأمن الملاحة في هذه المنطقة، خاصة في ظل الصراعات الإقليمية والتوترات الدولية التي تؤثر سلامة الملاحة في مضيق هرمز.

وبحسب تقارير دولية تعد قطر من أبرز الدول الرائدة في إنتاج الغاز المسال كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم عبر مضيق هرمز حيث تصدر حوالي 17 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى الإمارات التي تلعب أيضاً دوراً مهماً في سوق الغاز المسال، حيث بلغت صادراتها نحو 2.90 مليون طن خلال هذا العام.

في النهاية يمكننا القول أن سوق الغاز يلعب دوراً محورياً في تحديد أسعار الطاقة العالمية واستقرار الإمدادات.

وبلغة الأرقام تهيمن منطقة الشرق الأوسط على الاحتياطيات العالمية للغاز، مما يجعلها المولد الحيوي الأكبر للكهرباء، ويضع قوته في أيدي عدد محدود من الدول المنتجة.

وبالرغم من ذلك تعاني الكثير من بلدان المنطقة من مشاكل انقطاع الكهرباء المستمر، مما يضطرها إلى استيراد الغاز من دول المصدر فتسعى طول الوقت للحفاظ على استقرار العلاقات معهم. مما قد يجعلها تقع رهينة العلاقات مع الدول الكبرى المنتجة.

الاخبار العاجلة